حركة شعبية ومقاومة و14 ضرب 22
عادل سمارة
لم يعد سراً أن حزب الله حينما أعلن قرار الدفاع المباشر عن سوريا منذ عام 2012، ومارس ذلك ربما قبل هذا التاريخ،كان يطبق دوس ودعس الحدود من مدخل المقاومة. وكرس ذلك حينما قرر مؤخراً تنظيف الحدود الوهمية “السورية اللبنانية” في القلمون وجرود عرسال، أي قرر الاشتباك مع الإرهاب ذو الهوية المزدوجة:
· إرهاب تكفيري وهابي بالفطرة، جلب الشيشاني ل “يحرر” سوريا! والصهيوني ليحتل صنعاء.
· وارتباط امريكي صهيوني معاً
حينما قرر حزب الله هذه المعركة كان قد ارتكز على مرتكزين، أحدهما مباشر والآخر لاحق له.
المرتكز المباشر: هو حق المقاومة في إلغاء الحدود التي خلقها الاستعمار وبالتالي العبور للقتال مع سوريا، وإن كان لم يقل ذلك كي لا يتم استثمار وتوظيف الأمر ضده كمقاومة. وبهذا فهو حقا قد سبق ما أعلنه الإرهابيون بأنهم ألغوا الحدود القطرية، ذك الإلغاء المتوافق مع مشروع الشرق الأوسط الكبير شكلا والمفتِّت مضموناً بالفوضى الخلاقة.
وعبارة الفوضى الخلاقة عبارة فيها من الإهانة ما كشف عن المهانة والخنوع واستدخال هائل للهزيمة بل كشف كيف ان أدوات العدو الثلاثة: الخاصرة السياسية أي الأنظمة الحاكمة (الطابور الخامس) والخاصرة الثقافية (الطابور السادس الثقافي) والخاصرة الإعلامية (الطابور الإعلامي) أن هذه الخواصر العربية قد قتلت روح الشعب العربي الوطنية والقومية. وإلا كيف كان لهذه المتوحشة كونداليزا رايس ان تقول هذا في الوطن العرب ولا يتم سحلها حتى تتلاشى ولا يبقى من جسدها الدنس سوى رائحته النتنة. امرأة عدوة تعلن في الوطن العربي تدمير الوطن العربي ويستقبلها ملوك العرب وخاصة الملك عبد الله في السعودية ويهديها الذهب بمقادير هي عبرت عن دهشتها منها. ولا شك أن دهشتها كانت: “عجيب، أهينهم وأقرر ذبحهم ويهدونني ذهبا” ! لقدر دنست الأرض العربية 17 مرة وفي كل مرة كانت تُهين الشرفاء فيه!. فهل ممثلة لسياسة بلدها التي تعلن أنها تحارب نيابة عن الكيان الصهيوني الإشكنازي. ألا يستدعي هذا رفع سؤال من المحيط إلى الخليج: كيف يتم هذا ويبقى لأمريكا كل هذه الأدوات المحلية؟ كيف تمكن الشيوخ من تفريغ وعي وكرامة الشعب؟ فبات الشعب العربي في غيبوية هي بصراحة أكثر من ذُلْ.
قارنوا فقط ما يلي: البابا في سراييفو يدعو لسوريا، والبطريرك الراعي في سوريا يدعو لسوريا، ومشايخ عرب يدعون لذبح سوريا ويُفتون بحرق اليمن، ويحرقون العراق بالنفط العراقي، ويدعون لداعش وهي تذبح الناس على الشاشات، وقوى دين إسلامي سياسي تنادي باردوغان خليفة وأردوغان أداة صهيونية امريكية! ألم يحن وقت تحرير الإسلام؟
والمرتكز الثاني: كان فتح جبهة المقاومة للدفاع عن لبنان نفسه بدءا من القلمون ومن ثم جرود عرسال. ولا شك أنه درس الأمر مع القوى الوطنية اللبنانية وخاصة التيار الوطني الحر. وكل هذا وما سيأتي هو في نطاق الرد على مشروع الشرق الأوسط المزعوم وعلى “ثورات ” الناتو وعلى الاستهداف التاريخي للأمة العربية.
