تجربة القومي شكلا والقطري جوهريا

عادل سمارة

عزيزي الرفيق محمد الحسن، سلام عليك  وإليك، رغم انني صرت اهتز بدنياً من قولة “السلام عليكم”  بعدما صارت سيفاً يقتل أهله. حتى هذه بحاجة تحرير.

قرأت مقالتك الجميلة عن البعث. وأتفق مع كثير مما جاء فيها.

(أنظر أدناه مقالة “إلى حزب البعث العربي الاشتراكي والبعثيين السوريين في ذكرى آذار: ماذا نريد منكم وماذا ننتظر؟).

لكنني ومنذ فترة أعيد التفكير في القوى والأنظمة القومية في الوطن العربي. ولا اقول القوى والأنظمة القومية العربية كي لا اتورط في التعميم الذي يعتبر المسألة القومية حصراً في هذه القوى والأنظمة.

إن تعاطفنا مع انظمة قومية الاتجاه، وخاصة حين نقارنها بأنظمة قطرية تابعة طوعا سواء نفطية الوضع أو غير نفطية، وكذلك ربما انتمائنا إلى قوى قومية الاتجاه يسارية خاصة كما ذكرت أنت،  كل هذا أعتقد انه يجب ان لا يمنعنا من نقد اخطائها وoاصة التي كانت لها نتائج كارثية قوميا.

تذكر معي، حين حاول عبد الكريم قاسم استعادة الكويت تصدى له عبد الناصر عبر الجامعة العربية وأرسلت قوات عربية من مصر ومن القطريات المحكومة من الإمبريالية “معاً” لحماية إمارة هي جزء من العراق. ماذا كان سيحصل لو لم يتدخل العرب؟ قد يعتقد البعض أن حربا ستقوم بها الإمبربالية ضد العراق . ربما. وربما كذلك أن وجود النقيض السوفييتي كان سيمنع الحرب، او على الأقل كان سيسمح بإعادة احتلال الكويت غربياً وبقاء العراق.  وكما تعلم، فقدنا العراق كما الكويت.

وحين حصل الانفصال يوم 28 ايلول 1961، كما أذكر، تردد عبد الناصر في الاشتباك مع الانفصاليين وهو يعلم ان النحلاوي والكزبري وفريقهم كانوا مرتبطين بالإمبريالية والرجعية العربية، وكان يعلم ان السوريين بأغلبية ساحقة مع الوحدة. ولكه لم يفعل لسببين:

الأول: لأنه مثل معظم القوى قومية الاتجاه حينها وحتى اليوم هي جوهربا قطرية

والثاني: لأنه استعظم الأخطاء التي وقعت في سوريا من فريق عبد الحكيم عامر والسراج، والتي اقلها بأن هذه القيادات لم تكن بمستوى المسؤولية والمرحلة.

ثم كان عام 1963 ومحاولات الوحدة الثلاثية. والتي كان خللها الأساس في عدم وحدة سوريا العراق أولا قبل الذهاب إلى مصر لأن للحغرافيا دورها الحاسم. ومن هنا فهي مشروع وحدوي اساسه شهوة قطرية للسلطة. وبالطبع، فشلت المحادثات، ولم تتحد سوريا والعراق، ولم ينقصهما سوى حرب مباشرة بينهما. وقطعت العلاقات بينهما لعقدين بينما فتحت ابواب دمشق وبغداد لأنظمة التبعية.

لناخذ الدخول السوري إلى لبنان ضد الحركة الوطنية اللبنانية ولصالح نظام طائفي يجري التخارج غربا في كل مفاصله. ومع ذلك، حصل الدخول، ولكن على أرضية قطرية بدل ان يتم استثماره على ارضية وحدوية، فكانت تجربة أنقذت القوى المتغربنة في لبنان، وشلت القوى الوطنية والتقدمية. والأهم انها كانت تجربة كرست انفصال لبنان عن سوريا، مع ان فترتها الطويلة كان يمكن أن تحول أكثرية لبنان وحدويا. ولذا صار خروج سوريا من لبنان مطلب الأكثرية اللبنانية! وخرجت سوريا بقي لبنان حاضنة لأقذر عقل بشري، الطائفية.

