عادل سمارة
تنشغل إيران والولايات المتحدة وبقية الخمسة في ترتيب مصالحها الآنية والاستراتيجية كدول قادتُها في خدمة بلدانهم وخاصة الطبقات الحاكمة/المالكة هناك، وهي خدمة يطول جزء منها الطبقات الشعبية في تلكم البلدان كذلك، بينما ينشغل الحكام والمثقفين العرب ، وحتى المثقفين الثوريين في “ثورة من الشك”. والشك هنا تجاه إيران وحتى تجاه كوبا.
لا يمكن وضع مواقف كل هؤلاء العرب في سلة واحدة. فهناك الحريصون والمخلصون الذين من حقهم قراءة اتفاق إيران وواحد زائد خمسة بعيون قلقة ووطنية. طبعا واحد زائد خمسة لأن امريكا هي التي تحكمت بالخمسة وليس العكس.
وهناك من يشنون هجوما على إيران وكأنها كانت قد تعهدت بتحرير السماء والأرض ولكنها نكثت بوعدها. بل إن هؤلاء لا يمكنهم رؤية اي بلد بوسعه مفاوضة امريكا بل يرون ان كل العالم ينتظر إملاءات أمريكا ويسارع إلى التنفيذ.
هذا الفريق تحديداً، هو فريق العقل والنفسية المهزومة فريق استدخال الهزيمة وتوزيعها. هو فريق يعبر عن مواقف وارتباطات الأنظمة العربية التابعة. ومن خلال التشكيك في إيران، يزيح الوعي الجمعي عن تآمر وتخاذل الحكام العرب في حماية حتى قصورهم.
إن الشك والتشكيك هنا هو تغطية على هؤلاء الحكام، والتصوير بأن الوضع الطبيعي هو الحال العربي الحالي الذي يقول لأمريكا: “إفعلي ما تريدين”. ولذا، لا يمكنهم رؤية أن إيران وكوبا تدافعان بالمفاوضات عن كرامتيهما. بر يرون ان ما يحصل هو:
احتواء امريكا للبلدين، وانفتاح سوقي وعقيدي منهما لصالح السوق العالمية وللراسمالية الغربية المتوحشة وخضوع للنيولبرالية…الخ
بهذه النغمة يخدم هؤلاء أنظمة التوابع ويعزون انفسهم بان “الكل في الهوى سوى”. بل يكادون يحتفلون بانضمام إيران وكوبا إلى حفلة الرقص الشيطاني الغربي حاملات للطيب أو جواري في المخادع!
الخطورة القصوى لهؤلاء حينما ينتقلون من البكاء والتشكي والشكوك إلى إدانة إيران بأنها بدأت التخلي عن حلفائها العرب، وبأنها تجهز نفسها للتشارك مع أمريكا في السيطرة على الإقليم.
وهذا يعيد إلى الذهن أمثال هؤلاء الذين كانوا يعيبون على الاتحاد السوفييتي في عدم قتاله نيابة عن الأنظمة العربية.
ورغم قتال سوريا خمس سنوات ضد امريكا وجميع أدواتها من الثورة المضادة، يرفض هؤلاء رؤية أن بوسع عرب معينين أن يقاتلوا. لأن رؤيتهم أو إقرارهم بهذه الحقيقة يهدم كل نقاشهم.
بل يلجأون إلى قراءة ثبات سوريا بأنه بسبب اشتراك مقاتلي حزب الله والمساعدة الإيرانية. متجاهلين حقيقة ترتبط حتى بإيمانهم بأمريكا وهي أن أمريكا لم تكن لتسمح لإيران بالقتال في سوريا بل كانت ستتخذ ذلك ذريعة للعدوان على إيران.
لكن مستدخلي الهزيمة لا بد وأن يقوموا بدورهم الوحيد الوحد وهو تقويض معنوية العرب لأن هذا يبرر سقوطهم سقوطا بوعي وانتماء للسقوط.
على أن ما يتهرب منه هؤلاء هو ما يجب أن يذهب إليه كل عربي:
فليس من واجب إيران تقديم مصالح اي شعب على مصالحها. بل إن من حق إيران ان تتحول إلى قوة إقليمية او أكثر ومن مصلحتها تحويل جاراتها إلى حليفات او حتى توابع لها. هذه هي السياسة والمصالح في عالم راسمالي. في السياسة والمصالح القومية والدولية لا توجد ملائكة ولا فاعلي خير، بل ربح وخسارة.
لذا، كان يجب على الذين يعددون مثالب الاتفاق ومخاطر الاتفاق وطموحات إيران ومطامع إيران، كان عليهم أن يقوموا بذلك كما يشاؤون وأن يذهبوا فيه كل مذهب، ولكن كان عليهم أن يدخلوا المنطقة الحرام التي يجبنون عن دخولها وهي:
· الشرح الواضح لماذا أمريكا قوية
· والشرح الواضح لماذا إيران قوية
· والشرح الواضح بان غالبية الحكام العرب ليسوا وطنيين ولا قوميين ولا مخلصين
· وبالتالي، أن يتوجهوا إلى الشعب العربي بوجوب الثورة.
فكل ما يدور في الوطن العربي يدعو للتغيير الكامل الشامل والعنفي. وطن يحكمه حكام خونة متخلفين تابعين، ويخضع لاحتلال امريكي غربي واضح، واستيطان صهيوني لا يتوقف، وطن بهذا الحال، من العيب على مثقفيه وساسته نقد تفاوض إيران أو كوبا، ببينما وطنهم بحاجة إلى تحرير وليس مجرد تفاوض.
إن الحال العربي مع هؤلاء الحكام ومع مثقفهم العضوي، اي الطابور السادس الثقافي هو حال يكرس التفتيت والتذرير. وهذا يحتاج إلى تضبيط البوصلة لا إلى تكريس تشوهها وانحرافها.
هذا حال يحتاج إلى ثورة شعبية وإلى مثقف ثوري مشتبك وليس إلى نوَّاحة مدَّاحة. وحينها لا يكون قلقا من إيران، ولا اضطرار حتى لمفاوضة امريكا.
أما الدرك الأسفل في التحليل فهو الذي يرى أن إيران وأمريكا كانتا دوما على وفاق تآمري، وبأن كل ما بينهما من صراع او اختلاف هو فقط للتمويه على علاقتيهما التآمرية والاقتسامية للمنطقة.
حتى لهؤلاء نقول: لنفرض ان ذلك صحيحاً، ألا يعني امرين:
الأول: أن هذه دول تهندس مصالحها بما تراه الأنسب لها
والثاني: لماذا لا تستخدموا تحليلكم هذا لكشف ونقد وفضح والفتك بالأنظمة العربية ألتي أنتم حقا في خدمتها……دائماً. أي ضد العروبة.
نختم بالقول بأن الفارق بين الثوري والأداة، أن الثوري يبدأ من قراءة واقعه، نقد واقعه، لتغيير واقعه. وهي القراءة التي تقف بوضوح لصالح الأقطار العربية الواقعة في أتون العدوان من فلسطين إلى العراق إلى ليبيا إلى سوريا إلى اليمن إلى مصر. ومن ثم الوقوف ضد الأنظمة التي تشارك في هذا العدوان. وهذا أقل القليل.
ولكن، أنَّى للأداة أن تتحول إلى قوة دفع ذاتي مستقلة!