عادل سمارة
قد تكشف عبقرية الاثار ما لم تكشفه التحليلات السياسية الاجتماعية الاقتصادية. بل إن الأولى بما هي أصيلة وعتيقة تكشف وحشية الدول غير ذات التاريخ والحضارة بمضمونها الإنساني لا التكنولوجي. لكن هذه الوحشية ليست مسألة منفلتة هكذا دونما هدف سياسي ولأطول مدى ممكناً.
من شاهد تحطيم الاثار الآشورية والسومرية والبابلية وحرق الكتب العربية الإسلامية في الموصل لا شك شاهد كيف تقاومهم هذه الاثار بصمتها وقد تجمد دمها ألماً على ما آلت إليه حال العرب.
شاء أم غضب محبو امريكا من الطوائف والمذاهب، وتحديدا السنة والشيعة معاً، الذين يدينون لها بوجودهم وبقائهم، قبل احتلال العراق 2003 وبعده، فإنني ممن يصرون على القول بأن ذلك الاحتلال وراء كل هذا ووراء ما سيأتي. فليست اليد المتخلفة هي اساس الهدم، بل من صنَّعها لقرون خلت.
وفي نفس الخط يصر كثيرون على أن ما يجري هو مشروع لاجتثاث الإسلام. وهذا خلط يراوح بين الخبث والسذاجة والتلذذ بتعذيب الذات. فالإسلام لم يعد في بلاد العرب وحدهم، ولكن تجريف الوجود هو ضد العرب وحدهم، ربما مع استثناء هنا أو هناك وضمن ذلك يُصاب الإسلام عبر تصنيع إسلام آخر أو أكثر.
كما يصر كثيرون على أن العدو الأمريكي خارج من المنطقة وبالتالي يبحث عن وكيل له. وأعتقد ان هذا العدو ما كان ليخرج، ربما حتى لو جف النفط. ذلك لأن مشروع العدو الغربي الراسمالي هو تدمير المنطقة اليوم عبر أدواته المحلية وهو ما يحفظ مصالحه تماما.وليست قوى الإرهاب (داعش والقاعدة والنصرة) وأنظمة الإرهاب (السعودي وكل الخليج وتركيا) وأنظمة الكمبرادور بملوكها ورؤساسها، ليسوا سوى امتدادات للأمريكي وفي خدمة الصهيوني.
تصنيع الإسلام الوهابي التدميري
تفيد قرائن عدة على ان مؤسس الوهابية محمد بن عبد الوهاب (1703-92) كان قد حُقن على يد عميل مخابرات بريطاني اسمه السري “همفر”، ارسلته لندن لإيقاع الاضطرابات في الإمبراطورية العثمانية وخلق الصراع بين المسلمين. ولكن لنتذكر بأن اهتمام الراسماليات الغربية وخاصة البريطانية بإقامة كيان اجنبي حتى قبل ثيودور هرتسل بقرون (كان مرة مسيحيا غربيا وانتهى إلى كيان يهودي) في فلسطين هو سابق على القرن الثامن عشر. بل إن مارتن لوثر كان أول من دعى له منذ 1535. أي في فترة انتقال بريطانيا وهولندا قبل غيرهما إلى الراسمالية التجارية.
وبالطبع كان تأثير همفر على ابن عبد الوهاب من مدخل اعتناق همفر للإسلام، ومن ثم غمره بالمال والهدايا كمدخل لإقناعه بان معظم المسلمين يجب قتلهم لأنهم “قد انحرفوا بشكل هائل” عن العقيدة الإسلامية حيث اصبحوا هراطقة ومشركين.
على هذا المنهج قام آل سعود عام 1801 بتدمير مرقد الحسين بن علي في كربلاء، وصدوا الحجيج عن مكة، وفي المدينة المنورة هاجموا ودنسوا مسجد الرسول وفتحوا مرقده وباعوا ووزعوا مختلف الموجودات الثمينة فيه.
