خلفيات التصعيد في العدوان على سورية …ودلالاته؟

العميد د. أمين محمد حطيط 

مع الحراك الدولي الجاد الذي تقوده موسكو بحثا عن مخرج ملائم من الأزمة السورية سجل بشكل واضح تصعيد أميركي متعدد الأشكال، تصعيد تمارسه بنفسها مباشرة أو تامر به اتباعها الذين كلفتهم بمهام عدوانية في الميدان السوري.

وعلى الاتجاهين سجلت عودة الخطاب الأميركي إلى النقطة التي كان عليها منذ بدء العدوان، بطرح موضوع الرئاسة السورية وشرعية الرئيس وموقعه في الحل السياسي المبتغى، كما ظهر انحياز واضح للمبعوث الدولي دي مستورا في مساعيه المزعومة لإيجاد مخرج من الأزمة، انحياز يذكر بسلوك سلفه الأخضر الإبراهيمي الذي كان يظهر وكممثل للعدوان ناطق باسم الجماعات الإرهابية العاملة ضد الدولة السورية، ما جعله يخرج من المشهد بعد أن أسقط نفسه بانحيازه.

ترافق ذلك مع تسعير ناري في الميدان بإشعال أكثر من جبهة مع عمليات إجرام وقتل وكذلك مع أفشال لمبادرات موضعية كادت أن تغلق بعض الملفات التي باتت بحكم المحسومة عسكريا كالزبداني مثلا.

لقد ظهر التصعيد العدواني ضد سورية على المسارين العسكري والسياسي معا، تصعيد بدأ بالموقف الأميركي من الرئيس الأسد متجاوزا الثوابت التي تحكم أي حل أو مبادرة لحل وفقا لما حدده الرئيس مؤخرا عندما اشترط للقبول باي مبادر أن تراعي وحدة سورية وقرار الشعب السوري في اختيار سلطته ومن يشغلها وبالتالي فان أميركا عندما تتجاوز في طرحها هذه الضوابط تعلم جيدا أن ما تطرحه لن يبصر النور على ارض الواقع لأنه مرفوض من الحكومة السورية أولا ولأنها عاجزة عن فرضه في الميدان ثانيا.

أما عن اقتراح أو وثيقة دي مستورا للحل فان صاحبها الذي يناور للعودة فيها بشكل ملتوي إلى التفسير الأميركي لبيان جنيف واحد ومفهوم الانتقال السلمي للسلطة ولطبيعة ووظيفة الحكومة الانتقالية الكاملة الصلاحية، فانه يعلم أيضا أن تمريرها مستحيل فلا الحكومة السورية الشرعية تقبل بالخديعة ولا الجماعات الإرهابية التي تستند اليها قيادة العدوان قادرة على فرضها بالنار.

 أما على صعيد المواجهات   الميدانية  فقد سجل و للمرة الثانية أفشال هدنة الزبداني التي لهث وراءها المسلحون و قبل بها الجيش العربي السوري و مجاهدو المقاومة اللبنانية لحجب دماء و خسائر يمكن حجبها مع  تثبيت الإنجاز العسكري الاستراتيجي العام الذي تحقق في الزبداني ، أفشلت الهدنة  رغم يقين الجميع بان المعركة هناك  تعتبر عسكريا بحكم المنتهية و أن ما تبقى لا يعدو كونه عملا لتبيت النتائج  و  منع إعادة تشكل الخلايا الإرهابية فيها باستكمال التطهير و إرساء منظومة مانعة لأي خرق لاحق ، ورغم هذا اليقين تم  أفشال الهدنة و انفجر المسلحون بجنون ترجموه عمليات انتحارية و قصف عشوائي أجرامي استهدف اكثر من منطقة خاصة في المدن الكبرى مثل  دمشق و حماه و حمص و حلب .

