ناصر أبو نصّار
أطلّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يوم الجمعة الماضي الموافق 29 كانون الثاني، بعد استهداف العدو الصهيوني لمجموعة من المقاومين في القنيطرة السورية في عملية اغتيال جبانة، استشهد فيها ستة من المقاومين اللبنانيين وضابط في الحرس الثوري الإيراني، لكنه لم يُطِلّ خالي الوفاض، فقد سبقت صواريخ الكورنيت التي استهدفت رتلاً عسكرياً صهيونياً كلماته وخطابه، حيث أسفرت عملية شبعا البطولية عن مقتل عدد من جنود الاحتلال. تضاربت الروايات حول عددهم وخطورة إصاباتهم، إلا أن ما أفصحت عنه العملية البطولية يتجاوز عدد قتلى جنود الاحتلال وعدد مركباتهم المدمرة، لينفذ إلى عمق الصراع ويرسم ملامحه الجديدة.
وفيما يلي تحليل ومعالجة لأبرز ما تناوله السيد حسن نصر الله في كلمته، وكيفية تعامل الجهات الإعلامية المختلفة معها ومع عملية مزارع شبعا، واستهداف المقاومين في القنيطرة.
اتخاذ قرار الرد منذ اللحظة الأولى لاغتيال القنيطرة
أوضح الأمين العام لحزب الله بأن قرار الرد اتخذ على أعلى المستويات في حزب الله منذ اللحظة الأولى لاغتيال القنيطرة، وأن الحزب كان على أعلى مستويات الجهوزية لتحمّل نتيجة الرد، وأنه كان ذاهباً للنهاية في خياره هذا وما قد يعنيه من إعادة فتح الجبهة اللبنانية على مصراعيها في مواجهة المحتل.
إن اتخاذ قرار الرد وتنفيذه يميط اللثام عن تجاوز الحزب لحرب خفية لم تتوقف مع العدو الصهيوني، وأعني هنا الحرب الاستخباراتية التي حكمت شكل الصراع ما بين الحزب والكيان الصهيوني في الفترة الممتدة منذ عام 2006 وحتى اتخاذ الحزب لقرار الرد وتنفيذه، ذلك أن وقع انتصار المقاومة في حرب تموز عام 2006 على الكيان الصهيوني، كان كالكارثة التي أحاقت بمؤسساته العسكرية والسياسية والاستخباراتية، فكرس مجهوده الحربي في إدارة حرب استخباراتية على حزب الله، وإعادة دراسة بنيته وآليات عمله على كافة المستويات العسكرية والسياسية والاجتماعية.
ولكن ما الذي يعنيه تجاوز حزب الله لحرب الاستخبارات الخفية مع العدو الصهيوني والمبادرة إلى الرد العلني؟ لقد عوّدنا الحزب بأنه لا يتجاوز معركة إلا بعد أن يحسمها لمصلحته، وهنا يثور عدد من الأسئلة حول ماهية الانتصار والحسم الاستخباراتي لمصلحة حزب الله، ذلك أنه -وفي خضم هذه المعركة الخفية- خسر قيادات بارزة مثل قائد انتصار حرب تموز الشيخ عماد مغنية، بالإضافة إلى حسان اللقيس، وختاماً مجموعة القنيطرة، فما دلائل حسم هذه المعركة لمصلحته؟
لقد كان خطاب السيد حسن مقدمةً لصيغة الحسم، حين صرح بجزالة بأن “أي عملية اغتيال ستحمّل إسرائيل مسؤوليتها وسيكون رد الحزب جاهزاً ومباشراً”، وبالتالي يكشف حزب الله عن شكل إدارته لهذه الحرب ورؤيته لحسمها.
أولاً: بإخراجها إلى العلن، وأعني هنا العلن السياسي بما يمليه من تبعات على الكيان الصهيوني.
