طارق عزيز رحل حيا…لتموت الطائفية

عادل سمارة

 

رحل طارق عزيز، رحل عزيزاً كما عاش عزيزاً. إنتظرت منه روما الجديدة كلمة واحدة ويخرج “حرّاً” أي ذليلاً. كلمة يتنكر بها للعراق وللبعث ولصدَّام حسين. ويخرج ليعيش كما تعيش عشرات ملايين العرب كالقطيع أو أقل، يأكلون ويشربون ويُنجبون بلا حسابِ. يتذابحون باسم خطاب كان قبل خمسة عشر قرناً، هو لم يكن هكذا، بل خلقته  الثورة المضادة هكذا، فسوَّقته أدواتها، ومات على بلاطهم البلهاء.

الولايات المتحدة بكل وحوشها تذلَّلت لهذا الكلداني/العراقي/العربي العتيق بأن يسقط بكلمة واحدة، ولم يفعل. أصر على الموت على أن يفعل. أصر على استشهاد من نوع رفيع، وكان له ذلك. وهل هناك أقسى من موت امتد لثلاثة عشر عام من التعذيب المتنوع؟

فمن أقسم قسم العروبة من قلبه لا يركع ولا يخون. ومن عاصر وشارك في قصف الكيان الصهيوني ب49 صاروخاً كانت شهبا أضائت وطننا، لا يخون.

من قطع مسافات الطوائف والمذاهب والجهات، لا يخون ولا ينخّ ولا يركع، بل يستشهد على مدار عذاب مع الأمراض دام ثلاثة عشر عاماً.

كان يؤلمه سقوط بغداد ولم يؤلمه المرض. كان صموده تعذيبا للعدو الأمريكي الذي اعتقله وتعذيب للعدو الطائفي الذي حافظ على الأمر الأمريكي فلم يطلق سراحه ولم يعالجه.

فمن ورَّثه الأمريكي عراقا مريضاً لن يعالج طارق عزيز، بل زاد أمراض العراق.

يرحل طارق عزيز في السجن في وطنه، ويبقى في قصور العباسيين الحاكم العسكري الأمريكي وخبراء أل سي، آي إيه. لم يقل وامعتصماه، لأنه يعرف أنه هو المعتصم، فيستصرخ مَنْ إذن! لم يستجدي خيول الروم ولا مطاياهم من العربان.

أليس هذا عجيباً، وقد احتفلوا بتحرير العراق من العدو الأمريكي منذ عدة أعوام؟

يموت طارق عزيز في السجن، وحكام العراق يأكلون لحم بعضهم سنة وشيعة ويتسابقون على خيانة العراق وتقديم فرجها للأمريكي برجاء أن يتفضلَّ.  أما شيخ عشيرة الكرد فيسرق نفط العراق ليحول دجلة إلى نفط يسقي عطش داعش للمال،. نعم، هكذا أمرتهم جميعا الولايات المتحدة وقد دمغت على وجوههم نجمة داوود. فلا نامت أعين الطابور السادس الثقافي الذي نخَّ سلفا بل خان بقصد ووعي.

رحل طارق عزيز، وكيف لا يرحل متفجراً وقد رأى اذلاّء حكام الخليج وقد بدأوا يكشفون بطاقات شخوصهم الجديدة  كتبت بالعبرية الفصحى. كيف لا وهو يرى حكام الكويت يغزون صنعاء. إنه في هذا الوطن صراع الحواضر في مواجهة الصحراء. صراع العروبة في مواجهة أدوات الصهيونية والإمبريالية.

أيتها الثقافة الطائفية كالأفعوان، لا شك أنك تحتفلين برحيل الشرفاء. لم نتوقع غير هذا. لا بأس فقد رتب الرجل يوم رحيله مع لقاء علني للسعودي أنور عشقي مع أحد عتاة الصهاينة وقد سبقه كثيرون من “ثوار الناتو والعثمانية والوهابية والإخوانية” ضد سوريا. لم يناموا في الصف الآخر سراً بل علانية في فلسطين المحتلة.. لعلها حكمة لا يعرفها سوى الموتى لأنهم هم الأحياء في مرحلة تسير فيها جموع مثل عديد الحصى وهي ميتة.