نشرنا في العدد 3917 من هذه النشرة بتاريخ 28 آب (أغسطس) 2015 مقالاً للرفيق عادل سمارة بعنوان: ” ناجي العلي: اغتاله تطبيع الطابور السادس الثقافي، عادل سمارة”. وننشر أدناه تعقيب د. عادل الأسطة على هذه المقالة ورد د.عادل سمارة عليه. كما يجد القارئ أدناه نص المقال موضوع الحوار.
■ ■ ■
تعقيب الصديق د. عادل الأسطة على مقالة د. عادل سمارة ” ناجي العلي: اغتاله تطبيع الطابور السادس الثقافي، عادل سمارة”.
اعيد نشر هذه المقالة لا لانني اوافق د.عادل بكل ما ورد فيها،وانما لابدي رايا.ان ما اورده د.عادل عن الحوار بين الفنان والشاعر كان شاكر النابلسي اورده في كتابه اكله الذئب،واما تهديد محمود لناجي باخراجه من لندن فلا يبتعد عن البلاغة العربية(قذفناهم بالحروف السمينة) وغالبا ما نكون خارجين من معطف عمر بن كلثوم،والمتنبي ومن شابههما،وكان اميل حبيبي قال في درويش وسميح انهما يبدوان عنيفين ويقتلان في شعرهما وهما غير قادرين على ذبح دجاجة،واجزم بهذا.
ان قراءة عميقة لدرويش (انجزت هذا الاحد الماضي في مقال نشرته في الايام الفلسطينية 23/8)تقول لنا ان محمود درويش ابعد من ان يطبع ،وانه في داخله كان ميالا للمقاومة ،والمقاومة العسكرية ايضا،وانصح د.عادل سمارة بقراءة مقالة محمود درويش (في تحرير الجنوب)2000،وقد وردت في كتابه (حيرة العائد) ،وتاريخ الشاعر يقول ما ورد في المقالة،وان كان في فترات عابرة يميل الى الحوار،وهذا الميل كان موجودا منذ 60ق20حين كان الشاعر عضوا في الحزب الشيوعي،وعموما فان دراسة درويش يجب ان تكون دراسة تعاقبية،ويعرف د.عادل عن اختلافي مع درويش ،وغضب الاخير مني بسبب دراسة نشرتها في مجلة كنعان.لا ادافع عن درويش ،وانما ابدي رايا كمتابع لكتاباته،وقد اكون مخطئا.
■ ■ ■
رد د. عادل سمارة على تعقيب د. عادل الأسطة
صباح الخير د. عادل الأسطة، والجميع. فأشكرك على الملاحظة. وعلى ملاحظاتك الحصيفة دائما، حتى التي لا توافقني عليها. لو أردت ما يدور في داخلي أو دخيلتي، أعتقد أن كثيرا من المطبعين في داخلهم رفض ما للتطبيع. لا أقول هذا تخميناً فمن تجربتي سمعت حتى من عملاء كيف يدور في داخلهم عرق وطني ما. لكن ليست هذه هي المشكلة. المشكلة أن محترفي التطبيع وخاصة من السياسيين يتكئون على أية قشة تخدم التطبيع ويجعلون منها عامودا يحمل الكون كما هو قرن الثور. من هنا، مشكلة محمود درويش نعم في إرث التطبيع الشيوعي التحريفي الذي بقي أحد مكوناته السياسية وهو الإرث الذي لم يعتذر عنه أحفاد ها التيار حتى اليوم، ولا أدري لماذا! وفي اعتقادي لأن محمود فشل في فهم الماركسية-اللينينية كما حصل مع قيادة ذلك الحزب. كما أن محمود تورط في علاقته الرضيعة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية فتقاطع موقف التحريفية مع موقف الكمبرادور من القضية الوطنية لتنتج محمود المتأرجح بين فلسطينيته وبين التعاقد مع العدو ولكي تخدمه كثيرا قدرته او موهبته الفنية وخاصة في اللغة ربما أكثر من الصورة. وما اشرت له أنا في مقالتي قيد النقاش واضح في قوله باستعداد الفلسطينيين للاعتراف بالكيان وهو ما ختمه بالمجيءى مع فريق أوسلو-ستان. يا صديقي القديم المتجدد، نصف ذلك بالتطبيع او الاعتراف أو الاستقواء بالضعف…الخ لندع هذا للناس، ولكن علينا عرضه على الناس وهذا ما قصدته من مقالتي، وليس أن محمود قاتل او مطلق للنار. وآمل أن يقرأ القارىء نقدي لمحمود وغيره على أرضية ما أزعم انني نذرت نفسي له وهو قول الحقيقة للجماهير كما وضعها لينين وليس كما يزعم صغار القوم بأنني “أغار” من هذا أو ذلك. بخصوص شاكر النابلسي، قرأت ما كتب، ولكنه يكتب في ناح وأنا في ناح نقيض له بالمطلق.