ثانياً: أن كوادر الحزب وجمهوره أصبحوا جزءً من معادلة حسم المعركة الاستخباراتية، وأنهم جميعاً معبئين لحسم هذه المعركة.
ثالثاً: أن رد الحزب سيكون حراً وغير خاضع لأي صيغة من صيغ قواعد الاشتباك.
رابعاً: إذا كان رد الحزب حاضراً ومباشراً؛ فهذا يعني بأنه قد حقق بنك أهدافه الاستخباراتية، وأن أي رد قادم سيثبت صحة انتصاره في الحرب الاستخباراتية.
بالتالي يكون الحزب قد أنهى مرحلة الحرب الخفية وأعاد نقل المعركة إلى حيزها الجماعي والعلني، كمعركة مفتوحة مع الاحتلال انتهى الحزب فيها من مرحلة إعادة رسم الخارطة الاستخباراتية بما يخدم مصالحه، تاركاً للصهاينة وقادتهم من جمعة المعلومات الاستخباراتية عن حزب الله، أوهامهم ليغامروا بها مرة أُخرى معه، مغامرة أخرى لن تقودهم إلا إلى فشل ذريع آخر أشد وأكثر إيلاماً من حرب تموز.
نهاية نظرية توازن الردع
في هذا السياق، أكّد الأمين العام لحزب الله أنه “إذا كان العدو الإسرائيلي يحسب حسابه أن المقاومة مردوعة وأنها تخشى الحرب، أنا أقول له اليوم في ذكرى شهداء القنيطرة وبعد عملية مزارع شبعا النوعية، فليأخذ هذا العدو علماً، نحن لا نخاف الحرب ولا نخشاها، ولا نتردد في مواجهتها وسنواجهها إذا فرضت علينا وسننتصر فيها إن شاء الله”.
استخدم هذا الجزء من خطاب السيد حسن كثيراً من قبل وسائل الإعلام، مثل العربي الجديد والعربية والجزيرة، بوصفها دعوة إلى العدو الصهيوني لتثبيت الأمور على ما هي عليه، والتأكيد على نظرية توازن الردع وليس تجاوزها، وخصوصاً اقتطاع الجزء التالي من سياقه “سنواجهها إذا فرضت علينا”، وكأن هذا الاقتطاع يثبت قاعدة توازن الردع، مسقطين من حسبانهم بأن حزب الله يتعاطى مع خطاباته كما معاركه بصورة كلية، ولا أعني هنا خطابه الأخير فقط، بل مسلسل خطاباته وتصريحاته وأفعاله على الأرض، وليس التهديد بتحرير الجليل في تصريح سابق للسيد حسن، وإعادة التأكيد عليه في أكثر من مناسبة ولقاء متلفز، إلا بكسر موضوعي لقاعدة توازن الردع.
ثم إن حديثه في خطابه الأخير عن موت القرار (1701)، له دلالاته الواضحة بأن هذا القرار الذي طالبتم المقاومة باحترامه قد سقط من العدو ابتداءً، وسقطت القواعد والتفاهمات الداخلية والخارجية التي قامت على أساسه، ودفنت في كفن واحد معه، وبالتالي سقط توازن الردع بسقوطه. والآن نحن أمام مرحلة جديدة يريد الحزب خط ملامحها، والقول بأننا مقاومة غير مضبوطة، لا بسقف سياسي ظن البعض بأننا لن نتجاوزه بموجب تحالفاتنا الإقليمية والدولية، ولا بممكنات عسكرية، فالحزب قادر على الوفاء بوعوده عندما يطلقها.
