لبنان والمعادلة العبثية

ثريا عاصي 

إذا كانت الطوائف والمذاهب قد قطعت أشواطا في إقتسام البلاد، إذا صارت علامات الإنفصال بادية بشكل ملحوظ، في اللغة المحكية، إذا تعددت الآلهة، فإذا لكل قوم إلَههم، إذا توقف العمل وتعذر الزرع فلم يبق إلا التعبد وسيلة للإسترزاق. أي إذا اختلفت وسائل العيش بموازاة تعدد الديانات، إذا كان عدوُ كل فريقٍ وطنيٍ هو في الوقت نفسه صديقا أو حليفا لطرف وطني آخر، من البديهي أننا حيال معادلة معقدة جدا، يصعب الخروج منها ! بالضد مما يزعمه «فهلويو» المافيات السياسية في لبنان.
لم يكن تحرير الأرض اللبنانية التي احتلتها قوات المستعمرين الإسرائيليين في الثمنينيات ممكنا، دون تجييش واستنهاض سكان هذه الأرض نفسها، من أجل التصدي لمقاومة المعتدي. إقتضى ذلك إعادة ترميم هوية هؤلاء السكان الوجدانية والوطنية التي كانت قد تهتكت إلى درجة متقدمة تحت تأثير الهزائم والإخفاقات المتلاحقة منذ حزيران 1967. لم يكن الترميم سهلا. لا أعتقد أنه كان بالإمكان القفز عن مرحلة ربط الأرض المسيـَّبة بالذين يدافعون عنها، هذا من ناحية. ومن ناحية ثانية كان لازما وضروريا أن يتم إدراج التحرير في إطار فعل عقائدي يلائم ثقافة هؤلاء المدافعين ومن ضمنها معتقداتهم.
إغترفت مقاومة المستعمرين الإسرائيليين في لبنان من التراث الفقهي الشيعي، لأن المقاومين كانوا في غالبيتهم على استعداد للسير على هدي هذا الفقه. هذا يعني أن المقاومة إجترحت عقيدة قتالية تسلح بها المقاتلون في كفاحهم ضد الإحتلال. لا بد من الملاحظة هنا بأن المصادمة مع الأخيرين، بما هم مستعمرون إستيطانيون، هي في لبها مواجهة غايتها تحرير الناس. أي أن مقاومة المستعمر، بصرف النظر عن الوسيلة والأسلوب، هي فعل نضالي تقدمي. يلزم القول هنا أن الوقوف إلى جانب المقاومة لا يفترض السكوت وغض النظر !
إعترض كما هو معروف فريق من اللبنانيين ضد المقاومة، بحجة أنها لا تمثل جميع اللبنانيين، كون عناصرها في غالبيتهم من الشيعة. بتعبير آخر اختلف الفرقاء اللبنانيون ليس على المقاومة كما يدعون كذبا، ولكن على لون المقاومة المذهبي. نجم عنه، كالعادة عندما ينشأ خلاف في بلاد الأرز، إحتقان مذهبي وطائفي متصاعد، يـُلغي تأثيره جميع الممنوعات والمبادئ التي ينبني عليها العيش المشترك. فيستدعي كل فريق، أصدقاءه وحلفاءه بالإضافة إلى أصدقائهم، من خارج لبنان، القريبين والبعيدين. ثم يتباكى الجميع على السيادة الوطنية!
أكتفي بهذا الإستطراد لأعد عودي إلى المعادلة المعقدة التي لمّحت إليها أعلاه. التي يمكن إختزالها بأن جنوب لبنان مسيّب، السلاح ممنوع عن الجيش كما لا يخفى على أحد بعد أن توالت الفاجعات، وان تصدي سكان الجنوب لمقاومة المحتلين والمعتدين، دفاعا عن أنفسهم وعن وجودهم يشكل إنتهاكا لسيادة الدولة وخروجا على الوفاق المذهبي. دوران في دائرة مفرغة!
لا منأى عن القول في ختام هذه المداورة بأن الحكم على المواقف في لبنان، يستوجب دائما النظر إلى لائحة الأصدقاء والحلفاء والأعداء. فالمسألة ليست بالقطع، مسألة مذهبية، لأن شيعة الجنوب كان أباؤهم بالامس شيوعيين وقوميين عربا وسوريين وبعثيين. وإنما هي منازعة بين المستعمرين وأصدقائهم من جهة والمقاومين وأصدقائهم من جهة ثانية!