و مع هذا السلوك يرتسم السؤال عن سبب التصعيد هذا  ، و خلفية عرقلة أي مسعى يمكن أن يستجيب للمنطق في البحث عن مخارج أو حلحلة للتعقيدات التي تحكم المسار ، نقول هذا دون أن ننسى التطور الأخير في الموقف التركي الذي يمكن أن يصنف أيضا في خانة التصعيد العدواني  على وجهيه سواء لجهة فتح القواعد الأميركية لاستعمالها  من قبال الطائرات الأميركية في طلعاتها المزعومة ضد داعش ، أو اشتراك الطيران التركي ذاته في استهداف مزعوم لهذا التنظيم الإرهابي الذي طالما رعته تركيا  و مدته بأسباب و وسائل الأجرام  على الأرض السورية . فلما هذا التصعيد وما هي خلفياته ودلالاته؟

أن التفسير المنطقي والموضوعي للتصعيد العدواني الذي نتحدث عنه مرتبط برأينا بملفات قيد المعالجة، كما انه مرتبط بطبيعة المرحلة التي وصل الهيا العدوان على سورية، كما انه مرتبط بشكل أو باخر ببعض المسائل الداخلية التي تعني هذا المكون أو ذاك من مكونات العدوان كالتالي:

1)  الملف النووي الإيراني ومعالجته في الكونغرس. يناقش الكونغرس الأميركي الاتفاق حول الملف النووي الإيراني تمهيدا لاتخاذ موقف بالرفض أو القبول، ورغم أن أوباما مطمئن إلى مصير الاتفاق في الحالتين ومطمئن إلى قدرته على وضعه موضوع التنفيذ فإذا رفضه الكونغرس اليوم فبإمكانه ممارسة حق الفيتو على الرفض وإعادة الأمر إلى الكونغرس ليفرض عليه أكثرية موصوفة من اجل تأكيد الرفض وهي أكثرية لا يمتلكها مناهضو الاتفاق.  ومع ذلك فان أوباما يود ألا يصل إلى هذا الوضع ويرغب بتمرير سلس للاتفاق ومن أول مرة لذلك نراه يتودد لجماعات الضغط الصهيونية ويتشدد في الخطاب ضد إيران وسورية لكسب ود أو طمأنينة المناهضين.

2)  الانتخابات التركية. اختار اردغان الانتخابات المبكرة بعد فشله في الانتخابات الأخيرة، ممنيا النفس باستعادة الأكثرية التي تمكنه من الحكم المنفرد، وهي الأكثرية التي يفسر الكثير من المراقبين خسارتها بسبب إخفاق اردغان في سورية. لذا يحاول الأخير تعويض خسارته في الميدان السوري لقطف النجاح في صناديق الاقتراع ولذلك التصق أكثر بالعجلة الأميركية وأفشل أي مبادرة تبعد إرهابيه عن محيط دمشق ويستميت في تحقيق أي إنجاز لصالحه في سورية.

3)  المأزق السعودي والخسارة المتدرجة للأرواق في سورية بعد خسارتها في العراق وعدم اليقين بالربح في اليمن خلافا لما يظن البسطاء والسطحيين، وتعتبر التطورات الحالية في الميدان السوري بمثابة قطع اليد السعودية في سورية خاصة عندما تفتح معركة الغوطة وتطهر المنطقة من جماعات زهران علوش السعودي التبعية بعد الفراغ النهائي من الزبداني ومحيطه.

4)  طبيعة المرحلة الانتقالية التي تسبق عادة مرحلة الحل. وقد كان وضاحا الرئيس الأسد عندما قال مؤخرا “أننا في مرحلة ما قبل الربع الساعة الأخيرة التي يمكن أن يجري فيها الحل”، وفي هذه المرحلة بالذات تكون المواجهات محكومة عادة بالتصعيد الأقصى لتضخيم الأوراق التي في اليد ولتحجيم أوراق الخصم وهذا ما يحصل حاليا بدءا من أثارة موضوع الرئيس وصول إلى القصف الإجرامي للأحياء الأهلة.

وعليه نرى أن الفترة المتبقية التي تفصلنا عن مرحلة الحل وعن البت بهذه الملفات الأميركية والتركية ستكون فترة يحتاجها فرقاء العدوان للتصعيد المتعدد الأشكال للضغط على سورية لانتزاع ورقة أو لحجب خسارة أو للأشغال عن عمل من اجل تمرير أخر.

:::::

“الثورة”، دمشق