وخلال تلك الفترة، بدل ان يقف العراق البعيد عن لبنان على الحياد أخذ يقاتل سوريا في لبنان! وكانت النتيجة صراعات قطرية شوهت حتى الفكرة العروبية من اساسها.

 وكانت بعد ذلك أو خلاله الحرب العراقية الإيرانية. حرب ملتبسة الأسباب:

يزعم العراق بأن إيران بدأت الحرب من اجل مد إيراني باسم الإسلام.

وتزعم إيران بأن العراق جرى استخدامه أمبرياليا وسُنيَّا بشكل استباقي لتقويض الثورة الإيرانية.

وبغض النظر عن كل هذا، لو أن الثورة الإيرانية أعلنت منذ البداية أنها مستعدة للحوار بشأن الأهواز، ألم يكن هذا ليحول دون الحرب؟ فالأهواز جزء عراقي تحتله إيران حتى اليوم كما هو لواء الإسكندرون تحتله تركيا؟ وعليه، إذا كان العراق قد انتهز فرصة ضعف إيران لاستعادة أرضه، اليس محقا؟

ألا تلاحظ معي أن الأنظمة العربية التي وقفت مع احتلال امريكا وحلفائها للكويت مجدداً عام 1991 هي قُطرية ومنها النظام في سوريا؟ وقد أدركت سوريا تلك الخطيئة عام 2003 وما بعده؟

ولعل آخرها اسوأها، هل توقعت أنت وأنا أن يتحول جزء كبير من بعث العراق إلى وهابي نقشبندي؟ فيصبح ظهيرا لداعش على اساس طائفي؟ هل يُعقل ان هذا تتلمذ على خطاب قومي؟

خلاصة الملاحظات:

أولاً: إن معظم هذه القوى هي قومية شعاراتيا وقطرية جوهريا ومصلحيا  وطبقياً. وهذا ما يوجب الشغل عليه بشكل هائل، ليس للإدانة والثواب والعقاب ولكن من أجل غد مخنلف بشترط خطابا ومواقف مختلفة.

وثانياً: هذا ما نريده من سوريا اليوم. أن تخلع تماماً جذور القطرية.

لقد اصبح واضحاً، أن المواقف الوسطية الممالئة للامبرالية من الأنظمة قومية الاتجاه قطرية المواقف في مصر والعراق وسوريا انتهت إلى كلفة هائلة هي فقدان العراق وتهديد وجود سوريا وموت مصر سريريا. ولم يستفد من هذا سوى محارق النفط التي لم تُخلق سوى للضرر. ناهيك عن استفادة الكيان والإمبريالية. ويصير الأمر إلى الاستفادة الجريئة من الخلل والإيجابي.

وثالثاً: إن التحالف مع إيران صحيح وضروري، ولكن من الخطورة بمكان :

·       الارتكان على إيران للخلاص، لأن إيران دولة قومية لها مشروعها وهذا حقها

·       ومن الخطورة إذن تغييب المشروع العروبي فالتبعية كارثة حتى لو هي مع أجمل الجميلات.

سيقرأ البعض هذا من باب نشر الغسيل، او من باب أنه يخدم الأعداء،أو قلب ظهر المِجنّْ لسوريا أو إيران،  بل وأكثر من أو. وليس الأمر لا هذه الأو  ولا غيرها. الأمر بوضوح هو أن سلاح النقد لا يغني عن نقد السلاح. لأن الهدف المتواضع لكاتب هذه السطور، وأعتقد كذلك الرفيق محمد الحسن هو : غداً، غداً لأجل عروبة وحدوية اشتراكية. لأجل مشروع عروبي اشتراكي بلا مواربة.