عادل سمارة
عزيزي المحرر، فقد قرات المقالة الدقيقة للزميل د. سمير امين: “تركيا…الإمبريالية من الباطن!”.
ولكن لفتتني بعض النقاط التي تستحق الإشارة إليها.
لقد تطرق الكاتب إلى مختلف علاقات تركيا تاريخيا وراهناً، غالبا الهامة أو الأقل أهمية، ولكنه تجنب التطرق للعلاقة المركزية بين تركيا والكيان الصهيوني الإشكنازي على الرغم من التشابه الكبير بين الطرفين من حيث كون كليهما إمبريالية رثَّة.
تركيا أول الدول الإسلامية التي اعترفت بالكيان وأقامت معه علاقات في مستويات كثيرة أهمها، أنها تعترف بكيان استيطاني اقتلاعي على أرض شعب آخر. لا أجادل هنا بان فلسطين بلد معظم أهله مسلمين كي لا يكون الرد بان تركيا “علمانية”. ليكن، ولكن على الأقل فإذا كانت تركيا، قد قامت بمذبحة مشتدة ضد الأرمن، وهذه ذكرها د. أمين، فقد قام الكيان الصهيوني ولا يزال بمذبحة ممتدة ضد الشعب الفلسطيني وباقتلاع هذا الشعب من وطنه ولا تزال مستمرة في مشروعها الاستئصالي، وهذه لم يذكرها د. امين.
هنا لا اناقش د. أمين فيما يخص كونه عربي أو عروبي أم لا، بل على الأقل في المستوى الإنساني البحت.
كما ان الدور الحربي العدواني لكل من تركيا والكيان دور واضح لا يمكن لباحث بقامة أمين أن يهمله فلا يذكر الكيان قط! كيف ولا و د. أمين ماركسي هو بالضرورة ضد العدوانية العسكرية الراسمالية لا سيما كونها العضو المتقدم للناتو على حدود الوطن العربي.
من جهة ثانية، ذكر أمين إقليم الإسكندرون وهو جزء من القطر العربي السوري، ذكره دون إشارة إلى أنه محتل من تركيا، ودون أن يذكر ان الإمبريالية الفرنسية ضمته لتركيا كرشوة على حساب العرب السوريين. ناهيك أن هذا الإقليم اليوم هو منطلق الإرهاب الكافر ضد سوريا.
من خلال قراءاتي لكثير من كتابات د. أمين في السياسة والثقافة، هو دائما يكتب: “الحضارة الإسلامية العربية” بدلاً من “الحضارة العربية الإسلامية”، رابطا الوجود والحضور العربي بالإسلام. وهذا خلل تأريخي. ولكن، وهذا رأيه، فإن هذا لا يسمح له بعدم ذكر وطنا فلسطينيا كاملا تحت اغتصاب واستيطان واقتلاع من قبل الكيان الصهيوني وبان لا يذكر أن تركيا ذات علاقة متجذرة مع هذا الكيان. وربما لهذا، فإنه حتى لم يذكر أن إقليم الإسكندرون هو محتل من تركيا نفسها.
وأخيراً، إذا كانت تركيا : “إمبريالية من الباطن” أليس الكيان الصهيوني كذلك، أو إمبريالية…رثة”؟ ترى هل غابت كل هذه عن ذهن د. أمين؟ أم أن د. أمين في علاقاته مع كثير من اليسار في العالم الذي يرى ان الكيان الصهيوني الإشكنازي “شرعي” وبان على الفلسطينيين أن يتخلوا عن حق العودة؟
هذا التورط من د. أمين يأتي في زمن أخذت الكثير من القوى الحية في العالم تكتشف حقيقة الكيان الصهيوني وتزيد من تفهمها الأخلاقي على الأقل للحق الفلسطيني.
مرة أخرى، ليس ما اريده أن يتحول د. أمين عن موقفه اللاعروبي، ولا ان يكون جزءاً من النضال الفلسطيني لحق العودة، ولكن أن يذكر وقائع التاريخ كما هي.
ليس هنا موضع مناقشة حدود عروبية أمين أم لا، ولا مدى اعتباره لنفسه عربياً، بل هي مناقشة مسألة واقعية تغاضى عنها وهو لا شك يدركها. وفقط على سبيل المقارنة، فإن تشومسكي وهو الفيلسوف واللغواتي الإنساني جداً، يصر على سلفيته الصهيونية ويرفض دولة مشتركة لليهود والفلسطينيين في أرض الفلسطينيين رغم عسف ووحشية الكيان الصهيوني الإشكنازي، بينما العربي سمير أمين يتهرب من ملامسة حقيقة موضوعية هي الصراع العربي الصهيوني وموقع وموقف تركيا منه. فهل هذه آثار أممية سوفييتية، ولا أعتقد أنها آثار أممية ماوية كما نعرف عن الرجل.