تأليف د. عادل سمارة
مقدمـة
ليست الماركسية مجرد فلسفة التاريخ وقراءة المجتمعات من مدخل صراعاتها الطبقية داخل التشكيلة الواحدة أو بين دولة أو وأخرى على شكل صراع قومي لا يمكن تجريده من اساسه الطبقي. هي قراءة غير وصفية بل جذرية تثويرية. لكن إحدى تفردات الماركسية، ونقصد الماركسية اللينينية هي في الصراع الفكري والسياسي داخل أو بين التنظيرات والقوى الماركسية. وهو صراع اتخذ في كثير من مراحله ومعاركه الدحض الفكري والصراع الدموي.
كانت روسيا في نهايات القرن التاسع عشر موطن صراع فكري خصب تولد عنه انشقاق حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي إلى التيارين البلشفي والمنشفي وتيارات أخرى. وهو صراع استمر بعد انتصار ثورة أكتوبر إلى أن وصل إلى التصفيات الدامية للكثير من قيادات الحزب الشيوعي السوفييتي في فترة ستالين ومن ضمنها نفي تروتسكي واغتياله في المكسيك وهو اغتيال منسوب إلى ستالين مما يضع الحدث في خانة ربما. فتطورعلاقات التروتسكية بالسلطة الحاكمة في الولايات المتحدة تدعو إلى شك معين بأن الاغتيال من تدبير ستالين فالسلطة في الولايات المتحدة دائماً اقدر في هذا المجال؟
هي فترة لفها الغموض والمبالغات التي حتى اليوم لم يتم حل التباساتها بمعنى، هل هناك مبالغات في الهجوم المؤبد على ستالين إلى حد تقزيم “الستالينية” كي تُقرن بالنازية بل فاق الهجوم عليها ذلك الذي على النازية من حيث الشدة والاستمرار؟ وهو هجوم يمكن للمرء أن يلاحظ خلفه هجوم على التجربة الاشتراكية وعلى النظرية نفسها تحت غطاء نقد ما أُسمي ب الستالينية.
يفيد هنا توضيح أن “الستالينية”هي من صياغة تروتسكي نفسه، وهي مسألة استثمرت فيها الإمبريالية ولا تزال إلى حد كبير كمرتكز هجوم على الاشتراكية في ثوب الهجوم على ستالين نفسه. ومع الزمن اصبح استخدام “الستالينية” نقطة تلاقي وتكاتف بين الإمبريالية الرسمية واللبرالية والتروتسكية.
“…لكن بعد وفاة لينين و لمواجهة كل الموضوعات اللينينية، اخترع تروتسكي فزاعة
“الستالينية”. هذا السلاح الإيديولوجي الذي صنعه تروتسكي أصبح بالنسبة لكل التحريفيين، القنطرة التي تؤدي إلى مستنقع الردة و الخيانة للفكر الثوري الماركسي اللينيني(إن انهيار التحريفية في الاتحاد السوفياتي، دفع بكثير من التيارات التصفوية إلى استعمال نفس القاموس الذي لدى التروتسكيين في تقييم أسباب هذا الانهيار[1]“
لقد نُسب إلى ستالين الكثير مما هو حقيقي ومما هو مصطنع بهدف محاربة الاتحاد السوفييتي وتشويه الاشتراكية لتنفير الطبقات الشعبية في العالم منها.