■ ■ ■
ناجي العلي: اغتاله تطبيع الطابور السادس الثقافي
عادل سمارة
نعم يجب التذكير بجريمة التطبيع المبكرة، حين كان التطبيع يؤسس لنفسه طابورا ثقافيا سادسا. وجوب التذكير كي ينطبق على ناجي ما قاله شوقي في إعدام عمر المختار بطل المقاومة الليبية:
ركزوا رفاتك في الرمال لواءَ….يستنهض الوادي صباح مساء
يا ويحهم نصبوا منارا من دم…يوحي إلى جيل الغد البغضاءَ
أتردد أحياناً في الكتابة عن ناجي، وأحيانا أجد ذلك حقا له ولمن يقفون في خندق المقاومة أحياء وشهداء أحياء لأن التطبيع يأكل أحشاء الوطن من المحيط إلى الخليج.
أورد هنا ما أورده الصديق بسام أبو غزالة:
((هذه مقتطفات من حوار هاتفي جرى بين “ناجي العلي” أثناء وجوده في العاصمة البريطانية، و”محمود درويش” المقيم آنذاك في باريس، وقد روى العلي ملخص الحوار مع درويش في حوار نشرته مجلة الأزمنة العربية (عدد 170 /1986/ ص14) وجاء هذا الحوار عقب رسم كاريكاتيري للعلي انتقد فيه درويش الذي دعا إلى مد الجسور مع اليسار الإسرائيلي:
درويش : شو بشوفك مستلمنا هاليومين يا ناجي… حاطط دبساتك على طحيناتنا.. شو في؟
العلي : يا عمي ما تزعل مني.. هاي الشغلة مش ضدك شخصيًا.. أنا ما في بيني وبينك إلا كل خير ومحبة.. وانت عارف؟
درويش : لا .. أنا زعلان بجد.. ليش كل اللي رسمته وكتبته ما بخليني أزعل؟
العلي : يا محمود إنت إلك حق تزعل.. لو أني ما تعرضت إلك وأهملتك.. مثل ما بهمل دائمًا الساقطين.. أنا انتقدتك لأنك مهم لشعبك، وأنت لازم تفرح.. مش تزعل؟
درويش : (بغضب مكتوم): مش أنت اللي بصنفني مهم ولا لأ.
وبعد حوار تأرجح بين الغضب والنقد.
قال العلي: يا عمي انتو بتقولوا بمد الجسور مع اليسار الإسرائيلي.. مدو زي ما بدكوا… بركي الجسور بتقيدكم مستقبلاً.. أما أنا وجماعتي فلا.. إحنا يا عمي إلنا جسورنا..جسورنا إحنا مع الناس المشردة.. ممدودة بخط واحد ما في غيره.. من باب المخيم لباب الحرم.. مع أهلنا في الداخل.. هاي جسورنا وما بنعرف غيرها.. وإحنا بننتقد كل واحد بيحكي هالحكي..
درويش (مهددًا): آه.. بس انت مش قدي يا ناجي.
العلي (مستعبطًا): شو يعني .. مش فاهم.. الشغلة صارت شغلة قدود.. قدك وقد غيرك.. والله أنا لما برسم ما بحسب قد لحدا.. وأنت عارف يا محمود؟
ثم بعد وصلة حوار تهديد من درويش واستعباط من العلي
قال درويش: هلا مش وقت المزح.. بدي ياك تفهم يا ناجي منيح اليوم.. إني أنا محمود درويش.. إللي قادر يخرجك من لندن في أية لحظة.
العلي: (ساخرًا بمرارة وحزن):
أووف… والله هاي جديدة يا زلمة.. بالله عليك بتعملها يا محمود؟ وشو هالسلطات اللي صارت عندك.. والله أبو رسول (الاسم الحركي لمدير المخابرات الأردنية الأسبق محمد رسول الكيلاني) بزمانه ما قال هالحكي.. ولا صلاح نصر قبله (..) على كل حال انتو يا عمي السلطة.. انتو الدولة والشيلة (..) هاي مش أول مرة بتصير ولا آخر مرة.. مش عملتوها قبل سنتين في الكويت وخرجتوني؟ وقبلها قال الختيار (الاسم الذي يطلق على ياسر عرفات من قبل أنصاره) قائدك وصديقك في ثانوية عبد الله السالم في الكويت في الـ 75 أنو راح يحط أصابعي في الأسيد إن ما سكتت.. بعدين هالشغلة صارت مش فارقة معي هالخد صار معود عاللطم.))
