ماذا يعني انفجار لبنان إذا واقع؟

العميد د. أمين محمد حطيط 

منذ أن اندلع الحريق العربي في المنطقة كان سؤال يرتسم حول الوضع اللبناني وعما إذا كان لبنان سيلحق بذاك الحريق أو يبقى بمنأى عن لهيبه، ويبدو أن الخيار الذي اعتمده الجميع باتفاق أو تفاهم أو بالصدفة كان أن يعلق الشأن اللبناني. حتى إنجاز الشأن الإقليمي ورسوه على بر يستقر عليه، خيار اعتمده جميع المعنيين تقريبا كل لأسبابه ولكن كلهم تقريبا أبدو قناعة به وترجموه بمقولة ” الاستقرار في لبنان خط احمر ” مرفقة بمقولة ينكرها البعض رغم إنها حقيقة قائمة تتمثل بالقول بان ” على لبنان لمعاودة الحياة الطبيعية انتظار حل ملفات المنطقة،” مقولة كان من نتيجتها شغور مقعد رئيس الجمهورية وأقفال مجلس النواب وشل الحكومة، وملء مراكز عسكرية بالتمديد لشاغليها وترك مراكز أخرى عسكرية ومدنية خاوية شاغرة تنتظر.

لقد تم ربط لبنان بالمنطقة بهذه الصيغة السحرية “انتظار لا انفجار ” لأسباب ثلاثة:

 الأول عدم وجود حالة لبنانية استقلالية فعلية تحد من التدخل الخارجي فيه، تدخل تطور إلى الحد الذي بات معظم المتحركين على الساحة الداخلية ينتظرون أوامر مرجعيتهم في الخارج لاتخاذ موقف أو لنفض موقف كانوا التزموا به كما حصل مثلا في مسالة قياده الجيش وتراجع الحريري عن التزامه حيال العماد عون أو كما حصل مع رئاسة الجمهورية المعطلة انتخاباتها منذ اللحظة التي وضع فيها الوزير السعودي سعود الفيصل الفيتو على العماد عون المرشح الفعلي والمنطقي والطبيعي للمقعد حسب النظام الطائفي اللبناني.

أما السبب الثاني فيكمن في حاجة الأطراف إلى إبقاء ورقة لبنان في اليد لا ستعالها عند الحاجة أي عند الشروع بترتيب خريطة المنطقة ونظامها بعد الحريق الذي يلتهمها ،  سواء كان ترتيبا نتيجة نصر وهزيمة وعندها يكون لبنان من حصة الفريق المنتصر أو كان ترتيبا نتيجة تسوية وعندها يستعمل لبنان في عملية “تعديل الحصص “. أي في الحالين ليس من مصلحة الخارج حسم الملف اللبناني وإخراجه من دائرة التداول قبل الفراغ من ملفات المنطقة.

ويبقى السبب الثالث مرتبط بحاجة الأطراف الخارجية إلى موقع هادئ على شاطئ المتوسط يديرون منه الحريق العربي ويحركون عبره النار في سورية والعراق ويتخذونه مرصدا للأحداث في المنطقة أو منبرا للأعلام وإدارة الحرب النفسية أو متنفسا للمتصارعين.

هذه الأسباب هي التي جعلت لبنان “ينعم ” بحالة من الاستقرار النسبي رغم النيران العارضة أو المنتقلة التي كانت تندلع هنا وهناك، وهذا الواقع جعل مؤسسات الأمن والدفاع عن لبنان تتقدم عما سواها دورا وفعالية وجعل بعض العاملين عليها يتبوؤون مركز الصدارة والأهمية في الحياة العامة اللبنانية، مستفيدين من مقولة “الاستقرار اللبناني خط احمر “.

