تســوُّل الأوطـان!

ثريا عاصي

أياً كانت الزاوية التي ننظر منها إلى الأوضاع في بلادنا، يظهر لنا مدى تعقيداتها، كأنّ الناس والحكومات العربية أمضوا الخمسين سنة الأخيرة يتنابذون فيما بينهم ويخرّبون دولهم، لعلّ انطلاق موجات المهاجرين من هذه البلاد دليل على تردّي ظروف العيش فيها. لقد كتبت في مقال سابق أنّ عدد المهاجرين من البلاد التي كانت مستعمرة سابقاً، هو في تزايد مطرد، وأنّ كثيرين منهم يتوجهون إلى البلاد التي كانت دولها تستعمرهم، ويطلبون التجنّس بجنسيتها، رغم أنّ النضال من أجل الاستقلال كان في بعض البلاد طويلاً ومريراً، بذل أثناءه الأجداد والجدات والأباء والأمهات تضحيات عظيمة.
أعترف بأنّ هذا الموضوع يُحيّرني فضلاً عن أنه يهمّني جداً في هذه الأوقات بالذات، حيث نصل جميعاً، نحن الذين كنا نتصور أنّ بناء الأوطان التي ولدنا فيها، والمحافظة عليها، هما من الأمور المقدور عليها، نصل جميعاً إلى مفترق طرق، وأكبر الظن أننا سنفترق، أي أننا لن نأخذ نفس الطريق ولن نسير في نفس الاتجاه.
كيف نلتقي بعد خمس وثلاثين سنة من «الجهاد في سبيل الله» تارة ومن حروب الردّة تارة أخرى، تحت قيادة الولايات المتحدة الأميركية التي تغرف من نفط آل سعود، ومن خزائن أموالهم وبمباركة جامعة الدول العربية التي تحولت منذ 1991 إلى محكمة تفتيش تنطق بأحكام «الحرمان والفصل عن الجماعة»!. ففي فترة تسلم المرحوم عصمت عبد المجيد لأمانة الجامعة العربية، فُصل العراق، ثم أُحرق، وأثناء أمانة السيد عمرو موسى، طُرِدت ليبيا، ثُم دُمِّرت ووقع اغتيال معمر القذافي، كما توقع هو نفسه ذلك، بعد إعدام السيد صدام حسين شنقاً في صبيحة عيد الأضحى. وأخيرا جاء دور السيد نبيل العربي أميناً عامّاً، فأسلم الجامعة إلى حاكم قطري الذي أمر «النعاج» بأن تنبذ الجمهورية العربية السورية. لم يكتف بهذا فحسب، وإنما اصطحب الأمين العام إلى مجلس الأمن في طلب قرار تحت الفصل السابع، تتوكّل بموجبه الولايات المتحدة الاميركية بمهاجمة سوريا ومحوها من الوجود.
ليس مستغرباً بعد هذا كله أن تصير الجنسيات التي نحملها، والأوطان التي ننتمي إليها جميعها منتهية الصلاحية.
أكتفي بما تقدّم عن موضوع يحتاج بالقطع إلى مزيد من البحث، ولكنّي على يقين من أنّ ذلك ليس له في الراهن فائدة عملية، إذا أخذنا بالحسبان ما يجري في سوريا، التي تنكّر لها جزء من السوريين وجلّ العرب، فانساقوا وراء فتاوى آل سعود الذين شرّعوا لهم معاونة الإمبريالية الأميركية ـ الأوروبية، فيفوزون فوزاً عظيماً!
ما أودّ الإشارة إليه أيضاً في موضوع تلاشي الجنسيات في بلادنا، هو أنّ جزءاً من الفلسطينيين تجنّسوا كما هو معروف، في ظروف، لن آتي على ذكرها هنا، بالجنسية الإسرائيلية؛ أي بجنسية المستعمر الاستيطاني، رغم أنّ هذا الأخير يرفض الاعتراف للفلسطينيّين بديمومة هذه الجنسية، عن طريق مشروع «الدولة اليهودية» (العنصرية) بقصد استبدال الجنسية الإسرائيلية بـ«الجنسية اليهودية».
تأسيساً عليه فالرأي عندي أنّ الفلسطينيين لديهم فرصة ربما تكون الأخيرة، في مقاومة الاستعمار الإسرائيلي الاستيطاني، تتمثّل بالنضال في داخل المجتمع الإسرائيلي من أجل الدفاع عن حقهم في الحفاظ عن جنسيّتهم الإسرائيلية.
عندما نقول المجتمع الإسرائيلي فإن ذلك يعني أنّه يجب طرح مسألة جنسيتهم الإسرائيلية في إسرائيل نفسها، في الأوساط الإسرائيلية، وعلى الصعيد الدولي، فإمّا أن تعترف «الدولة الإسرائيلية» بحقوقهم كمواطنين عاديين، وأما أن تكشف عن وجهها الحقيقي بما هي دولة التمييز العنصري في هذا العالم، فتفضح بالمناسبة، أصدقاءها في أميركا وأوروبا، الذين يلقِّنوننا كل يوم درساً في حقوق الإنسان وفي الديمقراطية.

:::::

“الديار”، بيروت

http://www.addiyar.com/