وهنا تحدث بوضوح وأسقط ورقة التوت التي أراد أن يختبئ خلفها عراة الصحافة، عندما أشار بوضوح إلى أن المباحثات النووية الإيرانية-الأمريكية، لم تؤثر في قرارنا، وأن النظام السوري لم يكن ليتدخل فيه “لأن أصدقاءنا لا يقبلون المذلة لنا”، ورغم قناعتي التامة بتنسيق العلاقة إقليمياً ودولياً بين حزب الله وحلفائه وأن تحركاتهم خاضعة لحسابات معقدة ومدروسة تلزمهم جميعاً بخوض معركة موحدة، إلا أنني أرى أيضاً بأن محور المقاومة بأسره أخذ ينحى باتجاه أكثر تناحرية، وأنه أصبح يدرك بتجربته الخاصة، بأنه لا أفق لمقاومة مضبوطة ولا ممانعة مضبوطة ولا تعايش ممكن مع المشروع الصهيو-أمريكي وأدواته في المنطقة، وهو ما يقودنا للمحور الثالث من خطاب السيد حسن في معالجتنا هذه، حين أطلق على جبهة النصرة المتواجدة على الشريط الحدودي في الجولان، الاسم الوحيد الذي يليق بها بوصفها جيش لحد سوري.
جيش لحد السوري
(إسرائيل تحبط “طبخة” طهران في الجولان)، عنوان مقالة لماجد الشيخ في صحيفة العربي الجديد، وإن كنت أرغب في دراسة مواقف الصحافة في الجزء الثاني من هذه المقالة، إلا أن عنوان المقالة الواردة في صحيفة العربي الجديد مستفز لدرجة دفعتني إلى إيراده للتدليل على ماهية البروباغندا “اللحدية”، التي تنتشر عبر صحف تدّعي العروبة والجدية. أي جدية وأي عروبة تعمد إلى نقل رسائل الاحتلال الصهيوني للمقاومة، وتهدئ من روع الجماعات التكفيرية المسلحة على الشريط الحدودي في القنيطرة؟
ذلك بالضبط ما يدفع السيد حسن لوضع ما يسمى “بالمعارضة السورية” على المحك، لإزالة حالة الالتباس في الوعي العربي، عندما أوضح بهدوء أن جبهة النصرة هي المسيطرة منذ سنوات على الشريط الحدودي مع العدو الصهيوني، تاركاً باب الأسئلة مشرعاً على مصراعيه. فما الذي يمنع فرع “تنظيم القاعدة” من استهداف الكيان الصهيوني؟ ألم تكن ذريعتهم عدم وجود حدود لهم مع الكيان؟ ها هم على حدوده، فلماذا إذاً يؤمّن جيش الاحتلال الصهيوني ظهرهم؟ لماذا تتولى مستشفيات الكيان الصهيوني معالجتهم؟ ولماذا يتم توجيههم ميدانياً وعسكرياً عبر قيادات عسكرية صهيونية بارزة؟
حزب الله يذهب بعيداً لتعميق جذرية المعركة مع الجماعات التكفيرية، من أمثال النصرة وداعش، ويضعها في معسكرها التي وضعت نفسها به، ولكن بصورة أكثر وضوحاً لا تترك مجالاً للتعامي عنها، عندما تقف على الشريط الحدودي تحمي المحتل ويحميها، تكون والحالة هذه جزءً مادياً من قوامه، وامتداداً موضوعياً لمشروعه، ولا جذرية أعمق عند اللبناني من جذرية المعركة التي حكمت سنوات نضاله من تلك المعارك التي خاضها مع “جيش لحد”. السيد حسن قصد التعبير وقصد الجذرية وقصد عمقها، وبشر بنتيجتها، فمصير النصرة وداعش كمصير “جيش لحد” ونهايتها وأدوات مشروع التفتيت في المنطقة قد اقتربت.
نصر الله، وراء العدو في كل مكان
“نحن لا نعترف بقواعد الاشتباك”، “لا نعترف بتفكيك الساحات والميادين”، “سنرد في أي زمان ومكان” ثلاثة صيحات أطلقها السيد حسن، مما يعني أن القاعدة الوحيدة للاشتباك مع العدو هي القاعدة التي أطلقها الرفيق وديع حداد في ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم تحت شعار “وراء العدو في كل مكان”، ليدخل العدو في متتالية احتمالات لا حصر لها.