حول شيطنة ستالين ونسب القمع المفتوح له والمفتقر إلى حقائق، نسوق المقتطف التالي:
“…لكن مرافعة بوخارين الأخيرة تدحض مزاعمهم وقد قرر بملء إرادته أن يعترف بخيانته لبلاده وللثورة وقد طالب هيئة المحكمة ألا تأخذها به الرحمة، وأن تصدر حكمها بالإعدام علية فالخونة لا يستحقون أقل من الإعدام . لقد اعترف بوخارين بالاتصال بهتلر عن طريق تروتسكي في تدبير مؤامرة على الدولة السوفياتية . لتآمر تروتسكي على الاتحاد السوفياتي وعلى الدولة السوفياتية قصص لا تنتهي ، ولكننا نكتفي هنا بما نشرته جريدة الإندبندنت البريطانية المتزنة في 25 نوفمبر 1993، روت فيه تفاصيل دقيقة عن صديق لتروتسكي عاش في المكسيك اسمه دييغو ريفيرا الذي كان يزود مكتب التحقيقات الفدرالي في أميركا بالمعلومات عن كل مشتبه بالعمل لصالح المخابرات السوفياتية . وكانت تقاريره موجهة ضد الحزب الشيوعي والنقابات المهنية في المكسيك . وهذه مسألة جديرة بالاهتمام لأن ريفيرا كان على علاقة بتروتسكي تم قطعها رسمياً في 31 مايو 1940 ـ قبل ثمانين يوماً فقط من اغتياله (هذه إشارتي) . كتب تروتسكي رسالة إلى مدير المقاطعة في المكسيك يقول فيها .. ” ليس لي علاقة بصورة عامة بالأنشطة السياسية لدييغو ريفيرا . انقطعت علاقاتنا الشخصية منذ خمسة عشر شهراً ” . لكن عضو لجنة الدفاع عن تروتسكي الأميركية، تشارلز كورتس، كتب يقول .. ” أثناء زيارتي للمكسيك من 4 يوليو 1938 إلى 15 يوليو 1939 كنت في اجتماعات حميمة مع دييغو ريفيرا وليون تروتسكي … خدمت كوسيط بينهما ” وهذا ما يكذب رسالة تروتسكي لمدير المقاطعة المكسيكية . وفي جريدة الإندبندنت أيضاً نقلاً عن البروفسور ويليام تشيس من جامعة بتسبورغ يقول أن لديه ” معلومات دامغة ” تثبت أن تروتسكي كان عميلاً لمكتب التحقيقات الفدرالي في الولايات المتحدة . ويقول .. ” بتزويده القنصلية الأميركية بالمعلومات عن الأعداء المشتركين من شيوعيين أمريكان أو مكسيكيين أو من عملاء السوفييت كان هدف تروتسكي أن يثبت أهميته لحكومة لا ترغب في منحه فيزا دخول ” . وثمة تقارير أخرى تقول .. ” في يونيو 1940 اجتمع موظف في القنصلية الأميركية، روبرت ماكريغور، بتروتسكي في بيته ثم اجتمع به في 13 يوليو … لقد زود تروتسكي ماكريغور بمعلومات مفصلة وبينات أخرى تجمعت لدية عن منشورات مكسيكية وقادة عماليين سياسيين وموظفي حكومة يتعاونون مع الحزب الشيوعي وأعطى معلومات عن كارلوس كونتريرس كونه عضواً في الأممية الشيوعية ومن قادة الحزب الشيوعي في المكسيك [2]“.
ومما يبرر تحفظنا هذا على الهجمة الشرسة والمديدة ضد ستالين هو ذلك الانسجام الذي في أحيان معينة اتخذ شكل تحالف بين انظمة المركز الرأسمالي العالمي وأجنحة عديدة من التروتسكية التي اتخذت تسمية الأممية الرابعة. هذا الهجوم المنسجم أو المتحالف او المتلاقي بالصدفة أو بالضرورة وهما مقولتين مترابطتين هو نفسه الذي لا يسمح لنا بالمرور العفوي واللاإبالي تجاهه.
ولعل معالجة هذا الأمر على درجة من التعقيد بحيث لا يمكن تعميم الاستنتاجات ومن ثم اتخاذ مواقف مطلقة ضد مختلف تفرعات الأممية الرابعة لا سيما وانها تتصف بالانقسامات أكثر مما تنسجم بالتلاقي الداخلي، فكيف بها تجاه التيارات الماركسية الأخرى. للتهكم التالي على التروتسكيين معنى أبعد من مجرد التهكم: “إذا التقى منهم اثنان يشكلون تنظيماً وحين يصبحون ثلاثة يحصل انشقاقاً”. فهو يرتد إلى آفة الاعتقاد بامتلاك فردي، وطبعاً كتيار، للحقيقة المطلقة مما يخلق نزقاً ثقافوياً هائلاً يقود إلى تبرير أي موقف، ومن ثم التورط ضد الثورة باسم الثورة. ويبدو أن هذا النزق الممتد هو موروث من مواقف تروتسكي نفسه الذي كان حريصاً على النيل التجريحي ممن يختلف معه فعن لينين وفي رسالة من تروتسكي إلى فتشيخيدزي الذي كان آنذاكرئيس الكتلة المنشفية في الدوما (برلمان القيصر)، كتب تروتسكي:
” في كلمة واحدة، إن كامل بنيان اللينينية مرتكز الآن على
الكذب و التزوير و هي تحمل في ذاتها أسباب تفسخها “[3]“
كما نفى أن يكون لينين مكتشف قانون تفاوت التطور:”… تروتسكي ينفي أن يكون لينين هو أول من اكتشف “قانون تفاوت التطور[4]“
وبالطبع، لم يكن لينين ليرحم تطاولات تروتسكي. فقد كتب في حقه الكثير .
