اسحق خوري
فنزويلا
إن الحركة الصهيونية العالمية وأداتها التنفيذية الوكالة اليهودية, هما جزء أصيل من فكر وأدوات النظام الرأسمالي العالمي حيث نشأت وترعرعت وأخذت شرعيتها من هذا النظام حتى وصلت إلى تحقيق فكرتها الأساسية وهدفها المادي باقامة “وطن قومي لليهود” في فلسطين
حيث أن ما أبقى الحركة الصهيونية ليس فقط على قيد الحياة … بل قوية ومقررة في سياسات العديد من الدول وخاصة العظمى هو نجاحها في إقامة دولتها على أراضي فلسطين بدعم مطلق وشامل وعلى كل المستويات من الدول الامبريالية وخاصة من بريطانيا والولايات المتحدة الامريكية .
إن كل من يحرص على بقاء هذه الدولة ليس طبعاً من منطلق الحرص على حل ما يُسمى بالمسألة اليهودية أو إنقاذ اليهود من (اضطهاد الغير) – هذا الغير المبهم– بل لأن وجود “اسرائيل” هو مصلحة رأسمالية – امبريالية بحتة عسكرياً واقتصادياً وأيديولوجياً. ولأن الدين وما ينبثق عنه من تفرعات أيديولوجية كجزء من الأيديولوجيات السائدة في مجتمعات هذا النظام –عملت هذه الانظمة على تعميق وترسيخ التخلف في دفاعها عن القلاع الخرافية للصهيونية الدينية من خلال صهينة الديانات الأخرى وخاصة المسيحية؛ فأصبحت الصهيونية المسيحية تمثل نفس الخطر – إن لم يكن أكثر من الصهيونية اليهودية حيث أن كلاهما رجعي وبامتياز.
عشية الحرب الاستعمارية على العراق والمنطقة ؛ صرح جورج بوش الابن “ليس كل صهيوني يهودي ؛هنالك صهاينة من غير اليهود تجمعهم نفس المصلحة مع الصهيونية اليهودية” ان الصهيوني ليس بالضرورة ان يكون منظم في احدى المنظمات الصهيونية يدفع اشتراكه الشهري لها.ان الصهيونية تمول كل من يدافع عنها –رغم انه يوجد مدافعين مجانيين – تمده بكل مقومات القوة التي بحوزتها- لكي تحصل على دعم سياسي وفكري يصب في دعم شرعيتها المزيفة التي هي هاجسها الرئيسي والجوهري وخاصة في ظل ازدياد وتعمق وعي الشعوب والعديد من قواها السياسية والمجتمعية على الخطر الذى يهدد مجتمعاتها من آفة الصهيونية التي تمارس سياسة التخريب المجتمعي اينما استطاعت لتسهيل سيطرة النظام الراسمالي التي هي جزء منه لان خراب اوطان الاخرين هو مصدر قوتها . ببساطة تبدأ صهيونية الفرد أو الحزب أو الحركة عندما يبدأ دفاع هؤلاء عن شرعية وجود هذه الدولة المغتصبة الفاشية الدموية الارهابية التي هي خارج التاريخ الحقيقي وعلى هامشه ان هذه “الدولة” تمثل خط الدفاع الاول والمتقدم في اهم منطقتين من العالم –الوطن العربي والقارة اللاتينية حيث ان كل الدكتاتوريات الامريكية اللاتينية – الجنوبية والوسطى- تم ايصالها الى الحكم ودعمها وتثبيتها من قبل الموساد الاسرائيلي وجهاز المخابرات الأمريكية حيث ما زالت هذه الاجهزة تعمل جاهدة لتخريب هذه المجتمعات والاطاحة بالانظمة التقدمية فيها وما حصل في فنزويلا من حرب اقتصادية وتمردات مسلحة وان كانت بدائية ما هى الا دليل على ذلك .
وكذالك تساهم بشكل كبير فى تكريس أنظمة القمع والتخلف والتبعية في الوطن العربي وتشارك بطرق وأساليب مختلفة مع كافه القوى المعادية واداواتها فى اشاعة الفوضى والحروب الداخلية لتحقيق المزيد من التفتت والانقسامات وذالك لاحكام السيطرة على موارد الأمة من اجل استغلالها ونهبها.