إن القاعدة الجديدة للاشتباك قد بدأت من البيان رقم 1، والذي علقت عليه الصحافة بأنه شبيه بصيغة البيانات الحربية، والتي يتوقع معها صدور البيان اثنان وثلاثة .. الخ، وإن إصرار الإعلام المقرب من حزب الله على تسمية خطاب السيد حسن نصر الله عصر الجمعة بالبيان رقم 2، يرجح احتمال استمرار المعركة، وبأنها لم تنتهي بعملية شبعا البطولية، بل إنها بدأت على قاعدة “وراء العدو في كل مكان”، ذلك أن رصيد “حق الرد” الذي احتفظ به حزب الله في اغتيال اللقيس ومغنية لم ينضب بعد، وأن تثبيت هذه القاعدة “وراء العدو في كل مكان” سيكون من رصيد عمليتي الاغتيال لمغنية واللقيس، فلا يستغرب أحدكم من صدور البيان رقم 3 في القريب العاجل حتى تصفية الحساب.
تفكيك الإعلام المضاد لحزب الله، العربي الجديد أنموذجاً
نشرت صحيفة العربي الجديد سلسلة من المقالات والتحليلات بأسماء كتابها “المستقلين” تعليقاً على عملية الاغتيال، وعملية المقاومة في القنيطرة، وخطاب السيد حسن. سأقتبس منها ومن عناوينها في محاولة لتظهير موقفها الكلي كصحيفة وإن اختبئت خلف أسماء كتابها، وبعد إيرادها جميعاً سأعمد إلى مراجعتها في سلة واحدة:
– عنوان ( الحرب وحساباتها).
“الثقة التي اهتزت منذ العام 2008، تاريخ اغتيال رئيس أركان حزب الله، عماد مغنية، في دمشق، وتهديد الحزب، منذ ذلك الحين، بالرد الذي لم يأت. وبعد ذلك، انخراط حزب الله في القتال على الجبهة السورية، وما تكبّده هناك من خسائر، إضافة إلى جهوده في إقناع بيئته الحاضنة في أن القتال في سوريا أولوية مقدمة حالياً على قتال إسرائيل” – 31 يناير/العربي الجديد.
– عنوان (التوتر الأمني يزيد قوة “الليكود” ويعزّز مكانة نتنياهو).
“بيّنت استطلاعات للرأي العام الإسرائيلي، نشرت اليوم الجمعة، بعد عمليتي القنيطرة، ورد “حزب الله” في عملية شبعا أمس الأول، تعزّز قوة “الليكود” الانتخابية بعد أن كان تحالف “المعسكر الصهيوني”، حصل قبل العمليتين على عدد أكبر من المقاعد” – 30 يناير/ العربي الجديد.
– عنوان (وسائل التواصل اللبنانيّة وعملية شبعا: الانقسام أقوى).
“ووصل هذا الانقسام إلى وسائل الإعلام، ففيما تعرّض إعلاميون على وسائل التواصل للهجوم من قبل مستخدمين بسبب مواقفهم السياسية، عرضت قناة “أو تي في” التابعة للتيار الوطني الحر (ميشال عون)، أمس، تقريراً يُظهر النائب ستريدا جعجع من القوات اللبنانية (زوجة سمير جعجع)، وهي تقول: “ولعانة بالجنوب؟… انشالله يا رب”، تبيّن أنّه مجتزأ من حديث دار بينها وبين إعلاميّة في مجلس النواب. كما تداول مستخدمو وسائل التواصل بياناً ساخراً عن القوات اللبنانية، تبيّن أنّه مزيّف.” – 29 يناير/العربي الجديد.
– عنوان (رصاص مناصري “حزب الله” يصيب مواقع التواصل الاجتماعي).