ولاحقاً حينما ردت عليهم العثمانية أخذوا هؤلاء جد آل سعود وأعدموه على قاعدة من أخذ بالسيف فبالسيف يُؤخذ[1] “.
لا بد من معترضةهنا، فهل يتذكر ملك السعودية سلمان هذاالموقف وهو يستقبل اردوغان اليوم؟ أم أن الأمر على الإثنين أمريكي. فحين يكون الأمر امريكي يُنسى الجدود وحقد الأحفاد حتى لو كانوا بدواً وينسى كل شيء.
التطبيق الصهيوني الأمريكي
من نافل القول التذكير بالموقف والهدف الموحد بل الواحد بين الاستعمار البريطاني والصهيونية والاستعمار الأمريكي. ومن نافل القول التذكير بان آل سعود قد تم توريثهم من بريطانيا لأمريكا منذ بدايات القرن العشرين وكذلك توريث الصهيونية لأمريكا بعد عدوان 1967.
إثر اغتصاب فلسطين عام 1948 وهو ما كان ليحصل دون الاحتضان البريطاني خاصة، تم تدمير مئات القرى الفلسطينية ومعظم أحياء المدن الفلسطينية المحتلة 1948، وتم الإبقاء على جزر صغيرة لتبدو وكأنها “مستوطنات” فلسطينية أُقحمت على ما يسمى “أرض إسرائيل”!
هذا الهدم يذكرنا بتراث الوهابية في هدم مرقد الحسين ومسجد الرسول بهدف اقتلاع الإسلام الحقيقي ليحل محله الإسلام المصنَّع على يد بريطانيا. أما هدم القرى والمدن الفلسطينية فمقصود به إحلال الاستيطان اليهودي محل الأصل العربي الفلسطيني. كلا الموقفين هو مسح وإحلال ضد عدو واحد هو التراث والوجود العربي الإسلامي. وهنا لا ننسى قول عبد العزيز آل سعود عام 1948 حين طُلب منه استخدام النفط دعما للمحاولة العربية لإنقاذ فلسطين (مصر وسوريا والعراق والأردن) قال “الاقتصاد لا علاقة له بالسياسة” ألا يبدو ماركس غبياً أمام عبقرية هذا الوهابي! . وبالطبع لم تحرك السعودية ساكنا. كيف لا، واتفاق وايزمن عبد العزيز هو تكريس لتعهد عبد العزيز 1918 بإعطاء فلسطين “للمساكين اليهود”.
أما إحراق المسجد الأقصى عام 1969 على يد المستوطن اليهودي الاسترالي فكان التجربة الأولية لهدم الأقصى.
وفي السنة التي حكم فيها الإخوان مصر، بثت إحدى الفضائيات المصرية حواراً مع شيخ سلفي وهابي يطالب بهدم الأهرام. واللافت أن الرجل كان يتحدث بحرية تامة وكأنه يشرح ضرورات الحج إلى مكة.
كيف لا نرى هذا امتدادا لتراث الوهابية من جهة وتغطية لمخطط هدم الأقصى الذي يتم ببطء.
وفي السياق نفسه، ألا يعني تحطيم التراث العراقي تطبيعا على هدم كل تراث الوطن العربي كمقدمة للتدمير الاجتماعي الاقتصادي والثقافي بالطبع؟
كل هذا وغيره يعيدنا إلى السؤال الأول ولا غيره. إذا كانت الاثار العراقية والسورية والفرعونية قبل الإسلام قد تم الحفاظ عليها منذ أبي يكر والأمويين والعباسيين، وصولا إلى دول الاستقلال السياسي القُطري وحتى صدام حسين، فما الذي تغير حتى باتت مستهدفة هكذا؟
ألم يبدأ نهب الاثار العراقية على يد الثالثوث المعروف:
لصوص الجيش الأمريكي.
خبراء الاثار الصهاينة
واللصوص المحليين
هل من جدال بان ما يحصل على يد داعش مرتبط فكريا بالوهابية وتنفيذيا بالاحتلال الأمريكي وخاصة المحافظين الجدد؟