كان الزعيم الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز يردد دائما: “يجب توعية شعوب قارتنا على الاخطار التي تمثلها الصهيونية على شعوبنا “؛ واضاف فى لقاء مع قوى يسارية من كل انحاء العالم في شباط عام 2002- اي قبل الانقلاب الذي حصل ضده باقل من شهرين – ان هنالك مؤامرة للاطاحة بي وبالنظام والفكرة التي امثلها وان هذه المؤامرة تخرج خيوطها من سفارات الولايات المتحدة و”اسرائيل” فى العاصمة كاراكاس,انها تمثل خطر علينا جميعاً ويجب عليكم ان تنقلوا هذه الحقيقة لشعوبكم .- هل من وضوح اكثر من هذا ؟
ان الصهيونية العالمية وكيانها يرتعبان من بدأ ارهاصات المقاطعة سواء كانت اقتصادية ام اكاديمية وكونهما يعلمان بأنهما لن يغيران من ذاتهما ومن جوهرهما وبأن هذه الاساليب النضالية على صعيد عالمي مرشحة للتصعيد والتعمق والذهاب الى ابعد من ذلك وفي اكثر من اتجاه؛ يجب ان لا تمد خشبة الخلاص لهذا الكيان المجرم ولمؤسساته على الصعيد العالمي .
ومن يعتقد بأنه ليس في مستوى المرحلة والمراحل المقبلة التي تبشر بصدام محتدم مع اعداء الشعب وقضيته وارضه الذين هم اعداء كل شعوب الارض قاطبة – فليتنحى جانباً وطوعاً كي لا يكلف الحركة الوطنية اكثر مما كلفها لحد الآن وإلا جرفته آلة الثورة الى حيث لا يرغب.
هنا تبرز مهمة اليسار الماركسي الفلسطيني بأن يتوحد في اطار يساري ثوري نضالي معادي للصهيونية والامبريالية قولا وفعلا كي يمهد الطريق لتجذير اليسار العربي وخاصة الماركسي كي يشكلا معا رافعة ومقدمة لتجذير مواقف اليسار العالمي في ما يتعلق بالصراع العربي – الصهيوني والفلسطيني الصهيونى بشكل خاص. ان هنالك نسبة من القوى الماركسية والشيوعية -خاصة في القارة اللاتينية – مواقفها متقدمة على مواقف الكثير من قوى اليسار الفلسطيني والعربي مما يشكل الارضية الملائمة والخصبة لتحولات نوعية فى مواقف العديد من قوى اليسار الماركسي على الصعيد العربي والعالمي .
رغم ان النضال والمعركة ضد الصهيونية هي أممية إلا أن موقف الند الاول والاساسي الذي هو في حال صدام دائم ومباشر مع مجمل المشروع الصهيوني وصاحب الملكية التاريخية والمباشرة, الاصلي وساكن هذه الأرض منذ الألف السنين,الشعب الفلسطيني الأصيل صاحب الحق الطبيعي والشرعي لنزع وتبديد “الشرعية المكتسبة قانونياً ” لهذا الكيان. إن من يحلق بعيداً وعالياً عن هذه الحقيقة سيهوي والى الأبد.
ان القوانين وضعية والقرارات موضوعة تزول بزوال القوة التي فرضت تشريعها . أن من تجرأ على إلغاء إحدى عشر بنداً من الميثاق الوطني الفلسطيني مختبئاً تحت ابط الامبريالية لن يرحمه التاريخ لأن ما تم الغاؤه هو جوهر وروح وعقل الميثاق نفسه حتى اضحى ما تبقى منه حروف ميتة وظيفتها الموضوعية – ان تشهد على صهينة الميثاق ونقل العربة الى سكه اخرى مغايره تاركة وراءها الشعب والقضية وقواه المخلصه فى طريق النضال الذى بات بلا شك اصعب واقسى مما كان عليه.
عندما اعترف السادات ونظام حكمه بشرعية وجود “اسرائيل” على ارض فلسطين اعتبر قادة الحركة الصهيونية وكيانها الغاصب تلك الخطوة كانجاز كبير على طريق تحقيق الهدف الصهيوني ,ولكن عندما اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية وزعيمها انذاك ياسر عرفات بـ((اسرائيل)) اعتبرت هذه الخطوة انها الانتصار التاريخي لاسرائيل والحركة الصهيونية بل بمثابة”الميلاد الحقيقي للدولة “؛ان الذهاب الى ما يطلق عليه يهودية الدولة ما هي الا مناورة في اطار استراتيجي من اجل تكريس الاعتراف بـ (الدولة) كدولة بحد ذاتها من قوى وحكومات محلية واقليمية .
