تموز، شهر الشهداء

الطاهر المعز

الشهيد غسّان كنفاني في مكتبه في مجلة الهدف

يصادف شهر تموز/يوليو ذكرى اغتيال “غسان كنفاني” على أيدي المخابرات الصهيونية في بيروت سنة 1972 ولم يتجاوز عمره 36 سنة ( عكا 1936 – بيروت 1972)، ويعود الفضل إلى غسان كنفاني في اكتشاف الرسام “ناجي العلي”، إذ رأى رسومه على جدران المخيم في لبنان فأعجب بها واتصل بصاحبها، وفيما بعد أصبح الإثنان من أعمدة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (وقبلها “حركة القوميين العرب”)، فقد كان غسان كنفاني الناطق الإعلامي باسم الجبهة وأسس ورأس تحرير مجلة “الهدف” ورسم أشهر ملصقات ومعلقات الجبهة… كان مسجلا على “قائمة غولدا مائير” (رئيسة وزراء العدو من 1979 إلى 1974) التي احتوت أسماء مثقفين فلسطينيين بهدف اغتيالهم، وأعلنت يوم اغتيال غسان كنفاني ان اغتياله أهم من القضاء على كتيبة جنود… ترك لنا غسان كنفاني عددا هاما من الروايات والقصص والدراسات والرسوم واللوحات، وحول البعض أعماله إلى أشرطة سينمائية مثل “عائد إلى حيفا” و”رجال في الشمس”، إضافة إلى مقالات سياسية في الصحف الكويتية واللبنانية والفلسطينية

أما ناجي العلي فقد تنقل من لبنان إلى الكويت (كان يعمل في جريدة “القبس”) التي أطردته (مع الشاعر العراقي “أحمد مطر”) فذهب إلى لندن ولما نقدت رسومه قيادة منظمة التحرير أبلغه ياسر عرفات تنبيها، لم يعره “ناجي العلي” أهمية، رغم معرفته بقدرات “الختيار” (الإسم الذي كان الفلسطينيون يطلقونه على ياسر عرفات) على فعل الإغتيال، وفي 22 تموز 1987 أطلق عليه “مجهول” الرصاص في “لندن” وبقي في حالة غيبوبة إلى أن توفي في 29 آب/أغسطس 1987 وعمره خمسون سنة ( “الشجرة” قرية تقع بين طبريا والناصرة 1937 – لندن 1987) وترك لنا إرثا عظيما يتمثل بنحو 40 ألف رسم… في جنوب لبنان، اعتقلته القوات الصهيونية وهو صبي قاصر، فبدأ يرسم على جدران الزنزانة، واعتقله الجيش اللبناني عدة مرات، فملات رسومه جدران ثكنات الجيش والسجون… ابتدع “ناجي العلي” على صفحات صحيفة “السياسة” الكويتية شخصية “حنظلة” سنة 1969، وحنظلة صبي في العاشرة (سن ناجي العلي لما أجبر على مغادرة فلسطين مع عائلته) أدار ظهره نهائيا للقارئ وللعدو سنة 1973 وعقد يداه خلف ظهره، ولا يتحرك إلا نادرا، كما ابتدع “ناجي العلي” شخصيات فلسطينية أخرى مثل المرأة “فاطمة” التي لا تستسلم ولا تهادن، بعكس زوجها الذي يغضبها لكثرة “ليونته” و”انحناء ظهره”، وفي “الضفة الأخرى” من رسوماته، يجسد القيادات الفلسطينية والعربية رجل بدين، بمؤخرته العارية التي تنتظر الخازوق… انتقمت السلطات البريطانية من “ناجي العلي” بعد موته، فيقي القاتل “مجهولا” ولم يدفن في مخيم “عين الحلوة” (لبنان) كما طلب ذلك، بل في لندن، في قبر هو الوحيد الذي لا يحمل شاهدا بل يحمل الرقم 230190 ولكن يرتفع فوقه علم فلسطيني…

في تموز أيضا احتدت “الحرب الأهلية” في لبنان سنة 1976 واعتدى الصهاينة للمرة الألف على غزة وعلى لبنان… وإذا كانت لنا في كل شهر هزيمة، فإن شخصيات مثل “غسان كنفاني” و”ناجي العلي” وفرت لنفسها وللقضية الفلسطينية عوامل الصمود من خلال أعمال أدبية وفنية خالدة، لا تموت بموت أصحابها.