دلالات الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية الجديدة…والرد عليها

العميد د. أمين محمد حطيط 

مع إطلالة الذكرى التاسعة للهزيمة الإسرائيلية على ارض الجنوب، الهزيمة التي تستجيب لتوصيف الحدث الذي غير مجرى التاريخ في المنطقة، والعالم، مع هذه الذكرى ومستبقا الاحتفال المركزي الذي نظمه حزب الله في وادي الحجير على مسافة 5 كلم من الحدود مع فلسطين المحتلة، الاحتفال الذي كان لسيد المقاومة فيه مواقف أرست استراتيجية دفاعية ثابتة في مواجهة العدو، مع هذا الواقع أطلق الجيش الإسرائيلي وثيقة تضمنت ما اسمي “استراتيجية الجيش الإسرائيلي الجديدة “. وهي بمضمونها وتوقيتها تشكل حدثا لا بد من التوقف عنده من قبل كل معني بالصراع مع الصهيونية والمشروع الصهيوأميركي الاحتلالي الذي يستهدف المنطقة وشعوبها.

جاءت الوثيقة كما تم تسريبها في 33 صفحة قيل إنها اقتطعت من وثيقة أو دراسة اشمل بقي القسم الأخطر منها طي الكتمان لتعلقه بالأمن القومي الإسرائيلي بشكل بالغ التأثير، وتم نشر الجزء الذي يستفاد من نشره لتوجيه رسائل في اتجاهات ثلاثة:

1)  الأول للعدو لأشعاره بان إسرائيل لا زالت منكبة منذ العام 2006 وحتى اليوم على درس هزيمتها في لبنان واستخلاص العبر وتطوير ذاتها بما يمنع تجدد الهزيمة في المواجهة القادمة “لان إسرائيل لا تحتمل هزيمه ثانية “.

2)  الثاني باتجاه المجتمع الإسرائيلي لأعلامه بان جيشه يستمر في العمل وتطهير الذات من اجل الوصول إلى مستوى تحقيق المناعة الاجتماعية لإسرائيل (وهو المصطلح الذي أطلق بعد حرب 2006 واعتبر الوصول إليه هدفا استراتيجيا مركزيا) كما وللتأكيد على أن الجيش بتصرف الأمة التي تقوده في المستوى الثالث من القيادة عبر تأثيرها في تشكيل الحكومة التي تعين رئيس الأركان الذي يقود الجيش (مستويات ثلاثة للسيطرة على الجيش بحسب الوثيقة: قائد – حكومة – شعب).

3)  الثالث رسالة للخارج حليفا كان أو صديقا لإسرائيل أو مراقب، لأعلامه بان إسرائيل تواجه مخاطر تلامس وجودها وأنها تعد لمواجهتها بكل ما لديها من إمكانات وأنها بحاجة في هذا الأمر للعلاقة والتعاون مع الأصدقاء الحلفاء وعل راسهم أميركا أوروبا وكل الدول الأخرى التي تشارك إسرائيل طموحها وهموها وأهدافها.

أما في المضمون فيبدو أن إسرائيل ومن خلال وثيقتها الاستراتيجية حددت الأخطار أو مصادر الأخطار التي تهددها بفئتين: دول ومنظمات غير حكومية، وحصرت الدول بإيران وسورية، وميزت في المنظمات غير الحكومية بين من يشاركها في الحدود الجغرافية (حزب الله وحماس) ومن لا يشاركها في ذلك كداعش وسواها من منظمات إرهابية دولية. ثم كان التركيز بشكل خاص على حزب الله الذي بات بحسب واضعي الوثيقة يملك من القدرات ما يجب التحسب له نارا وحركة، خاصة لجهة إمكانية تنفيذه لعمليات اقتحاميه في فلسطين المحتلة واحتلال منطقة أو أكثر أو اقل (حتى وموطئ قدم) بما يقلب صورة المشهد الميداني العام. إمكانية تصاحبها قدرات نارية تجعل فلسطين المحتلة كلها تحت النار ومن هنا كانت الضرورة لبلورة نظرية حماية كافية للمواجهة والدفاع حسب الوثيقة.

وفي دراسة عميقة للمضمون نجد أن الوثيقة لم تصل إلى إرساء نظرية امن قومي إسرائيلي شاملة، (قد يكون الجزء الذي لم ينشر يعالج هذا الأمر) ولكنها ركزت على استراتيجية هجومية تخدم فكرة الدفاع المستدام، والحماية الناجعة، لذلك نجد أن الوثيقة أكدت على نظرية “الهجوم في معرض الدفاع ” وأرست مبادئ العمل العسكري على أركان خمسة:الردع، الإنذار، الدفاع، الحسم، النصر.