في نقده لتذبذبات تروتسكي بين الماركسية واللبرالية كتب لينين:
” أما تروتسكي فلم يكن و ليس له أبدا أي “وجه” وإنما له انتقالات
و اندفاعات من الليبراليين إلى الماركسيين و بالعكس، و مزق من
الكلمات و الجمل الرنانة منتوفة من هنا و من هناك” لينين 1914[5]“
ربما نلمس هذه الاندفاعات في التروتسكيين بعد تروتسكي نفسه، وكأنها وراثة جينية إيديولوجية كما سنرى لاحقاً لدى إرنست ماندل ودور التروتسكيين لصالح الثورة المضادة في أكثر من بلد وخاصة في الوطن العربي.
كما كتب لينين بشأن تقلبات تروتسكي :
“… متبعة نفس التقلبات اللامبدئية ل”نبيها” “يهودا الصغير” تروتسكي ضد كل هبوب ثوري، هذا الأخير الذي” لا يحظى بالثقة إلا عند التصفويين[6]“
لست ممن ينسبون للناس رؤية نبوية وهو أمر طالما تورط فيه ماركسيون في تأليه القادة، ولكن ربط الأمور ببعضها مسألة قيِّمة. فملاحظة لينين عن تورط تروتسكي في مواقف متطابقة مع اللبراليين يمكن رؤيتها في تورط قادة تروتسكيين في العقدين الماضيين مع المحافظين الجدد في الولايات المتحدة كما سنبين لاحقاً:
“هذا الأخير الذي” لا يحظى بالثقة إلا عند التصفويين “ (( و ثرثرته “ليست غير “ظل إيديولوجي” للليبرالية[7]“
ربما كان اطلاع غرامشي على أطروحات تروتسكي هو الذي دفعه لكتابة ما يلي من زنزانته في السجن في الثلاثينيات عن التروتسكية.” بأنها المومس التي تعمل في بيت الدعارة الفاشي[8] “
هذا النزق التروتسكاوي في “تكفير” مختلف التيارات الماركسية لا يختلف كثيرا عن تقييم القاعدة وداعش كتكفيريين لغيرهما من المسلمين/ات. ولعل هذا يذكرنا بتلاقح ما بين الفرد الثقافي الماركسي حيث يرى بعض الماركسيين في انفسهم حاملي مشعل الحقيقة في تمظهر متعالٍ على الجماهير التي يزعمون تمثيلها ويتخيلون ثقتها بهم، وبين الجذور اليهودية لكثير من التروتسكيين الذين بغرورهم يرون حتى الماركسي الاخر “غوييم؟.
بدايات تبلور التقاطع التروتسكي مع الثورة المضادة
ربما لا يستسيغ كثيرون وصف المناشفة كتيار من الثورة المضادة لا سيما بعد انتصار ثورة أكتوبر 1917. فحين يكون النقاش نظرياً هو أمر وحين يقف تيار خلال الثورة ضد الثورة وباسم الثورة هو امر آخر. وإلا ماذا نسمي الوعظ بهزيمة الثورة منذ عام 1917 في الخطاب التالي:
“…عام 1917، تنبىء بليخانوف، أب المناشفة، بسقوط النظام البلشفي وذلك لاستحالة تطبيق الاشتراكية في بلد متخلف ذي أكثرية فلاحية [9]“
وبليخانوف في هذا هو شريك طرح تروتسكي نفسه الذي كتب بغزارة ضد الاشتراكية في بلد واحد إلى درجة تحويل الاشتراكية في بلد واحد إلى فزاعة عالمية.
