السعودية والوهابية

د.موفق محادين

بعد رحيل الملك عبد الله بن عبد العزيز، انشغل العالم بتركيبة العائلة والآفاق التي تنتظر هذه المملكة، وغابت عن كثيرين مسائل مهمة أو لا تقل أهمية عن حكاية الأجيال، والفرع السديري من العائلة، (نسبة إلى حفصة السديرية وأولادها الأقوياء السبعة الذين رحل معظمهم “فهد وسلطان ونايف وعبد الرحمن وتركي”) وبقي منهم الملك الجديد، سلمان وشقيقه، أحمد….

فعلى أهمية هذا الفرع والمواقع الأساسية له في الدولة فلم يتوج بالعرش منهم سوى الملك فهد ثم الملك الجديد، سلمان، بينما كان العرش من نصيب الأمراء الآخرين مثل فيصل (والدته من آل الشيخ) وعبد الله (والدته من شمّر) وغيرهم…

ثمة ما يقال حول تاريخ هذه الدولة وتشابكاتها الداخلية والخارجية، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهي معروفة للجميع، ولكن ما ظل ولا يزال موضع قلق فيها وعند تحالفاتها.. شراكاتها الاقتصادية ولعبة الأمم من حولها، بل حساسيتها لشريكها الايديولوجي التاريخي، وما اعتور هذه الشراكة من محطات وانعكاسات محلية واقليمية.

ولا يخفى على أحد، أن من جملة ذلك، الشكل الذي انتقلت فيه السلطة لأول مرة من سعود إلى فيصل، وما رافقها آنذاك من (حضور) قوي لحليفها الاقليمي العربي ضد بغداد ونوري السعيد، والمقصود القاهرة الناصرية.

وهو الأمر الذي تجلى في حركة (الأمراء الأحرار، ومنهم طلال)، كما في حزب اليمين بعد الانقلاب الناصري فيها، وهزيمة الاماميين المقربين من السعودية (اسلاف الحوثيين الحاليين المقربين من إيران)…

كما شهدت المملكة محاولة انقلاب عسكري 1969 شارك فيها عدد من الطيارين (القوميين) ، وخسرت أهم رجل في تاريخها (الملك فيصل) باغتياله عام 1974.

بَيد أن كل هذه المحطات كانت أقرب إلى تداعيات (حالة الوحدة والصراع) مع الشريك الايديولوجي، ممثلا بالوهابية، التي رافقت المملكة منذ تأسيسها وعلى مدار حقباتها المختلفة، التي سقطت أول مرة على أيدي المصريين (محمد علي وابنه ابراهيم باشا) وبدعم تركي ابان الخلافة العثمانية وسلاطينها من أسلاف اردوغان…كان الإشكال الأول الكبير بل الصدام المسلح الأول بين العائلة و الوهابية قد وقع في نهاية عشرينيات القرن الماضي وانتهى بهزيمة (الاخوان) وقبائلهم العتيبية، والمسيطرة بزعامة فيصل الدويش، ويحفل كتاب أمين الريحاني (ملوك العرب بتفاصيل مهمة للمهتم بهذه المعركة وتداعياتها…

ولعل الدرس البارز منها، أن العائلة لم تكن معنية أبدا بتصفية الوهابية، بل بإعادة إنتاج الشراكة معها وتطويق ونزع أظافرها ودمجها في السياسة الجديدة للمملكة.

والجدير ذكره هنا أن هذا الصدام جاء في سياق (موديل) أو (نموذج تاريخي) عرفته ممالك عديدة استغنت عن الفرق والمليشيات غير الحكومية، واستبدلتها (بجيوش) من نمط جديد، كما حدث مع العثمانيين عندما انهوا الانكشارية، ومحمد علي في مصر عندما أنهى المماليك…

وسيمر وقت طويل، قبل أن يتكرر الصدام المسلح على نحو مختلف تلك المرة ، وذلك عام 1979 ومع عتيبي آخر هو جهيمان العتيبي ، الذي هزم وأعدم مع مريديه وبات مؤكدا أن المملكة راحت تفكر بطريقة جديدة ازاء المناخات العامة للتشدد الوهابي، الذي سرعان ما وجد نفسه في ساحة أخرى هي افغانستان (فالعدو الاشتراكي) صار أولى من الشركاء الأقل حنبلية منه، وما هي إلا سنوات، حتى اكتشفت المملكة أن الافغان السعوديين واليمنيين لم ينسوا أبدا اعلاء رايات الوهابية من دون أدنى لبس في الديار المقدسة..

وبين تضارب الاجتهادات والمصالح وتقاطعها بين الداخل وحلفاء الخارج، خاصة الولايات المتحدة تكررت المناخات الافغانية حيثما كان شركاء اليسار الافغاني في السلطة في سورية والعراق وليبيا .

فوجد الافغان السعوديون طريقا جديدا يجنب المملكة تداعيات مشابهة ولكن الى حين كما حدث في افغانستان أيضا.

:::::

“العرب اليوم”