الحديث نعم، صحيح ما كتبه الصديق بسام ابو غزالة، نقلا عن مجلة الأزمنة العربية التي كان يصدرها الرفيق الراحل غانم غباش وهو من الإمارات.حبذا لو يتوفر لديك يا بسام العدد والتاريخ. كنت أكتب فيها لُماماً، وكنت هناك، وهناك تفاصيلاً اسوأ، ولذا أعتبر ان درويش كان ممن تسببوا في الاغتيال، ليس بيده ولا بقرار منه طبعا.
يكفي أن اذكر ان درويش كان قد أعطى مقابلة للصحفي الصهيوني “اليساري” حاييم هنجفي من جناح حركة “متسبين-تل ابيب قبل ان يصبح لبراليا (بمعاييرهم) والمقابلة لصالح جريدة ” يديعوت أحرونوت” العبرية. وقال محمود ان الشعب الفلسطيني جاهز للاعتراف ب “إسرائيل”. حينها ترجمت مجلة سعودية كانت تصدر في لندن هي مجلة “المجلة” وكان يرأس تحريرها صالح القلاب (كان بعثيا أُعتقل عام 1965 حينما ضربت المخابرات الأردنية القوميين العرب والبعثيين”. وبالمناسبة، هذه الأيام ذكرى اغتيال الرفيق أبو علي مصطفى الذي كان معنا في تلك الحملة من الاعتقال. القلاب نشر مقابلة درويش كاملة وبالطبع موافقا عليها.
حينها جرى استقطاب واسع، عرب معنا وعرب مع درويش وفلسطينيون معنا وفلسطينيون مع درويش والتطبيع. كان من فرسان التطبيع الراحل إميل حبيبي، للتوثيق يمكن الرجوع إلى أعداد فلسطين الثورة (مجلة منظمة التحرير الفلسطينية) ومجلة اليوم السابع التي كان يرأس تحريرها بلال الحسن ، وجريدة الاتحاد الناطقة باسم الحزب الشيوعي الإسرائيلي التي كان يراس تحريرها إميل حبيبي. هذه المجلات الثلاث كانت تهاجمنا وخاصة ضد ناجي ولصالح محمود درويش والتطبيع. وكان رجاء النقاش من مصر يكتب في ملحق الجمهورية (إن لم أكن ناسيا) يدافع عن درويش. كان محمد الأسعد يكتب معنا طبعا وكذلك باسم سرحان. كانت معركة واسعة انتهت باغتيال ناجي العلي. لا ينتصر التطبيع دائما، لكنه لحظتها انتصر. وتم طمس دم ناجي بتواطؤ السلطات الإمبريالية البريطانية صاحبة أكذوبة المغنا كارتا وأول برلمان…الخ. أما مطلق الرصاصة على ناجي فيُقال بانه في رام الله!
كان ناجي يرسم في جريدة القبس الكويتية قبل ان تتحول إلى جارية لدى حاكم الكويت المحتل وقبل ان تصبح قاعدة ضد العراق وكنت أكتب انا في جريدة العرب التي كنت أثناء دراستي محررها الاقتصادي. (مثلا، مقالة مع القومية وضد إميل حبيبي، جريدة العرب، لندن، 31 تموز 1987، و كامب حيفا للتطبيع في جريدة العرب ، لندن 13 آب 1987).
كل ذلك كان ما بين أيار ويوم الأربعاء 22 تموز يوم اغتيال ناجي الذي بقي على ماكينة التنفس الاصطناعي 38 يوما.
يا لسخرية الأقدار، هذه الأيام يقوم التكفيريون بتخريب مخيم عين الحلوة لصالح التطبيع التركي القطري لشطب حق العودة. كانت وصية ناجي أن يُدفن في مخيم عين الحلوة كأقرب مكان لفلسطين. نعم وصيته لأنه كان على يقين بانه سوف يُغتال (وقد ذكرت هذا في سؤال حامض سابقا). أُجبر جثمان ناجي على أن يبقى في بريطانيا وأن يُدنَّس بوضعه بجوار مقبرة قتلى جنود الإمبريالية في الحرب العالمية الثانية. (خريطة المقبرة لدي) ومكان ضريح ناجي).
يكتب غيري وأكتب أنا حفرا في الذاكرة والوعي الحي الممتد لأن التطبيع يداهم الوطن الكبير بالاغتيال من صنعاء لبغداد فدمشق فطرابلس الغرب فالقاهرة فالخرطوم إلى الصومال.