الحل أمام حماس: إنهاء الانقسام فورًا

تغريد سعادة

تعيش حركة حماس هذه الأيام مأزقًا حقيقيًّا في ظل الواقع الحياتي الصعب في قطاع غزة، بعد الحرب الإسرائيلية التي شنت في آب من العام الماضي، وتعثر إعادة الإعمار، وعدم رفع الحصار المفروض عليها منذ ما يقارب ثمانية أعوام، وانسداد كل الأفاق لإنجاز المصالحة، وتشديد القبضة عليها من قبل مصر والتي اعتبرتها محكمة فيها منظمة إرهابية. وهذا الواقع لم يترك أمامها الكثير من الخيارات للتعامل مع الحصار الدولي والإقليمي والأزمات الداخلية.

 

مصر

بعد سقوط الرئيس المصري محمد مرسي وصعود الرئيس عبد الفتاح السيسي، عزز الجانب المصري الحصار على القطاع، وعرقل فتح معبر رفح، المنفذ الوحيد له للعالم الخارجي. ووصلت الأزمة ذروتها بين حماس والجانب المصري بعد أن قضت محكمة مصرية باعتبار حركة حماس، وقبلها جناحها العسكري، كتائب القسام، منظمة إرهابية. حدة الخلاف ظهرت في وسائل الإعلام المصرية مؤخرا، من خلال التلويح بتوجيه ضربة عسكرية لحماس كما فعلت مصر في هجومها العسكري على داعش بليبيا الشهر الماضي، إلا أن لهذه الخطوة اعتبارات مختلفة، لأنها ستعتبر اعتداء على المقاومة التي تواجه الاحتلال الاسرائيلي، كما أنها لن تحظى بدعم عربي لحساسيتها وتعقدها.

عدو الأمس

حدث تقارب بين حركة حماس ومحمد دحلان، القيادي المفصول من حركة فتح، الذي كان عدو الأمس بالنسبة لحماس. وسمحت الحركة له ولجماعته بتقديم المساعدات لأهالي قطاع غزة المنكوب، كما سمحت لزوجته دحلان بالتواجد في قطاع غزة للإشراف على الكثير من المشاريع الخيرية التي تمولها دولة الإمارات. وهذا التعاون لم يكن وليد اللحظة، بل هو مستمر منذ ما يزيد على سنتين. والتصريحات الصادرة من قيادات حماس تشير إلى أن أساس هذا التعاون مصلحي وليس استراتيجيًّا.

وجاء على لسان عضو المكتب السياسي لحركة حماس صلاح البردويل، في توضيحه لطبيعة علاقة حركته مع دحلان: “إن ما يجري حقيقة هو تقديم مساعدات إنسانية للمحتاجين بغزة عبر لجنة وطنية شكلت من حركتي حماس وفتح للإشراف على عملية التوزيع”، مشددًا على “أن هذه اللجنة ليست بديلاً عن حركة فتح، وأن الفكرة تقوم فقط على تقديم مساعدات إنسانية للقطاع وليس لأية غايات أخرى”. وهو ما أكده أيضا نائب رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، وقال: “نرحب بمن يريد تخفيف المعاناة عن شعبنا”.

إن عودة دحلان من بوابة قطاع غزة في ظل انسداد الطريق لعودته الى رام الله بعد صدور حكم قضائي عليه بالسجن لعامين، العام الماضي، ليست بالسهلة.

وقد نص اتفاق الشاطئ –اتفاق المصالحة الأخير- على الاستئناف الفوري لعمل لجنة المصالحة المجتمعية التي تضم أعضاء محسوبين على دحلان. ومن وجهة نظر حماس، فإن دور دحلان سينحصر في جلب المال الإماراتي لاتمام المصالحة المجتمعية، ودفع الديات والتعويضات لاهالي ضحايا الانقسام من الحركتين. أما محاولات دحلان لبسط نفوذه بعد ان تسيطر السلطة الفلسطينية على القطاع اذا تمت المصالحة بين حماس وفتح، فستكون محدودة في ظل خلافه القائم مع الرئيس عباس، الطرف الذي تعترف به حركة حماس كقيادة شرعية. ولاعتبارات أخرى أهمها أن دحلان تصدر برنامج مواجهة الاخوان اقليميا كما تؤكده وسائل الاعلام المختلفة.

 

إلى إيران

بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة العام الماضي، شهدت العلاقة بين حركة حماس وايران بعض الانفراج بعد القطيعة بينهما، بسبب موقف حماس من القضية السورية. وحاول الطرفان اعادة الامور الى سابق عهدها. وتجل عودة العلاقات بموقف حماس الأخير بمناسبة مرور 36 عاما على الثورة الاسلامية الايرانية بنشر يافطات ضخمة في جميع أنحاء قطاع غزة  كتب عليها “مبروك لمحور طهران – القدس  36 عاماً من العزة والاستقلال”، وأعلام فلسطين وإيران وحزب الله. وتقابل محاولات حماس للعودة الى محور المقاومة الاقليمي الكثير من العقبات، اهمها الخلاف الاخواني مع ايران، بالاضافة الى عدم شعور ايران بثقة حيال هذا التنظيم الذي خذله سابقا، وهو ما ادى الى تأجيل زيارة رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل الى إيران أكثر من مرة، وكان آخرها بداية العام.

 

المصالحة

منذ ثمانية أعوام، لم تنجح كل المحاولات لرأب الصدع بين حركتي فتح وحماس، وإنهاء الانقسام. حماس تخلت عن حكم غزة، ولكنها تسعى للحفاظ على نفوذها بالقطاع عبر الإبقاء على سلاحها الذي اعتبرت المساس به مساسًا بمقاومة الاحتلال. وحركة فتح تناور لإسقاط غريمتها التي هزمتها في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006، وعلى الأرض، عندما سيطرت حماس على القطاع.

ولكن لم يبق لحركة حماس مجال كبير للمناورة، فما تفرضه معطيات الواقع للخروج من مأزقها يحتم عليها اللجوء إلى خيار إنهاء الانقسام بأي ثمن، ليتسنى للسلطة التعامل مع مصر وفتح بوابة رفح، على الأقل لعودة شبه طبيعية للحياة في القطاع المنكوب. وفي الأثناء، على حماس أن تحسم وضعها لمواجهة حصارها وإنهائه، والتأكيد على أنها حركة مقاومة فلسطينية خالصة، وإلا، فستُعامل معاملة الاخوان عربيا وإقليميا ودوليا، ويطبق عليها ما يطبق على الإخوان.