في حق … دوركايم، السعودية وداعش ولصالح الطلبة

عادل سمارة

في تفريقه او تمييزه بين المجتمعات الصناعية وما يسميها التقليدية من قبله اسماها هيجل “شعوب بلا تاريخ”  كتب إميل دوركايم  1858-1917في كتابه التقسيم الاجتماعي للعمل ص 105 من الطبعة بالفرنسية لعام 1991)

” يسلم الجميع بالديانة الواحدة  ويمارسونها، من دون مناقشتها، والملل والنحل المنشقة غير معروفة.: اذ من شأنها ان لا تكون موضع اغتفار لها. والحال ان الدين في هذه المرحلة ، انما يشمل  كل شيىء ويمتد الى كل شيىء.  فهو يحتوي ضمن حالة من الامتزاج  المشوش، علاوة على المعتقدات الدينية اساسا، الأخلاق والقانون ومبادىء التنظيم السياسي  وصولا الى العلم نفسه، او على الأقل ما يقوم مقامه. بل ان الدين  يحكم تفاصيل الحياة الخاصة” .

بتفكير غير نقدي وغير مشتبك أي استسلامي، يكون حديث دوركايم قوي وعبقري لا يطاله الباطل الماركسي من فوق ولا تحت. ولكن العجيب أن دوركايم أخذ عن خصمه خطيئة خصمه، أقصد ماركس. فمن تورطات ماركس حديثه عن ركود المجتتمعات الشرقية . اقول المجتمعات وليس التشكيلات الاجتماعية. لأن التشكيلة ليست لحظة معطاة بل سيرورة وهي السيرورة التي لا يمكن ان تخلو من التحولات.

ما يهمني هنا أن الانحصار بهيمنة الدين ليس هو إشكالية المجتمعات التقليدية. وهذا ما تهرب منه دوركايم. ومع انه عاش مرحلة الاستعمار وتورثها من قبل الإمبريالية، اي لم يلاحظ دور المركز في تخلف المحيط. بل رفض ملاحظة ذلك! ومن لا يعرف ذلك يمكنه الرجوع إلى دور همفري الجاسوس البريطاني في خلق محمد بن عبد الوهاب مؤسس الوهابية.

لكن الأهم أن الاستعمار لعب ولا يزال الدور المركزي في تخلف المحيط، وإذا كان وجه هذا التخلف هو الدين فليس الدين سوى القشرة العليا او فترينة الحالة، هو الخمار مثلا. فالإصرار على تركيز التخلف هو الذي يجعل اتهام الدين بأنه السبب.

لو قرأنا هزيمة حركة التحرر العربية بعد 1967 فإن ما حصل هو تغول انظمة وقوى الدين السياسي وليس الدين. وهو ما حول الكثير من البسطاء إلى مقاتلين بل قتلة باسم الدين.

وهو ما نراه اليوم في القوى التكفيرية سواء من الجيش الحر وصولا إلى داعش.

ولكن يبدو أن دوركايم حتى لو لا يزال حيا لما رأى الدين السياسي بل الدين لأنه مأخوذ فصل المجتمعات الى متقدم ومتخلف الى متدين وعقلاني، إلى قادر على التجريد وإلى ارادوي انفعالي، او باختصار هو من أهل مقولة: ” الغرب والبقية . The west and the rest

فالآثار العراقية موجودة منذ معركة القادسية تحت حكم دول مسلمة ولم يمسها أحداً، فكيف حصل ان الدين نادى بتدميرها اليوم؟

أي في عهد السلطة الأمريكية في العراق، الاحتلال الذي حين احتل بغداد لم يحمي سوى وزارة النفط وأطلق ايدي اللصوص والإمبرياليية والصهانية لسرقة ما خف حملع وغلا ثمنه وارتفع مستواه الفني من الآثار. فهل السبب في كل هذا هو الدين أم مشروع امبريالي صهيوني لطمس حضارة؟

لا أحد يرفع شعار الدين بقدر ما ترفعه السعودية، فهل وراء حربها ضد اليمن الدين أم كونها أداة للإمبريالية والعداء لأية محاولة نهوض وطني؟

بكلام مختصر، لم يكن للمجتمعات التي وصفها دوركايم بالتقليدة ان تبقى حتى الآن كذلك لولا جدلية القاع المشتركة بين المستعمِر والنخب التابعة.

قصدت بهذا التحريض دفع الطلبة في جامعاتنا للاشتباك مع المعلمين الذين يشرحون دوركايم بقداسة، وهيجل العبقري العنصري برهبة، وفوكو الذي  قال بموت السياسة كي يكلبش الثورة سلفا وضعوه كأيقونة، وديريدا الذي وعظ المستعمّر بالغفران للمستعمِر كصلح عشائري، فكان أن آمنت به جماعة أوسلو ستان فاعترفوا بالكيان.

لو كان دوركايم حيا يُرزق  لقال بأن داعش تطور طبيعي وولادة شرقية تماما، ولما رأى أن القابلة القانونية لداعش هي مجاميع المخابرات الغربية وقوى وأنظمة الدين السياسي.