“وبسبب كثافة الرصاص والأصوات المخيفة التي عاشتها بيروت، نشر المغردون والناشطون مئات التغريدات حول الموضوع في دقائق قليلة. وشملت التغريدات كل الأطراف الموالية والمعارضة لـحزب الله” – 30 يناير/ العربي الجديد.
– عنوان (السنيورة: كلام نصر الله يلغي إرادة الشعب اللبناني).
“اعتبر رئيس كتلة “المستقبل” النيابية، فؤاد السنيورة، أن حديث الأمين العام لـ “حزب الله”، حسن نصر الله، عن قواعد الاشتباك مع إسرائيل “متفرد ومتسرع ويلغي إرادة الشعب اللبناني”. وقال السنيورة في كلمة له في الذكرى السنوية الأولى لاغتيال الوزير السابق والقيادي في تيار “المستقبل”، محمد شطح، إنه “ليس مسموحاً لأي طرف أن يقرر عن اللبنانيين والسلطات المنبثقة منهم، ولقد سقطت مرحلة التخوين وفحص الدم فنحن لم نتخلَّ عن قضية فلسطين ولن نعطي الراية لمن يريد خطفها.” – 31 يناير/العربي الجديد.
لقد حاولت صحيفة العربي الجديد عبر مقالاتها وكتّابها ضرب بنك أهداف خاص بها، تستهدف فيه النيل من مصداقية المقاومة، والتعبير عن التناقض المجتمعي لبنانياً وعربياً مع حزب الله، ومع محور المقاومة، ومحاولة التشكيك به وبمشروعيته، وقد خصصت صحيفة العربي الجديد بالتدليل على نماذج الإعلام المناهض للمقاومة، لأنها صدرت نفسها عبر مؤسسها، عزمي بشارة، كصحيفة تسعى لإعادة تكوين البنية المعرفية للعقل العربي.
وإذا مضينا وفقاً للتسلسل الأبجدي سوياً من أ إلى ه، نستطيع أن نكتشف بأن بنك الأهداف المحدد في كافة المقالات المنشورة على صفحات العربي الجديد كانت تستهدف التأكيد على اهتزاز ثقة الشارع اللبناني بقدرات حزب الله على الرد منذ عام 2008، وبيان أن سبب هذا العجز هو انهماكه بما يجري في الساحة السورية من حرب مع الجماعات التكفيرية، لتعيد مقاربة دخول حزب الله في الحرب السورية من زاوية جديدة، هي زاوية “فقدانه لقدراته في الردع”، وبالتالي “اهتزاز ثقة” جمهوره به، وكأنه يوجه دعوة للحزب بإعادة ترتيب أولوياته والانسحاب من سوريا، لينتقل بعد ذلك إلى محاولة دراسة أثر رد حزب الله على العملية، بأنه يصب في مصلحة اليمين الصهيوني ويخدمهُ انتخابياً، ويبرر بشكل أو بآخر تدخل دولة الاحتلال في حماية الجماعات التكفيرية المسلحة، كنتيجة لدخول حزب الله في الحرب الدائرة في سوريا، وكأن نمو اليمين الصهيوني الأكثر تشدداً في دولة الاحتلال ناجم عن رد حزب الله، والتوتر على الحدود الشمالية، مسقطاً كامل السياق الموضوعي لنمو اليمين الأكثر تشدداً، وتعاظم دوره أمام حالة التفتت العربية، وفرصته التاريخية في ابتلاع مزيد من الأرض، وتعزيز هيمنته واستقوائه في المنطقة.