ان “اسرائيل” عندما اقيمت وقتئذ؛ لم تقم على اساس نصوص القانون الدولي, فالقانون الدولي فقط ثبت قانونية هذه الدولة التى قامت على اساس البرنامج الصهيوني المقر في مؤتمر بال عام 1897 والذي يقول ( بدولة قومية لليهود) و”اسرائيل” تتصرف على هذا الاساس والا ما معنى التطهير العرقي الذي حدث في فتره قيام “اسرائيل” وفى السنوات التي تلتها؟ “اسرائيل” لا تريد حق العودة سواء كانت دولة يهودية او دولة علمانية وهي لا تريد الفلسطينيين (فى دولتها) الذين هم مزروعين كشجر الزيتون في أراض أبائهم وأجدادهم التاريخية سواء كانت يهودية ام علمانية؛ الاساس بالنسبه لهم هو” الدولة كدولة بحد ذاتها” و”اسرائيل” سواء كانت دينية او علمانية هى صهيونية من هنا عندما يزعق محمود عباس: سمّو دولتكم كما تشاؤون هذا شأنكم وان “اسرائيل” وجدت لتبقى كما قال في لقائه مع صهاينة شباب في المقاطعة ، ليطمئنهم ويعبر لهم عن صهيونية زائدة ، رفضها الكاتب اليهودي مؤلف كتاب (اختراع الشعب اليهودي والذي سخر منها ايضا الكاتب الإسرائيلي (يحزكل درور) فى تصريح للإذاعة العبرية وكما نقلته وكالة سما الاخبارية :”لو فاز غير الإسلاميين بشكل ديمقراطي فإنهم لن يتبنوا إلاّ سياسات مناوئة لنا لانهم في النهاية سيعبرون عن مواقف الجماهير العربية التي تكفر بوجودنا”:.ان تلك التصريحات وغيرها تزيد تبجحات وازدراء الصهاينه وتمنحهم وتسلم لهم بما لا يتوقعون و مالا يستحقون .
اذا الامور في منتهى الوضوح ؛ العدو واضح وما يريده واضح ايضا . ان الذين يهلكون ويزولون هم الوسطيون والانتهازيون والمتخاذلون؛ الجماهير الفلسطينية تريد الوضوح وتحترم الواضحين في مواقفهم واهدافهم,ان الجماهير ثورية بطبيعتها وان ضُللت لبعض الوقت وعلى البديل ان يكون واضح تماماً وثوري ووطني صادق وصدامي ويجب التخلص والى الابد من معادلة مفهوم السلطه الرسمية او القيادة الرسمية وقوى المعارضة؛ فمن يريد ان يبقى في صفوف المعارضة فهذا شأنه حيث فى هذه الحالة يكون قد قبل بأن يندمج في البنية الرسمية التي اسستها الامبريالية والصهيونية و الرجعية الفلسطينيه في (دولة) اخرى شبيهة بالاولى على ارض فلسطينية .
ان البديل الثوري هو صاحب المشروع الحقيقي مشروع التحرير الكامل انه ليس معارض بل هو من يرفض الخروج عن هذه البرامج اومعارضتها ويدافع عنها, ففي الحقيقة وفي الحالة الفلسطينية تحديدا المعارضة هي (السلطة او الاغلبية كما يدعون) كونها هي التي خرجت عن المشروع الوطني وعرضت الوحدة الوطنية الحقيقية لمخاطر تاريخية.
ان القوى الثورية الحقيقية الفلسطينية والمعادين للصهيونية في فلسطين تلقى على عاتقهم مهمة مزدوجة ستدعمها كل القوى الثورية عالميا الا وهي تحرير فلسطين من الصهيونية وكيانها ومؤسساتها وحل مشكلة من جلبتهم من قوميات اخرى على طريق انهاء الغيتو اليهودي فى فلسطين حيث هو اكبر غيتو لليهود في العالم مما يمهد الطريق الحقيقية لإنهاء ما يسمى بالمشكلة اليهودية أي إنهاء مبررات وجود الصهيونية كحركة عنصرية فاشية استعمارية .
إن تطور البشرية نحو مزيد من وسائل الاتصال والتنقل بين الشعوب سيخلق ظروفاً جديدة للاندماج والتعايش وسينهي كل أشكال الغيتو الديني أو الأثنى وبزوالها ستزول الصهيونية والى الابد من كافه المجتمعات البشرية.هل من يعتبر من تجار السياسة فلسطينياً وعربياً لأن ساعة الردع والتحول الثوري قادمة وبسرعة .