المهمَّشون والمنبوذون أعداء غير دلئمين!

ثريا عاصي

تناولت موضوع الذين يشنون منذ خمس سنوات حرباً ضد سوريا، فحاولت أن أتبين فرقهم وخططهم والأهداف التي يرغبون في الوصول إليها. لعل المعطى الأهم الذي تحصلتُ عليه هو انه تكونت طيلة العقود الزمنية الماضية، «مادة بشرية من السكان الأصليين» مطواعة، شكلت في الواقع عاملاً أساسياً ساعد على تمدد نار الحرب التي ما يزال بعض الفهلويين في وسائل إعلام آل سعود وآل ثاني والعثمانيين الجدد يـُطلقون عليها اسم ثورة !
أقتضب هنا لأقول أن هذه «المادة البشرية الأصلانية» تستحق الدراسة المعمّقة لمعرفة العوامل التي سببت تضخمها من جهة وما نتج عن هذا التضخم من جهة ثانية. تحسن الملاحظة في هذا السياق أن «المادة البشرية « المشار إليها، كانت بحسب رأيي، قبل الحرب، في طور الإبتعاد أكثر فأكثر عن الدولة والإنفصال عنها. كأن هذه الأخيرة تنكرت لها، أو قل أنها لم تعد تحتاجها. بتعبير آخر كانت العلاقة التي تربطهم بالدولة تضعف وتتلاشي بموازاة الخصخصة. ضرب التعليم الرسمي إضعاف الضمان الصحي، إنقباض سوق العمل، وغض النظر عن انتهاك القانون وعن الإعتداء على الأملاك العامة، فضلا عن تكاثر «المحاسيب». هذا كله يؤثر على الذهنية، والأخلاق، والتصرفات.
مجمل القول أن العلاقة بين «المادة البشرية الأصلانية» من جهة وبين الدولة الوطنية من جهة ثانية، كانت قد اتخذت قبل تفجر الأزمات وبدء الثورات تحت قيادة آل سعود وآل ثاني، منحى كان من المحتمل أن تتحول إلى علاقة خدماتية صرف، أي إلى علاقة بين الطرفين قريبة إلى درجة معينة، من تلك التي تربط اليوم هؤلاء الأصلانيين بمشغليهم في «داعش» و«النصرة» والوكالات الأمنية الأميركية.
أنتقل بعد هذه التوطئة إلى الحديث عن الذين يقاتلون دفاعاً عن سوريا وعن وجودها في مواجهة الذين يحاولون تقسيمها بحسب إنتماء الناس العرقي والطائفي والمذهبي باستثناء المسيحيين. المطلوب كما يبدو ترحيلهم عن بلاد الشرق! هذا موضوع آخر! مهما يكن فإن اضطرار المسيحيين في البلاد السورية إلى الهجرة إنما يعني أننا حيال متغيرات ومتبدلات جوهرية، ليست بالقطع، في الإتجاه الصحيح!!
تقود الدولة السورية حرب الدفاع عن البلاد. يشكل الجيش العربي السوري العمود الفقري في هذه الحرب الدفاعية، تعاونه استناداً إلى ما يمكننا إستخلاصه من التقارير والتحليلات التي تنشرها وسائل الإعلام، عناصر من الأحزاب والحركات الوطنية والقومية السورية واللبنانية. النظام العربي الرسمي ممثلاً بدول الجامعة العربية مرتهن لمشيخات الخليج ولآل سعود، يستتبع ذلك أن هذا النظام يوجد حيث توجد الولايات المتحدة الأميركية. أما الشعوب العربية فإنها تعطي إنطباعاً بأنها مستكينة، ربما يكون مرد ذلك إلى التهتك نتيجة لتنامي « المادة البشرية المطواعة»، وضرورة إحترام المظاهر أملا بنيل إهتمام آل سعود والوكالات الأمنية الأميركية الذين يبحثون عن مرتزقة لإمداد جبهات القتال. من لا يستطيع أن يعيش كإنسان، يعيش كسلعة.
من البديهي القول ان الحرب على سوريا تمثل مناسبة لإصلاح العلاقة بين الدولة من جهة وبين الناس من جهة ثانية. إن المقاتل السوري الذي يلتحق الآن بصفوف الجيش العربي السوري إنما يستعيد إنسانيته بما هو مواطن شريك في وطن. بمعنى انه مناقض للمرتزقة. هذا الأخير يحارب، في أي مكان يطلب منه ذلك، لقاء أجر. هو سلاح بأيدي مشغليه. هو عديم الإنسانية فاقد العقل. بالضد من الجندي الذي يدافع عن أرض وعن أناس بدأت شراكته معهم أثناء الحرب وربما قبلها، ولا تنتهي عندما تتوقف. أين سيذهب المرتزق، من سيعطيه معاشاً إذا وضعت الحرب أوزارها؟
تأسيساً عليه تتكشف من خلال هذه المقاربة، رابطة سببية بين تكون «المادة البشرية المطواعة» واستغلالها من قبل القوى الإستعمارية والإميريالية من جهة وبين الخصخصة التي إبتلت بها أوطان الشعوب الفقيرة، التي طالت الأسس التي ترتكز عليها دعائم الكينونة الوطنية، قبل أن أن تكتمل هذه الأخيرة. ينجم عنه أن معالجة نشوء وتضخم «المادة البشرية المطواعة» يعتبر أمراً ملحاً. إذ لا بد من إقناع الناس بالعودة إلى حقولهم، إلى معاملهم، إلى مدارسهم إلى وظائفهم، إلى صفوف جيشهم. إنهم يقامرون بالوطن وبمصيرهم. أول العلاجات هو الرجوع عن الخصخصة والعودة إلى الشراكة الوطنية الكاملة.

:::::

“الديار”