وفي الحقيقة فإن حزب الله قد فتح معركتين معاً:
· معركة مواجهة الإرهاب فوراً بقوة السلاح
· ومعركة مواجهة الأطراف السياسية الداعمة للإرهاب (الطوابير الثلاثة) دعما يصل حد خيانة الأرض والأرواح. أي مواجهة تلوينات الطوابير الخامس والسادس والإعلامي.
أطراف الإرهاب المسلح معروفان بل ويتحدثون عن انفسهم علانية بل هم قتلوا وخطفوا جنودا لبنانيين، وأرسلوا السيارات المفخخة، ومع ذلك لا يزال قياديين في 14 آذار يدافعون عن الإرهابيين. أليس هذا مشهدا سورياليا؟ هل يمكن أن يكون هناك أمثال هؤلاء في أمة حرة؟ والخطر: كيف يكون لهؤلاء عبيدا يحملونهم على الأكتاف بدل أن تُحمل رؤوسهم على أسنَّة الرماح؟
أطراف المعركة السياسية المكرسة لخدمة من هم وراء طوابير الإرهاب أخذوا يتكشفون ويكشرون عن أنيابهم مضطرين لذلك بما هم أدوات للثورة المضادة التي حين حاجتها لهم ليشهروا خيانتهم لا يجرؤون على الرفض.
إنها الحركة الشعبية لاحتضان المقاومة
أذكر حينما قلت على قناة الميادين يوم 7 ايار، بأن السيد نصر الله هو أمين عام المقاومة العربية استشاط كثيرون كمدا وغيظا. وقلت كذلك بان المطلوب حركة شعبية عربية تردف المقاومة.
وها هي التجربة تبدأ من لبنان مجدداً. فالقوى الوطنية الحقيقية تنخرط إلى جانب المقاومة في معارك عرسال ضد جبهة النصرة/القاعدة. وبهذا يتحقق أمران:
· الأول: الفرز الوطني بمعنى أن كل من له انتماء وطنيا وقوميا ينخرط في صفوف المقاومة، ومن لا ينتمي وطنيا وقوميا هو في معسكر العدو.
· والثاني: اتساع افق حزب الله ليكون طليعة مقاومة شعبية واسعة.
وهذا ما قلناه دائماً بأن الميدان والتجربة توسع الأفق وتطور الطروحات. فحين يكون الوطن والمجتمع مهدداً، لا يحتاج أحدا لاستشارة أحدٍ كي يقاوم وخلال النضال كميدان مادي عملي تُعاد قراءة الطروحات والمواقف وتتكيف مع الواقع.
كنا جميعا نقول منذ بداية الحراك العربي بان الثورة المضادة امتطت هذا الحراك، وقبل التطورات الأخيرة والعدوان على اليمن، تاكدنا وأكدنا بأن الاشتباك في الوطن العربي هو بين:
· معسكر الثورة المضادة وخاصة القوى والأنظمة المرتبطة بالإمبريالية والصهيونية
· والمعسكر الصاعد للمقاومة.
ولكن العدوان على اليمن وبالتالي وقوف انصار الله والحشد الشعبي مع الجيش اليمني، وانكشاف دور الإمبريالية في حماية داعش ومختلف قوى الإرهاب وخاصة في العراق ورفض العدو الأمريكي لأي دور للحشد الشعبي العراقي في الدفاع عن الأنبار، وتبلور الحشد الشعبي في لبنان، كل هذه التطورات تبين بأن الحركة الشعبية الداعمة للمقاومة بل المشاركة لها أخذت تتبلور وتفعل في أكثر من ساحة عربية. وهذا يؤكد قولنا بان سيد المقاومة هو سيدها عربيا.
