ثريا عاصي
لمّحت سابقاً، في أكثر من مقال إلى أن ما جرى في تونس ثم في مصر، من «ثورات» أو «ربيعات»، إذا جاز التعبير، يختلف إلى حد كبير عما شهدته وما تزال دول كمثل سوريا، العراق، اليمن وليبيا.. فلقد بدا واضحاً وجلياً أن الجماهير الشعبية في تونس ومصر تختزن بالقطع إندفاعة إلى التغيير والتبديل في السياسة الوطنية وفي مؤسسات الدولة، بما يتلاءم مع متطلبات هذه الجماهير المعيشية أولا ويتطابق ثانياً، مع رغبتها في اللحاق بمستويات التقدم والمدنية التي صارت في متناول شعوب تحررت من التبعية للمستعمرين القدامى والجدد. هذا بالضد من الحروب الدموية والتدميرية التي تعرضت لها دول عربية أخرى، باسم إرساء الديمقراطية ومحاربة الفساد. حروب شنتها أو قادتها أو خططت لها دول أجنبية، إستعمارية غربية ورجعية عربية بالإضافة إلى تركيا في ظل حكومة العثمانيين الجدد.
بكلام أكثر صراحة ووضوحاً، تتميز «الثوارات » في تونس ومصر من حروب حلف الأطلسي، غير المباشرة، ضد ليبيا وسوريا واليمن والعراق ! هذا لا يعني أنه لا توجد علاقة تربط بين هذه وتلك أو بالأحرى إنها لا تكمل بعضها بعضاً. أكتفي هنا بهذه الملحوظات في موضوع لست بصدده الآن !
لأرجع من بعد إلى الهجومين الدمويين اللذين وقعا في تونس ومصر، لم يفصل بينهما سوى أيام قليلة، نفذتهما كما يبدو عناصر من التنظيم المعروف باسم »داعش» ! أوقع الإرهابيون في تونس قتلى وجرحى، بين سواح أجانب أبرياء، لا ناقة لهم ولا جمل في تقلبات الأوضاع السياسية. فالأرجح إن الغاية في تونس هي ضرب السياحة بما هي مرفق إقتصادي أساسي.
يحق لنا أن نتساءل عن مصير «الثورة » في تونس. أعتقد إن القوى الشعبية التقدمية في هذه البلاد، وافقت على العملية السياسية الديمقراطية السلمية واشتركت فيها وقبلت بالجهات التي تبوأت مقاليد السلطة نتيجة للإنتخابات. لا أظن في هذا السياق أن الحكومات الغربية وتحديداً في فرنسا والولايات المتحدة الأميركية منزعجة من القيادة التونسية الحالية. يستتبع ذلك انه بحسب الظاهر، وحده تنظيم «داعش» غير راض ! ولكن لا مفر هنا من أن نرتجع الاسئلة التي نطرحها في مداورة الحرب التي تتعرض لها سوريا والعراق. من أين جاءت «داعش»؟ من يمدها بالسلاح ؟ من يُسقط لها من الجو عن طريق الخطأ، المؤن والأعتدة العسكرية؟! من المسؤول عن الجريمة ضد الإنسانية التي وقعت في ليبيا ؟ ما هو دور آل سعود والعثمانيين الجدد في تجنيد المرتزقة وتسهيل وصولهم إلى الأهداف المنوي بلوغها ؟ ينبني عليه، إن الدول الغربية صاحبة النفوذ تقليدياً في تونس، تريد إملاء سياسة معينة على القيادة التونسية الحالية، وبالتالي توكلت «داعش» التمهيد لذلك !
من مميزات «الثورات » في تونس ومصر، إنها أطاحت حكاماً كانت تربطهم علاقة جيدة بالدول الغربية التي انخرطت في المشروع الأمبريالي الأميركي، وأتت بحكام لا يختلفون كثيراً عن الذين سبقوهم. إستنادا إليه، يمكننا أن ننظر إلى حكومة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بما هي صديقة للولايات المتحدة الأميركية وللحكومة الإشتراكية الفرنسية فضلاً، عن كونها عضواً في تحالف عسكري تحت قيادة آل سعود، لمحاربة اليمنيين ! ما هو فحوى الرسالة إذن التي يحاول أصدقاء الحكومة المصرية الحالية إيصالها إلى هذه الاخيرة بواسطة تنظيم «داعش» ؟!
:::::
“الديار”