العميد د. أمين محمد حطيط
من التبسيط لا بل من السلوك المبرر للجريمة أن تعتبر مجزرة قلب لوزة في جبل السماق في إدلب عملا فرديا منفصلا عما يخطط للمنطقة، لان الحقيقة في واد والنظرة المبسطة إلى هذه الجريمة في واد آخر. فما هي الأهداف المخططة عبر الجريمة تلك؟
ليس بدعا أو اكتشافا جديدا القول بأن منظومة الإرهاب المشكلة من “جبهة النصرة” وشقيقتها “داعش” وأمهما ا”لقاعدة”، تنفذ المشروع الاستعماري الذي تقوده إسرائيل وأميركا، في صيغته الجديدة القائمة على التفتيت التناحري لدول المنطقة بعد فشل المشروع التفتيتي الامتلاكي. فالنصرة كما داعش كلاهما أداة تنفيذية للمشروع الأجنبي الذي يستهدف المنطقة في كل شيء وجودا وتاريخا ومستقبلا، وأن أي تغافل أو أنكار لهذه الحقيقة أنما يكون عن قصد أو غير قصد خدمة للمشروع العدواني ذاته وتسهيلا لتنفيذه.
وإذا كانت الخطط التنفيذية لهذا المشروع في صيغته القديمة قد أجهضت لأكثر من مرة بدءا من لبنان في العام 1975 حيث طرحه لأول مرة يومها المبعوث الأميركي دين براون الذي اصطحب البواخر لأجلاء المسيحيين من لبنان تمهيدا لتقسيمه وتوطين الفلسطينيين، فانه في صيغته الجديدة – التفتيتية التناحرية – بات قيد الإعمال الجدي ويبدو انه اتخذ الآن من طائفة الموحدين الدروز في سورية ولبنان مدخلا يتوخاه أن يكون سهلا وسريعا للتنفيذ.
بهذا تفسر الجريمة –المجزرة التي ارتكبتها “جبهة النصرة” بحق السوريون من الطائفة الدرزية في جبل السماق، وبهذا تفسر ردات الفعل على المجزرة والاهتمام بالامرعلى أكثر من صعيد ومن أكثر من جهة ما يطرح السؤال حول ما يريده المخطط ومآل الأمور بعدها؟
فمن يتابع ردات الفعل والعروض التي قدمت لحماية الدروز في سورية، والمواقف التي اتخذت من قبل بعض السياسيين الدروز في لبنان خاصة تلك التي عبر عنها النائب وليد جنبلاط بتقزيمه للجريمة واعتباراها حادثا فرديا عابرا، ثم عرضه إخراج الدروز السوريين من منطقة إدلب لنقلهم إلى لبنان وتسكينهم في الشوف تحديدا المنطقة اللبنانية التي هجر سكانها المسيحيون وأخفقت كل المحاولات والمصالحات المزعومة عجزت عن أعادتهم إلى بيوتهم فبقيت مناطقهم شاغرة تنتظر عودتهم التي يبدو أنها لن تحصل لان البيوت محضرة لغيرهم كما ظهر.
ومن جهة أخرى يفاجأ المتابع بالموقف الإسرائيلي والتلميحات حول استعداد إسرائيل لتأمين الحماية للدروز في جنوب سورية ومنحهم الفرصة لإقامة محمية برعايتها تشكل حزاما امنيا يفصل سورية ولبنان عن فلسطين المحتلة بعد أن يكون الضغط قد تصاعد إلى الحد الكافي بنظر إسرائيل لحمل سكان الجنوب اللبناني على مغادرة أرضهم بعد تطويقها بفكي كماشة من الجنوب إسرائيل و من الشمال و الشرق الحزام الأمني الذي تعمل إسرائيل على إقامته من السويداء السورية شرقا إلى الدامور اللبنانية غربا مرورا بالشوف والبقاع الغربي وحاصبيا والجولان ،بعد تكثيف الوجود فيه نقل جزء من الدروز في إسرائيل اليه .