نحن إذن أمام تبلور تيار او حركة شعبية ميدانية مقاومة على الصعيد العروبي. وعليه، فالمطلوب شديد الوضوح اليوم، بمعنى أن المطلوب هو الاصطفاف والقتال. لا بل إن الوضع الحرج للجيوش العربية الوطنية للجمهوريات، والذي يعتبر وضعه المأزوم والصعب اليوم مثابة ربيع للصهيونية، يؤكد ضرورة تبلور الحشود الشعبية كرديف للجيوش على الأقل في هذه الفترة. بل هو حركة شعبية يجب ان تستمر. إنها حرب الشعب بأنواعها، أي حرب الشارع وحرب الجبال وحرب المقاطعة وحرب رفض التطبيع، وحرب التثقيف، هي حرب الشعب طويلة الأمد ومتعددة المستويات.
إن دخول الشعب على خط المقاومة، هو التطور الأشد أهمية على المستويين المباشر والاستراتيجي في التصدي لمهام المشروع العربي.
طوابيرهم/ن تنفث سمومها
وبالمقابل، فقد اضطرت القوى المرتبطة بالخارج على تعدد ارتباطاتها ، اضطرت للوقوف علانية ضد المقاومة ضد الوطن.
وهذه المرة من لبنان كذلك. فقد وقف معسكر 14 آذار وخاصة حزب المستقبل في لبنان ضد حماية حزب الله للوطن اللبناني، وبذل هذا المعسكر كل جهد ممكن للتشكيك في قدرة وأهداف المقاومة. بل وصل الأمر به إلى اتخاذ مواقف مفضوحة ومهينة كالزعم بان الإرهابيين لا يشكلون خطرا على لبنان. وهو زعم إذا كان صحيحاً فذلك أخطر بمعنى أن سادة الإرهاب يؤجلون مذبحة لبنان ريثما ينتهي وضع سوريا على باب معين. اي ان 14 آذار تبين ارتباطها بأعداء الوطن والأمة بلا مواربة.
وفي أذيال 14 آذار تتكشف موافق مجموعات يسارية لا تزال تزعم بان ما يُدار ضد سوريا هي ثورة، والبعض يراها ثورة بروليتارية، والبعض يهاجم سوريا من باب أنه ضد القومية (أي حاملي اعتق اشكال تخلف الموقف السوفييتي من القومية العربية) وهو موقف اخترقته الصهيونية بعد لينين مباشرة وخاصة على يد تروتسكي. ولعل الأخطر هي المجموعات التروتسكية التي تعادي العرب كعرب وتمتد علاقتها بالثورة المضادة منذ عشرينات القرن الماضي وحتى المحافظين الجدد. ولها تمفصلاتها في الكيان الصهيوني.
وهناك مجموعات باسم الناصرية وباسم القومية العربية اصطفت إلى جانب تدمير سوريا وليبيا واليمن والعراق. ألا يكشف هذا بان هذه ممولة بالنفط؟
واتضح إثر الفرز في لبنان ان هناك 22 نمط او فرع من 14 آذار اللبنانية منتشرة في الوطن العربي في كل قطر. وهي بين حكام ومثقفين وإعلاميين ورجال أعمال وكمبرادور. إنه خليط معسكر واسع.
ولكن، ليست قوته في اتساعه وعلو صوته وإمكاناته وارتباطه بالإمبريالية وعلاقاته السرية والعلنية مع الصهيونية (مثال: أنور عشقي الذي كشف عشق حكام السعودية مؤخرا، وثوار سوريا الذين ظهروا على شاشات الكيان) ، بل قوة هذا المعسكر في صمت الشارع العربي، في غيبوبته ومن ثم غيابه، في تسمُّره أمام الشاشات بينما هي مليئة بدم العرب!
صار بوسعنا القول بأن دخول المقاومة معركة المواجهة مع العدو في شرق لبنان وشماله هي نفسها معركة المقاومة في جنوب لبنان. ولكن بفارق هام، بان المقاومة في شمال وشرق لبنان تتسع لتأخذ بعدا وطنيا وقوميا عاماً، بل وتتسع لتشمل عدة أقطار عربية وصولا إلى جبهة مقاومة عربية متكاملة وحراك او تيار شعبي عربي شامل ايضا.
وحده، نعم وحده هذا الطريق وهذا الوضوح وهذا العمل هو الذي يُقيل الوعي الشعبي العربي من عثرته التي جعلته وضعته مراقبا حيادياً لما يجري على جسده. صحيح ان هذا متأخراً ولكنه حاسم.