ما يعني أن إسرائيل ومع تراجع تهديد الجيوش التقليدية التي تحيط بها (تعاقدا أو انشغالا) فأنها لا تسقط من حسابها عمل هجومي يشن عليها من منظمات المقاومة وعلى راسها حزب الله، لذلك ولأول مرة في استراتيجية معلنه تركز إسرائيل على الردع لمنع الهجوم كمبدأ أول ، وتبقى في المبادئ الأخرى ثغرات لم تشر الوثيقة بشكل واضح إلى كيفية معالجتها خاصة لجهة الدفاع عن الجبهة الداخلية بعد فشل القبة الحديدية ، ولم تشر إلى كيفية الحسم مع عدو لا يرتكز على قواعد ومراكز منظورة وثابته، وكيف لها أن تنهي الحرب وهي منتصرة بشروطها والعدو طور قدراته فوق ما تتصور. لذلك نرى أن المبادئ المعتمدة لمواجهة عدو لإسرائيل كحزب الله تبقى طموحا وتمنيات أكثر منها أسسا قابلة للتنفيذ والأعمال وتحقيق الإنجاز المطلوب.

و على مقلب أخر ورغم اهتمام الوثيقة بالعمل “بالذراع الطويلة ضد منظمات لا تشاركها الحدود الجغرافية ما يعني إيلاء أهمية معتبرة لسلاح الطيران ، ألا ا ن الوثيقة كما يبدو تركز على المناورة البرية دونما تفضيل لأي من سلاحيها المشاة أو المدرعات مع إنها عندما تحدثت عن العمليات في العمق ركزت على أهمية الوحدات الخاصة ، ما يعني و بشكل مجمل انه  و بترتيب الأسلحة في إسرائيل يأتي سلاح  البر ثم الجو ـ و في البر تتقدم المشاة ثم المدرعات و المدفعية في خدمتهما ، ما يعني أيضا أن حرب تموز 2006 فعلت فعلها في قلب العقيدة الإسرائيلية راسا على عتب فقدمت الأخير لتضعه أولا (المشاة ) في تراتبية الأهمية للأسلحة الإسرائيلية في الميدان .

و لا يخفى أن الوثيقة احتفظت بالكثير من عناصر العقيدة الإسرائيلية التقليدية أن لجهة التركيز على العلاقة مع جهة دولية فاعلة (الولايات المتحدة ) أو لجهة التركيز على التفوق النوعي العام و التفوق التكنولوجي أو فعالية القيادة و السيطرة المعتمدة ، لكنها هنا تأثرت جدا بتقرير فينو غراد الذي عاب على القيادة الإسرائيلية تراجعها أو تخلفها في الأبداع في وضع الخطط و المناورات لذلك لوحظ أن الاستراتيجية الجديدة أكدت على مركزية القرار ووحدة القيادة مع مرونة العمل الميداني و السماح للقادة الميدانيين بالمبادرة والارتجال  و هذه النقطة فيها من السلبيات ما قد يوزي ايجابياتها.

وفي تقييم عام نجد أن ما أعلن من عناصر الاستراتيجية الإسرائيلية يوحي بان إسرائيل لا زالت تحت وطأة ضغط هزيمة 2006، وأن ما تطرحه من استراتيجية جديدة يعوزه التماسك والفعالية ولا يرتقي إلى مستوى النظرية الأمنية الشاملة أو الاستراتيجية العسكرية الصلبة، خاصة وأن فيها من الثغرات ما لا يمكن توقع معالجته أو التغلب عليه في المدى القريب. فلا الحسم مقدورا عليه ولا النصر موثوق تحققه، ولا الدفاع وحماية الجبهة الداخلية ممكنة التحقق، أما الإشارة إلى المعارك بين الحروب فمن شانه أشعار الإسرائيليين بان دولتهم هي في حرب مستمرة ومعارك متواصلة وأن تباعدت فتراتها وليس من شأنه أن يحقق لديهم الطمأنينة المطلوبة.

  لذلك وبما أن إسرائيل ترى في حزب الله اليوم راس الأخطار عليها وتكاد استراتيجيتها الجديدة تركز في جزئها الأعظم على مواجهته فان خير رد على هذه الاستراتيجية جاء من وادي الحجير على لسان الأمين العام لحزب الله، حيث هدد إسرائيل ب “استراتيجية وادي الحجير ” أي استراتيجية مقبرة الدبابات ودفن الطموح الإسرائيلي ” واعلمها بانها عبثا تحاول فلا استراتيجية ناجعة بوجه المقاومة في لبنان ومحور المقاومة في الإقليم.

:::::

“الثورة”، دمشق