فقد أعلن تروتسكي بشكل واضح سنة 1932 ب ” أن برنامج “الاشتراكية في بلد واحد” يبقى طوباوية برجوازية صغيرة. و، وحده يستطيع اتحاد أوروبي، ثم عالمي، للجمهوريات الاشتراكية، أن يشق الطريق لمجتمع اشتراكي متناسق [10]“
لقد جادل تروتسكي بأن الطبقة العاملة الروسية “لن يكون أمامها من بديل سوى أن تربط مصير حكمها السياسي، وبالتالي مصير الثورة الروسية كلها، بمصير الثورة الاشتراكية في أوروبا[11]“
“…هذه الموضوعة ستغدو لدى تروتسكي و التروتسكيين و بعض الخطوط التحريفية، عبارة عن “اختراع ستاليني”، فقد أعلن تروتسكي بشكل واضح سنة 1932 ” أن برنامج “الاشتراكية في بلد واحد” يبقى طوباوية برجوازية صغيرة. و وحده يستطيع اتحاد أوروبي، ثم عالمي، للجمهوريات الاشتراكية، أن يشق الطريق لمجتمع اشتراكي متناسق[12] “
سنرى لاحقا ان تروتسكيين من بريطانيا يرون بأن الثورة الاشتراكية في فنزويللا الحالية لن تنجح لأنها بلد متخلف!. وهذا الموقف المتأستذ هو ترداد مزعج وأجوف لما كان يردده تروتسكي نفسه بأن الفلاحين ليسوا حلفاء للعمال في الثورة.
فقد كتب لينين بهذا الخصوص عن تروتسكي:
“….لكن في نفس الوقت كان مع المناشفة في الموقف من الفلاحين، نافيا إمكانية اعتبارهم حليف موضوعي للطبقة العاملة؛ مؤكدا على أن النظام القيصري لا يمكن تعويضه إلا “بحكومة عمالية”. هذه الحكومة العمالية التي يتوجب عليها، عند وصولها إلى السلطة، أن تستولي على الأراضي الخاصة، بما فيها أراضي الفلاحين[13]“
هذه تفسر جيداً لماذا رفض ترتوتسكي ان يكون الحزب بتحالف الفلاحين مع العمال كقيادة للثورة، وهذا نفسه يفسر لماذا تشوه التروتسكية ثورات المحيط بما هي إلى حد كبير ارتكزت على الأرياف، ويبين بأوضح لماذا تقف التروتسكية ضد الماوية تماماً زاعمة أن الماوية ثورة فلاحية بحتة (انظر لاحقا الباب المتعلق بالهند).
وهو نفس القول الذي طالما يردده تروتسكيو بريطانيا: “الثورة تندلع من ابواب المصانع”. لقد اندلعت في كثير من بلدان العالم سوى من مصانع بريطانيا الأعرق رأسمالياً!
هل يقوم هذا الموقف على براءة ثورية لا تتبع تكتيك تأجيل ما هو ضار بعزيمة الثوريين؟ أو هو تسبيق القناعة على فرص احتمال الانتصار رغم النقد على ما هو جارٍ من عمل ثوري؟
كان هذا “التنبؤ” من بليخانوف ولاحقاً تروتسكي مثابة فرصة للقطع بأن الثورة البلشفية غير قادرة على الصمود. وكما ذكر لودو مارتنز، فإن تروتسكي[14] قد ضم صوته إلى صوت بليخانوف متقاطعاً مع الجناج اليميني للاشتراكية الديمقراطية الأوروبية ذو التوجه الإصلاحي الذي في مناخات الثورة واحتدام الصراع ينتهي كجزء من الثورة المضادة.
ولكن صمود النظام رغم التضحيات الجسام بكوادره الثورية الطليعية من حيث الوعي والنضال الميداني، إضافة إلى ما أثر في تروتسكي من دور الجيش الأحمر (1918-1925) الذي كان له دوراً بارزاً في لجم نزوعه المنشفي. ولكن، كي ينتقل إلى تورط جديد هو نزق نقل العسكرية إلى الحياة الاقتصادية بمعنى “عسكرة الحياة الاقتصادية”.
