هل يؤخّر الإتفاق النووي الحلّ السوري؟

د. ليلى نقولا الرحباني

 

بالرغم من النبرة العالية والتصريحات التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضد إيران، متهماً إياها بالتدخل في اليمن وسورية، إلا أن تلك التصريحات لم تمنع الزيارة المقرَّرة إلى طهران، وعقد اتفاقيات تجارية وثقافية وعلمية لم تصل إلى حدود الاتفاق على تخفيض سعر الطاقة التي تشتريها تركيا من إيران، وهو ما كان أردوغان يأمله.

لقد حاول أردوغان أن يبيع للإيرانيين مواقف ترضيهم، كقوله إنه “لا يعتبر عناصر داعش مسلمين، وإنه اتخذ موقفاً منهم”، ورغبته بـ”الحل السياسي في سورية”، لكنه لم يجد في إيران مَن يشتري هذه المواقف ويبادلها باتفاقيات حول تخفيض سعر الطاقة، أو رفع مستوى التبادل التجاري إلى 30 مليار دولار، كما كان الاثنان قد اتفقا في وقت سابق.

لا شكّ أن زيارة الرئيس التركي إلى إيران، والتي يمكن اعتبارها زيارة “خطب الود” الإيراني، كانت ضرورية بالنسبة إلى بلد كتركيا، التي تدرك أن التفاهم النووي بين إيران والدول الست سيجعل من إيران قبلة للمستثمرين الأجانب؛ من الشرق والغرب، وأن المستقبل سيشهد تنافساً بين الصين وأوروبا على الغاز الطبيعي الإيراني. ومع الأخذ بعين الاعتبار حاجة أوروبا للغاز الطبيعي الإيراني، وحاجة إيران إلى أن تمدّه عبر البرّ ليصبح سعره تنافسياً، تطمح تركيا في أن يشكّل الاتفاق الإيراني – الأوروبي، في حال إتمامه بعد رفع العقوبات، رافعة للاقتصاد التركي، ومن خلاله جعلها ممراً للطاقة العالمية، علماً أن الخيارات الإيرانية لمدّ الطاقة إلى أوروبا قد تتنوع بين خيارين، أقلّة لغاية الآن، كما يلي:

1-   خط نابوكو: وهو الخط الذي كان مقرراً أن يمتد من باكو (أذربيجان) – تبليسي (جورجيا) – جيهان (تركيا)، كمشروع في البداية كان يهدف إلى نقل الطاقة من تركمنستان وأذربيجان إلى أوروبا، عبر تركيا، والتخلُّص من الهيمنة الروسية على الطاقة، لكن عوامل عديدة جعلت هذا الخط غير ذي جدوى، بعد أن أصبح خطاً لا يوجد من يمدّه بالغاز، وبالرغم من ذلك فقد تمّ التوقيع على إنشائه عام 2009.

وبعد درس كل المعايير الإقليمية والنفطية والطاقوية، تبيّن أن إيران – بعد رفع العقوبات عنها – ستمثّل البلد المثالي لمشروع نابوكو في حال تمّ الاتفاق بينها وبين الأوروبيين على نقل الطاقة منها إلى أوروبا، ووصل الأنابيب التي تصلها بتركيا بخط نابوكو، وهكذا تستفيد تركيا من هذا الأنبوب بجعلها بلداً استراتيجياً، وتحصل على حاجتها من الطاقة بأسعار مخفَّضة.

2-   خط إيران – العراق – سورية: يمكن لإيران اعتماده في حال تمّ التوصل إلى اتفاق مع الأوروبيين، وهو الأنبوب الذي تمّ التوقيع على إنشائه عام 2013 بين العراق وسورية وإيران، لنقل الطاقة الإيرانية إلى شواطئ المتوسط ومنها إلى أوروبا، علماً أن الأنبوب يمرّ بمحافظة ديالى العراقية، وهي من المحافظات التي احتلتها “داعش” في وقت سابق، وتمّ تحريرها من قبَل “الحشد الشعبي” في كانون الثاني 2015.

ولطالما تنافس القطريون مع الإيرانيين على هذا الأنبوب، فقد عرضت قطر على الرئيس السوري بشار الأسد عام 2010 أن تقوم بمدّ أنبوب للغاز عبر الأراضي السورية لبيعه لأوروبا، على أن يمرّ بالسعودية والعراق، لكن الرئيس السوري رفض آنذاك مفضلاً الإيرانيين على القطريين، وهو ما قد يكون سبّب الحقد القطري عليه، وتمويل المجموعات الإرهابية لتخريب الاستقرار، واحتلال الأراضي التي سيمرّ فيها أنبوب الغاز المستقبلي.

في المحصلة، يريد أردوغان أن يُبقي خط التواصل بينه وبين الإيرانيين، لأن السباق المحموم في المنطقة سيحسم أياً من الخطوط ستكون له الأولوية، وهل يكون الاثنان معاً؟ وعليه، بعد رفع العقوبات على إيران، تقترب ساعات الخيارات الاقتصادية والطاقوية الكبرى في المنطقة، والكل يريد أن يحجز له حصة في ممرات الطاقة أو في بيعها، وهذا قد يفسّر التنافس على مناطق مرور الأنابيب، ويفسّر رغبة الأطراف الإقليمية، ومنها تركيا وقطر والسعودية، في استمرار المعارك في سورية.