د. رفعت سيد أحمد
* من المؤكد أن جريمة ذبح داعش لـ21 قبطياً مصرياً ، لا تجد من الكلام ، ما يستطيع إدانته ، فهى ليست ضد المسيحيين المصريين فحسب لكنها ضد مصر كلها ، ضد الإسلام ذاته ، وضد الإنسانية ، ولن يجد أعداء الدين ، أفضل من هذا التنظيم الإرهابى وجرائمه ، ليصف الإسلام بما ليس فيه ، إلا أن ما جرى ثم رد الفعل السريع والعادل للجيش المصرى بضرب بعض القواعد العسكرية لهذا التنظيم فى مدينة درنة التى جعلها مقراً للخلافة الإسلامية المزعومة فى ليبيا بعد تآمر الكثير من العرب والغرب على إسقاط القذافى تحت سراب اسمه ثورة ، كل هذا يتطلب منا أن نعيد قراءة المشهد وفهم دلالاته تحسباً لفخ استراتيجى يريده من يقف خلف هذا التنظيم من أجهزة مخابرات إقليمية ودولية ؛ أن تقع فيه مصر وهو انغماس فى المستنقع الليبى الذى يتسم بالفوضى بهدف استنزاف الدولة والجيش المصرى فى حرب لا نهاية لها مع فتح جبهة جديدة واسعة الجغرافيا وتتسم بالفوضى. دعونا نسجل الآتى :
***
أولاً : ليس مجدياً بالتأكيد الرد على هؤلاء القتلة بآيات القرآن الكريم وأحاديث النبى التى تحرم قتل النفس البريئة بغير ذنب فهؤلاء مجرمون بالسليقة ، نفوسهم مشوهة وعقائدهم منحرفة ، وهم بالأساس موظفين بأيدى خارجية لتفكيك البلاد المركزية التى قاومت مشروعهم وأقصد تحديداً (مصر) و(سوريا) .إن هؤلاء لا يصلح معهم سوى القوة ، ولكن استخدام القوة لابد وأن يكون بحكمة ووفق خطط مدروسة ، فنحن نقاتل تنظيم إرهابى دولى متعدد الأدوات تحركه (دول) و(أجهزة مخابرات) ، ولديه إمكانات وخلايا نائمة ويقظة فى أكثر من مكان داخل مصر ، وحدود مصر مع ليبيا تزيد على الـ1200كم2، الأمر الذى يستدعى الاستعمال الحذر والذكى فى المواجهة ، وفى التنسيق مع الجيش الليبى الوطنى (خليفة حفتر) فى مواجهة جماعات المرتزقة ممن أسماهم الإعلام المخدوع باسم ثوار ليبيا ، والذين تضم خريطتهم الآتى (الجماعة الليبية المقاتلة – غرفة ثوار بنغازى – فجر ليبيا – أنصار الشريعة، والقاعدة، وداعش وأنصار بيت الله و(دامش) أى الاسم المختصر لما يسمى بـ(تنظيم الدولة الإسلامية فى مصر وشمال أفريقيا) و(دامل) أى (الدولة الإسلامية فى مصر وليبيا)، وغيرها ممن ابتليت بهم ليبيا وسوريا ومصر الآن .