ولا تنس صحيفة العربي الجديد في بنك أهدافها استهداف الشعب اللبناني في وعيه، وطريقة استيعابه معرفياً لخصومه السياسيين، وانتهائها في خبرها (وسائل التواصل اللبنانيّة وعملية شبعا: الانقسام أقوى) إلى مغالطة التيار الذي يعارض سمير جعجع وستريدا لعدم تثبتهم ولعدم مهنيتهم، ولتناقلهم فيديوهات “مجزوءة” لا تظهر حقيقة ستريدا جعجع وحزبها، وهو سلوك صحفي انتهازي يقتطع من التاريخ نصيبه الأعظم، والمليء بتاريخ القوات اللبنانية المتآمرة على الشعب اللبناني، وعلى كل مقاومة شريفة انطلقت في وجه المحتل الصهيوني، فإذا كانت صحيفة العربي الجديد تعارض قبولنا لفيديو مجزوء، تمنت به استريدا اشتعال الجنوب، فإنها لن تستطيع تجزئة تاريخ سمير وستريدا جعجع الدموي من ذاكرتنا وعقولنا.
وتوجت مواقفها في تظهير خطاب السنيورة في ذكرى اغتيال محمد شطح، ليصبح الناطق باسم الشعب اللبناني، وينتزع من مليونيات حزب الله الشعبية إرادة المقاومة بتصريح واحد، تصدره العربي الجديد كعنوان بديل لإرادة الشعب اللبناني، حيث أنها ترفض كما يرفض السنيورة انتزاع إرادة الشعب اللبناني من حزب أو تنظيم كحزب الله، إذا ما قرر الرد على عنجهية المحتل الصهيوني واغتيالاته، وتعديه المستمر على الأرض والشعب اللبناني.
هذا الخطاب وتظهيره مع التمسك بالاقتباسات المحددة لكلمات السنيورة، هو اقتباس حرفي للموقف الأمريكي من حزب الله، واقتباس حرفي للموقف الصهيوني من حزب الله الذي فشل بآلته العسكرية مواجهة هذا الحزب، ولم يجد بديلاً أفضل لمواجهته سوى عملائه المحليين، الذين يتحدثون عن إرادة مغايرة للشعب اللبناني، إرادة لا تريد أن تسلب من قبل حزب الله بقرارات الرد، إرادة سلبها الأمريكان وعملاء الصهاينة إلى المنطقة الضبابية التي تلتبس عند البعض، وتظهر واضحة عند البعض الآخر، إنها إرادة العربي الجديد، إرادة الخيانة للأرض والشعب.
الشيوعيون وجدلية تحرير الأرض والإنسان
نعم نصطف مع المقاومة، نعم نكابد معها وندافع عنها في وجه أعداء الداخل والخارج، نعم نختلف مع حزب الله في القيم الاجتماعية، وفي رفض حدود الطائفة والطائفية، لكننا نعود ونتحد على بندقية مصوبة، في وجه:
أولاً: المحتل الصهيوني كنافذة أمامية لمشروع الإمبريالية في المنطقة العربية.
ثانياً: الجماعات التكفيرية التي تعمل على إنفاذ خارطة التفتيت في المنطقة، والتي تعمل على شرعنة شكل دولة الاحتلال العنصري بآفاقها وطروحاتها السياسية الطائفية والدينية.
ثالثاً: كل خائن وعميل يخدم مصالح المستعمر الغربي ومشروعه النيوليبرالي.
نعم نخاصم حزب الله في الكثير من الأفكار الأساسية، ولا نخاصم مقاومته، بل ندعمها ونصطف معها، ونختلف معه من نفس الخندق المقاوم، لأن تحرير الأرض و تحرير الإنسان من أتون الطائفية والاضطهاد الطبقي عاملان لا ينفكان عن الجدل، لأن تحرير الإنسان لا يكون إلا بعلمنة المجتمع وتحرير الفكر من الخرافة، ولأن تحرير الأرض لا يكون إلا بالتحرر من كافة أشكال الهيمنة الإقليمية والدولية. نعم، نخاصم حزب الله، نخاصمه كثيراً وكثيراً، ولا نخاصم بندقيته المقاومة، وإنما نقف معها.
:::::
“راديكال”، العدد التاسع والخمسين 01-28 شباط 2015
http://radicaly.net/articles-analysis/