هذا ما نقده لينين بشأن كراسة كتبها تروتسكي حول النقابات:
“… في هذا الكراس دعى تروتسكي إلى “عسكرة النقابات” و “إخضاعها للدولة” و بالتالي تحويلها إلى ملحق بيروقراطي بأحد دواليبها. وصف لينين “موضوعات” تروتسكي حول النقابات التي يقترح فيها أن يختار الحزب “قادة” النقابات بأن “هذه هي البيروقراطية الحقيقية[15]“
قد يبين ما يلي تذبذبات تروتسكي وخاصة بشأن الفلاحين:
“… واجه ستالين معارضة شرسة من تروتسكي وزينزفييف وكامينييف وبوخارن الذين عارضوا التصنيع الاشتراكي وتطوير الزراعة السياسة الاقتصادية الجديد NEB… ثم انقلب تروتسكي مناديا بسياسات استغلال الفلاحين لدعم الصناعة واعتماد ما يشبه الشروط العسكرية في المصانع لإجبار العمال على زيادة الانتاج بل وحتى دعى الى توسيع التسهيلات للأجانب في الشركات الاستراتيجية وفروع الصناعة، وهو ما وصفه ستالين ب “… الإلقاء بأنفسنا تحت رحمة الرأسمالينن الأجانب[16]” كما زعم هو وزينوفييف بأن التصنيع لم يتم بسرعة كافية. “
ولكن بوتومور يتعامل مع الأمر بشكل مختلف. فهو يتغاضى عن تجاهل تروتسكي والتروتسكيين لدور الفلاحين في الحزب وفي الوقت نفسه ينسب إلى التروتسكية دورا مؤثراً فكريا في ثورات التحرر الوطني في آىسيا وإفريقيا!
حسب بوتومور “… إن مأزق الصراع الطبقي في الغرب المتقدم ونهوض الوعي القومي والاجتماعي لدى الشعوب في آىسيا وإفريقيا يمكن تفسيره على أنه تأكيداً للثورة الدائمة[17]“
اندلاع الثورات في هذا البلد أو ذاك هو تحصيل حاصل في حركة التاريخ، فالثورة هي القوة الكامنة الموجودة موضوعياً في الإنسان، وهي تجد مع وجود حزبها الثوري لحظة انفجارها أي لا يحركها أحد من خارجها حتى لو تفاعلت مع مواقفه وأطروحاته. ولذا فإن تفسير بوتومور فيه انحياز للتروتسكية ينسب لها ما ليس في خُلدها اساساً. فثورات الشعوب أمر متوقع ولا يُحدَّد بزمن أو بتأثير معين من خارج هذا البلد أو ذاك. إن الخطاب الحالي عن الثورة الدائمة لدى تروتسكي وأتباعه هو شكلا من تصدير الثورة بالخطاب ليس ابعد. هذا من جهة ومن جهة ثانية، فإن نظرية الثورة الدائمة هي لماركس اساساً. بل هي لكل نظرية وحركة ثورية حيث تطمح كل منهما إلى الانتشار.
وإذا أخذنا تخلي تروتسكي عن دور الفلاحين في الثورة، أو تذبذبه في مسألة تحالف العمال والفلاحين في الحزب الشيوعي، فإنه يكون ابعد ما يمكن عن إلهام البلدان غير الصناعية اي ذات الأغلبية الفلاحية مع بروليتاريا ضئيلة العدد وبالتلي الدور. لذا، فإن ثورات التحرر الوطني في آسيا وإفريقيا بعيدة جدا عن أن تكون متاثرة بالتروتسكية ، أولاً لأن البلدان الفقيرة غير المترسملة وغير المصنعة ليست على أجندة التروتسكية، وثانياً لأن التروتسكية نفسها قلما وصلت إلى تلكم البلدان، بل إن التيار السوفييتي وإلى حد ما الماوي هي التي يمكن القول بأن لها تاثير على تلكم البلدان.