ولكن السؤال ومع تحرك الشارع اللبناني بما يثير هواجس تنقض ما سبق، واهتزاز الوضع الأمني في بعض المناطق خاصة في مخيم عين الحلوة بشكل يثير هواجس أخرى يعود السؤال مجددا هل انتهى عهد الوفاق الإقليمي والدولي حول استقرار لبنان والحاجة إلى استمراره؟

أن الجواب على السؤال مرتبط ببقاء الأسباب التي حملت على الاستقرار، يضاف اليها عناصر من طبيعة النظام الطائفي اللبناني العقيم، وعوامل أخرى متصلة يحنكه المسؤولين في لبنان أو بصيرتهم أو حمقهم. و على هذا الأساس و ربطا بالأسباب الخارجية نرى أن لا شيء تبدل في الإقليم حتى الآن  بشكل جوهري يجعل الأطراف الدوليين يتراجعون عن “مطلب استقرارا لبنان ” و نحن هنا نستطيع القول بان تراجع هذه الأطراف عن هذا الأمر يعني أن المنطقة دخلت في مرحلة الحل المستوجب تسخين الوضع اللبناني لإلحاقه بطبخة الحلول ، و رغم أننا نرى أن مرحلة الحرب الحاسمة سقطت و اسدل الستار عليها فأننا نرى أيضا بان مرحلة الحلول لم يفتح بابها  بعد فالمنطقة الآن في مرحلة انتقالية وظيفتها تهيئة البيئة للحل ، و هي مرحلة لا يمكن التكهن بمدتها و التي قد تمتد إلى اشهر تتجاوز السنة ، ما يعني أن استقرار لبنان خلالها سيبقى حاجة لأطراف الخارج.

أما الداخل و مع وجود بعض الرؤوس الحامية و قصار النظر و البصيرة ، فأننا لا نستبعد أقدام بعض المسؤولين على سلوكيات مستفزة تتجاوز روح الدستور و مفهوم الشراكة الوطنية فيه ، و تقدم على اتخاذ قرارات تلزم الفريق المتضرر بالتحرك للتصدي لها و لمنع إرساء امر واقع مناقض لمصالحه المباشرة و للمصلحة الوطنية بشكل عام ، ما يجبره على التحرك لوقف الانتهاك ، تحرك قد لا يرى  افضل  من الشارع ميدان له  و هنا يكون الأمر عرضة لاحتمال الاستغلال و التسرب بما ينذر بتسخين ما ، يثير معه مخاوف الانفجار الذي يراه البعض حاجة للخروج من واقع المراوحة و الشلل و التعطيل الحالي .

لذلك نرى ربطا بالأسباب الخارجية أن الانفجار اللبناني بعيد طالما أن الحلول في المنطقة بعيدة ولكنه أيضا غير مستبعد الوقوع في لحظة ما مرتبطة بسوء تصرف المسؤولين وكيدية البعض منهم وهنا وإذا حصل ذلك لا نرى أن يكون هذا الانفجار مدخلا لتسوية كما حصل في العام 2008، فظروف المنطقة ولبنان اختلفت بشكل شبه كلي، وموازين القوى تبدلت وما كان يحتمل التسوية سابقا بات لا يعالج بأقل من العودة إلى الأصل والجذور. وعليه نرى أن أي انفجار إذا وقع في لبنان ولم يتم احتواؤه بسرعه فانه يعني امرين معا:

1)    الأول أن زمن الحل في المنطقة اقترب وتقرر الحاق لبنان بالحريق ليكون جزءا من الحل،

2)   الثاني هوان تغيير في لبنان سيقع بعد أن بات حاجة يفرضها ارتباطه بصورة المنطقة الجديدة.

و عندما نتحدث عن هذه الصورة الجديدة المستقبلية لا نعني أنها ستكون افضل حتما  بل قد تكون  أسوأ اذا خرج  لبنان في نصيب  الفريق الاستعماري  جزءا من منطقة نفوذه أو فضائه الاستراتيجي و مستقبل يكون افضل  اذا  جاء  لبنان في حصة الفريق السيادي و عندها يمكن التحدث عن مشروع بناء الدولة ليكون  العلاج للداء السياسي اللبناني الممتثل بالفشل حتى الآن في إيجاد دولة والفشل في تحقيق استقلالها، والاكتفاء في بناء الكهوف الطائفية التي تمنع قيامها وتجعل من الناس عبيدا لأمراء الطوائف بدل أن يكونوا مواطنين أحرار متساويين في دولة حرة مستقل سيدة.

“البناء”