ثريا عاصي
لمحت في مقال سابق إلى الأسباب التي أعتقد أنها حفّزت كل من إيران والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا، إلى التوقيع على إتفاق تسوية في موضوع الملف النووي. أواصل في هذه الحلقة مقاربة المسألة الإيرانية من زاوية مفهومية ترتكز على محورين أساسيين للفعل الإيراني في مجالات السياسة والثقافة بأبعادها الواسعة، والدفاع والمقاومة ضد النفوذ الإمبريالي حفاظاً على الوجود وعلى الخصوصية الحضارية الوطنية، أو القومية. المحور الأول هو الدولة الإيرانية. أما المحور الثاني فأظن أن بالإمكان الدلالة عليه بعنوان الثورة الإسلامية.
من البديهي أنه يوجد، منذ أن انتصرت الثورة في إيران ولتاريخ اليوم، علاقة تربط بين هذين المحورين. ولكن هذه العلاقة ليست بالقطع ثابتة، بل هي متحركة متغيرة من حيث المسافة ودرجة التنسيق. ظهرت حقيقة الدولة الإيرانية في الحرب الدفاعية ضد عدوان الدول العربية على الثورة الإسلامية 1980ـ 1988. العدوان الذي كان العراق في عهد الرئيس صدام حسين رأس حربته. مثلما أن الدولة الوطنية الإيرانية بانت واتّضحت في سنة 2009، أثناء الأزمة التي أعقبت انتخاب الرئيس أحمدي نجاد. لم تجد الدول الإستعمارية الغربية آنذاك، ثغرات تصل منها إلى الساحة الإيرانية وإلى احتلال مواقع لها في هذه الساحة. بالضد من «الثورات» العربية التي شرّعت أمام هذه الدول الإستعمارية ليس فقط أبواب البلاد وإنما جعلت أيضاً من سفرائها شركاء في رسم الخطط وفي وسائل وأساليب القتل والتهجير والتدمير. أما الثورة الإسلامية فلقد كان من أبرز تجلياتها ورموزها، قطع العلاقات بين إيران والمستعمرين الإسرائيليين، وإسكان بعثة منظمة التحرير الفلسطينية بمكان سفارة الأخيرين في طهران، ومنها أيضاً وقوف إيران إلى جانب المقاومة في لبنان وسوريا وفلسطين!
ما أود قوله، هو أنه يوجد بحسب رأيي، فرق بين الدولة من جهة وبين الثورة من جهة ثانية. الدولة الحقيقية هي مسألة وطنية داخلية، تعني المواطنين، ولا تعني سفراء الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وإنكلترا وغيرهم. تختلف الدولة عن الثورة. فهذه الأخيرة تحمل مُثُلاً هي في نظر الثوار مُثُل عليا. هذا لا يعني أن المواطنين مقتنعون جميعاً بذلك. ولكن كلما تزايد عدد الذين يوافقون على أن أهداف الثورة هي صحيحة، عادلة، ضرورية، اكتسبت الثورة قوة. ينجم عنه أن الأمر يتعلق في المناسقة والملاءمة بين الثورة والدولة.
من البديهي أن إيران لا تشذّ عن هذه القاعدة، كونها دولة وثورة في آن، بصرف النظر طبعاً، عن رأينا في طبيعة وتوجهات هذه الثورة. يستتبع ذلك أنه يحق لنا التساؤل عن انعكاسات التسوية في الملف النووي، على الثورة الإسلامية، بالدرجة الأولى، لأننا معنيون بها، وعلى الدولة الإيرانية أيضاً لأن الدولة والثورة مرتبطتان بشكل من الأشكال. ولكن إذا كان جميع الإيرانيين حريصين على دولتهم ووطنهم، وهذا يشرفهم، فإني أزعم أنهم ليسوا جميعاً مع الثورة الإسلامية!.
التسليم بأن إيران، الدولة والثورة، وقفت مع المقاومة في لبنان في النضال ضد المستعمرين الإسرائيليين، كما أنها تساند سوريا في الحرب العدوانية الهمجية التي تتعرض لها هذه الأخيرة، يوصلنا أيضاً إلى خلاصة مفادها، أن المقاومة في لبنان كانت لن تقف مكتوفة الأيدي وتتخذ موقفاً محايداً، لو وقع هجوم إسرائيلي ـ أطلسي على إيران. ما يعني أن سوريا كانت ستشارك أيضاً في الدفاع عن إيران، كون المقاومة اللبنانية والجيش العربي السوري طرفين في منظومة دفاعية واحدة. هذا ما اتّضح لنا من خلال ما يجري منذ حوالى الخمس سنوات في سوريا.
تأسيساً عليه، من المرجّح أن تكون هذه المنظومة الدفاعية اللبنانية ـ السورية، التي تشارك فيها الثورة الإسلامية، قد زادت من منعة وصلابة إيران الدولة. أي بكلام أكثر وضوحاً وصراحة، إن هذه المنظومة الدفاعية شكّلت نوعاً من احتياط القوة في صالح الدولة الإيرانية. ينبني عليه: إن الثورة الإسلامية ساعدت الدولة الإيرانية على لجم عدوانية الدول الإستعمارية الغربية وإسرائيل. يستتبع ذلك أنه بالإمكان اعتبار تسوية الملف النووي، نتيجة للتنسيق والتعاون بين الثورة الإسلامية وبين الدولة الإيرانية. بالتالي فإن المنطق يجعلنا نتوقع مواصلة التنسيق والتعاون، بل رفع مستواهما، لا العكس!
:::::
“الديار”