[1] يكفي الإطلاع على مقال “دفاعا عن الجوهر الحي للماركسية” ل”عبد الله الحريف” الكاتب الوطني ل”النهج الديموقراطي”، لتتضح عن أي ماركسية يدافع هذا التيار التحريفي التصفوي، الذي لا يفوت أي فرصة للادعاء بأنه يمثل “الاستمرارية السياسية والفكرية للحركة الماركسية- اللينينية المغربية، وخاصة منظمة “إلى الأمام”، فبعد أن يؤكد صاحب المقال بأن هدفه هو “توضيح الجوهر الحي و الثوري للماركسية” منتقدا “في الآن، الانحرافات و التشويهات التي لحقتها” بالإضافة “إلى بعض أخطاء و نواقص ماركس و انجلس و لينين”، بعد كل هذا، سوف لن يجد صاحبنا، إسمنتا مسلحا للحم كل هذه الترهات، سوى العزف على منوال التروتسكيين بالكيل لستالين بكل التهم: “تسطيح و تحجير الماركسية”، “التقنين الستاليني للماركسية”، “أثار ستالين أزمة خطيرة في الماركسية”، “الماركسية.. أصبحت في صيغتها الستالينية إيديولوجيا الدولة السوفياتية كانت تعيش انحطاطها إلى منظومة ميتة تلعب دور إعطاء المشروعية للبيروقراطية”
لينين:” مرة أخرى عن النقابات و عن الظرف الراهن و عن أخطاء الرفيقين تروتسكي و بوخارين”، مجلد عن النقابات، دار التقدم ص 574 . هذه الملاحظة وأخريات لاحقا وردت في رفيق زروال ، التروتسكية، في
الحوار المتمدن-العدد: 2376 – 2008 / 8 / 17 – 11:34 المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
[3] رسالة من تروتسكي إلى تشيخيدزي Tchkhéidzé- 1913 – الترجمة لنا عن النص الفرنسي. للإشارة
[4] أنظر كتابه: الثورة المغدورة – ملحق الاشتراكية في بلد واحد.
[5] لينين: تفكك “كتلة أغسطس”، مجلد ضد الانتهازية اليمينية و اليسارية و ضد التروتسكية
[6] لينين: المغزى التاريخي للصراع الحزبي الداخلي في روسيا،
[7] لينين: أنظر مقالة: عبد الله الحريف “دفاعا عن الجوهر الحي للماركسية”- كتاب “الاشتراكية أي مستقبل؟ حوار تاريخي بين أبراهام السرفاتي و أرنست ماندل” – عن منشورات النهج الديموقراطي– 1996. للإشارة في هذا الكتاب “التاريخي” أكد السرفاتي في مجمل المواضيع المطروحة للنقاش عدم اختلافه “من حيث الجوهر” مع مواقف ماندل، بل سيقول بالحرف “أغتنم هذه الفرصة لأحيي الحركة التروتسكية العالمية. 152 )). التقيت السرفاتي في باريس عام 1995، وين تحدثنا عن الصراع العربي الصهيوني أكد موافقته على اتفاق أوسلو والاعتراف بالكيان الصهيوني.
[9] Burbank Jane, “Intellegincia and Revolutio 1917-22”, Oxford University Press, 1986, p..13.
[10] تروتسكي: ” دفاعا عن الثورة الروسية ” – 1932 انظر موقعhttp://www.marxiste.org، ندعوا كذلك القارئ للإطلاع على كراسه المعنون ب”نتائج و توقعات”.
[11] تروتسكي: كتاب ” نتائج و توقعات ” – 1906
[12] لينين: ” غريب و فضيع “، مجلد ضد الانتهازية اليمينية و اليسارية و ضد التروتسكية ص 485
[13] ندعوا القارئ الإطلاع على مقالة لينين، التي لم نعثر على ترجمتها العربية،المعنونة Des deux voies de la révolution التي ينتقد فيها بشكل واضح طروحات تروتسكي هذه.
[14] Ludo Martins, USSR the velvet Counter Revolution, Bd.M. Lemonnier 171 1000 Brussels Bekgium 1991 p. 15.
[15] لينين: “عن النقابات و عن الظرف الراهن و عن أخطاء الرفيق تروتسكي “، مجلد عن النقابات، دار التقدم ص 511.
[16] History of the Communist Party of the Soviet Unionm edited by a Commission of the CPSU(B) International Publishers, New York, 1939, p. 262. Quated in Bob Avakian ibid
[17] A Dictionary of Marxist Thought, ed by Bottomore, Harris, Kieman and Miliband, Blackwell 1983, P.491