***
ثانياً : ليست مصادفة أن تتم هذه العمليات الإرهابية ضد أقباط مصر أو تلك التى جرت فى العريش (29/1/2015) أو قبلها (عملية كرم القواديس 24/10/2014) ثم التسريبات المزورة التى أذاعتها قناة الجزيرة نقلاً عن قناة (مكملين) الإخوانية ، ليست مصادفة أن تتم كل هذه العمليات (الإعلامى منها أو الإرهابى) بعد وفى أثناء زيارة (بوتين) لمصر ، وعقد مصر لعدة اتفاقات عسكرية تنوع مصادر السلاح مع فرنسا وغيرها . إنه – فى تقديرنا – رد خبيث غير مباشر على مصر ومحاولة خروجها من القيد الأمريكى الذى طال عمره ؛ طبعاً ليس بالضرورة أن تكون الإدارة الأمريكية متورطة مباشرة فى هذه الأحداث ، ولا حتى الإدارة الصهيونية ، ولكنهما حتماً مستفيدتين بدرجة أو بأخرى وفى علم الجريمة ثمة قانون حاكم يقول عند وقوع الجريمة (ابحث عن المستفيد لتكتشف الفاعل) . إن هذا يعنى أن مصر بالفعل ، وليس بالقول ، تتعرض لمؤامرة دولية وإقليمية ، تريد معاقبتها على رغبتها فى الاستقلال الوطنى ، وثورتها على (سيناريو تفكيك) ثارت عليه فى 30/6/2013 وإذا سلمنا بأن هذه الجماعات الإرهابية مجرد (أدوات) فإن ثمة مجرم أكبر يحركها ، علينا أن ننتبه إليه ولا نغفل عنه حين نقرأ ، وحين نخطط للمواجهة القادمة . وحين يدفعوننا دفعاً لأكثر من فخ استراتيجى يستنزفنا على جبهات متعددة !! .
***
ثالثاً : بالقطع إن فتح جبهة جديدة ضد الإرهاب على الحدود الغربية (ليبيا) بعد الجبهة المستمرة فى الشرق (سيناء) يمثل عبئاً إضافياً على قواتنا المسلحة ، وهو الأمر الذى يدركه جيشنا جيداً ، والتى لا تحتاج إلى مزايدة فى هذا المجال ، فالأمر لديه مؤكد يستدعى انتقاء الأهداف والتدرج فى المواجهة ، ولكن الأمر أيضاً يستدعى بالتوازى مسئولية ملقاة على قبائل الحدود مع ليبيا وعلى أحزابنا وقوانا المدنية وعلى الأزهر والكنيسة ، المواجهة هنا شاملة ولا يصح أن يخوضها الجيش منفرداً ، أو وفق منطق الآية الكريمة “اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ” (المائدة : 24) !! .
* هنا أيضاً ينبغى أن نسجل دوراً جديداً مطلوباً من وسائل الاتصال الحديثة والإعلام ، يبدأ بنقد الذات ومراجعة أخطاءه التاريخية التى وقع فيها عندما كان يصف (وللأسف لايزال) ما يجرى فى سوريا وليبيا بالثورة وهى ليست كذلك ، بل إن البعض من قادة الفكر وأصحاب الأعمدة فى صحافتنا المصرية وفضائياتنا صدعوا رؤوسنا بهذه التحليلات التى خابت كلها ، بل استضافوا هؤلاء القتلة (ولايزالون) وشاركوا فى غسل أدمغة الرأى العام المصرى والعربى ، إما عن جهل أو نتيجة أوامر من حكام تابعين وقتها لمخطط التفكيك ، أو عن اندفاع غير مدروس لتصوير أن كل ما يلمع ذهباً وأن كل ما جرى فى بلادنا ثورات وهذا لم يكن صحيحاً، ونبهنا إليه فى حينها عبر مقالات وحوارات مسجلة ، لكن لم تكن هناك آذاناً تسمع أو عقولاً تعى !! . الآن نحتاج إلى وعى جديد ، إعلامى وسياسى وإلى ربط للجبهات العربية المقاومة للإرهاب خاصة فى سوريا ومصر وليبيا .
رابعاً : لاشك لدى أبداً أن مصر ستنتصر ، وأن دماء شهداء مصر فى طرابلس وسيناء والفرافرة ، لن تضيع هباء وستكون لعنة على قاتليهم ، فقط نحتاج إلى عدم اليأس ، والثقة فى جيشنا ، وأنفسنا ؛ وقبل ذلك كله فى نصر الله ، لأن هؤلاء القتلة بالأساس – فكراً وسلوكاً – ضده سبحانه وتعالى . والله أعلم .