أن أقدام جبهة النصرة على جريمتها بحق دروز إدلب ومحاولاتها لدخول السويداء لا نراه عملا منفصلا أو بعيدا عن القرار الإسرائيلي فجبهة النصرة تعمل مسيرة بهذا القرار وهي تتلقى الدعم المتعدد الأشكال من إسرائيل بدءا بما يسمى “الخدمات الإنسانية” المتمثلة بالاستشفاء والرعاية الصحية التي تقدم لعناصرها في المستشفيات الإسرائيلية وصولا إلى الدعم العملاني والعسكري ثم التشغيل عبر غرفة عمليات “موك” التي يشارك ضباط إسرائيليون في إدارتها وهي الغرفة القائمة في الأردن لإدارة العمليات الإرهابية في جنوب سورية. وبالتالي لو كانت المسألة حماية الدروز من جبهة النصرة كما تدعي فليست إسرائيل بحاجة لأكثر من توجيه الأمر لجبهة النصرة فتلتزم لكن إسرائيل شاءت أن تكون مجزرة إدلب عود الثقاب الذي يضرم النار لإنضاج خطة الحزام الأمني الدرزي. فهل تنجح إسرائيل في سعيها؟
رغم كل ما يقال فأننا نرى صعوبات وموانع عدة تمنع نجاح المشروع خاصة لجهة:
1) الموقف الفعلي لأبناء طائفة الموحدين الدروز في سورية ولبنان. فمشروع إقامة حزام أمنى إسرائيلي في جنوب سورية ولبنان لا يكون واقعيا قابلا للحياة إذا كان مرفوضا من ذوي الشأن أنفسهم. وفي هذا النقطة نسجل بإيجابية موقف أبناء الطائفة الدرزية السوريين الذين أعلنوا رفضهم للمشروع وتمسكهم بسورية كلها واستعدادهم للقتال إلى جانب الجيش العربي السوري والمقاومة التي يقودها حزب الله في مواجهة المشروع التفتيتي التناحري كما ونسجل بإيجابية مواقف قيادات درزية لبنانية أكدت على ذلك صراحة، ولا يخفف من أهمية هذه المواقف الوطنية والقومية وجود أصوات درزية تمالئ الإرهابيين وتعمل ضد سورية ووحدتها طمعا بإمارة أو مقاطعة ذات حكم ذاتي.
2) الموقف الميداني العسكري الذي يسجله الجيش العربي السوري والمقاومة التي تقاتل إلى جانبه دفاعا عن سورية ولبنان ومحور المقاومة وهنا نرى بان هذا الموقف الصارم في رفض المشروع، قادر على أسقاطه لما يمتلك المدافعون من القدرات العسكرية والميدانية لإجهاضه، وأن ما سجل في السويداء مؤخرا من تحضيرات واستعدادات للمواجهة ينبئ بان دفاعات محور المقاومة جاهزة وكافية للتصدي للحلقة الخبيثة من حلقات العدوان على سورية
3) موقف لبنان الرسمي والشعبي الرافض بشبه إجماع لهذه الخطة. رفضا يقطع الطريق على المشروع خاصة وأن التنفيذ الذي يمس بوحدة لبنان يتطلب استقبال لبنان لجزء من الدروز السوريين ثم الربط الأمني والميداني بين راشيا وحاصبيا مع الجولان، وكل ذلك دونه الأن صعوبات يصعب تذليلها مع وجود الموقف السياسي الرسمي والشعبي الرافض ووجود الجيش اللبناني والمقاومة التي تسطر إلى جانب الجيش العربي السوري أنصع صفحات العزة والنجاح في مواجهة المشروع الصهيواميركي برمته. ولا يخفف من أهمية ذلك وجود عملاء ومرتهنين للغرب لأنهم عند المواجهة في الميدان ينكفئون أو يفرون كعادتهم.