اللغة الاستعمارية في حوار السيد عليان القرناوي

“أنَّى للتابع أن يتكلم”

 

ناهد اشقر شراري*

في البرنامج الصباحي المقدم على القناة الإسرائيلية العاشرة “הבוקר עם אורלי וגיא” (الصباح مع اورلي وجاي).  حاورا مقدمي البرنامج السيد عليان القرناوي رئيس كلية “אחווה- اخوة” حول الحادثة المأساوية في محطة باصات مدينة بئر السبع.

بادئته المقدمة بالسؤال:

·          كيف ينظر بشكل شخصي لهذا الحادث التخريبي؟

·          فأجابها بانه يشارك الفاقدين حزنهم ويستنكر هذا الحادث…الخ. ثم أكمل

مستخدما مفردات من الخطاب الاستعماري  مثل”מגזר” وهي مفردة يُقصد بها بأن البدو هم فئة من فئات المجتمع الواحد. وتابع بأن الحادثة كانت صادمة للبدو “הלם, תדהמה למגזר הבדוי”  ووجه الشكر ل- “ממ”ז יורם לוי” (قائد الشرطة) ومجمل الشرطة الإسرائيلية.

كما  تحدث عن التعايش بين العرب واليهود، على  انهم يجلسون ويأكلون معاً في الجامعة و في مستشفى سوروكا…الخ. وأسهب السيد القرناوي مستخدما خطاب التقرُّب المألوف من المستًعمًر إلى المستعمِرْ. بقوله: “ان القلق والألم واحد لنا وللشعب اليهودي”.

لقد حرص السيد عليان على محاورة الخطاب الإسرائيلي بشكل يتلاءم مع ما تستدعيه  الروح الاستعمارية، بحيث ان  أحد اهداف الاستعمار هو خلق خطاب يخدم مصالحه الاستعمارية وخاصة إلغاء الاخر-السكان الاصلانيين لهذه البلاد واتهامهم بالهمجية.  هذا الخطاب الذي اسس لنقده فرانز فانون حيث ركَّز على دور المستعمِر في اجتثاث ثقافة المستعمًر لإيصاله إلى استدخال خطاب السيد ومن ثم طبعا الانتهاء إلى استدخال الهزيمة.

و لكن،  رغم حرص السيد القرناوي على التمسك بقواعد اللعبة أي ما يريد السيد من التابع أن يقوم به بدقة، إلا أن المستعمر قام باستفزازه بشكل مسيىء مجددا  .  لأن هذا ما يجيد ممارسته بامتياز، حيث تقيد السيد عليّان بأماني المستعمِر الذي وضع سلفا بالطبع أحكام الجلسة والموضوع.

شعرت أولا بالهدوء عندما شارك القرناوي الفاقدين حزنهم ذلك لأننا نرفض كل شكل من اشكال القمع، وهذا من اخلاقنا الاصيلة.

ولكن بعد ذلك، حاولتُ جاهدة التعاطف مع السيد عليان باحثة عن وجود  ولو حرفا تحرريا واحدا في حديثه،  لكنني لم أجد.

هنا أتوجه للسيد القرناوي نفسه بما يلي:

منذ  بداية إجابتك على اقوال المذيعة، لم تدحض اقوالها بأن العملية عملية تخريبية، بل أكملت على نفس المنوال قائلاً: “… بالرغم من أن والد الشاب شجب  قيام ابنه بعملية تخريبية” وأنا اقول هنا: وماذا عساه أن يقول في مناخ استعماري هائل؟. ثم أكملت وأخطأت مرتين في تعريف المجتمع البدوي:

الأولى:  على ان البدو “מגזר” وهذه كلمة عنصرية بحتة أي ذوبت شخصيتهم وثقافتهم وألحقتهما بثقافة المستعمِر!.

.والثانية: قولك انهم يعانون من “הלם، תדהמה למגזר הבדוי”صدمة وتعجب للبدو-  فكيف توصلت الى هذه النتيجة بدون ان تسأل اصحاب الشأن، وبلغة اكاديمية: كيف تستطيع الاستنتاج هكذا، دون القيام ببحث علمي؟

ثم اكملت بأن القلق والألم للشعبين واحد، وكأن المجتمع البدوي يعيش في رخاء دائم, ولا يعاني الامرين من هذا الاستعمار ولا يهجَّر كل يوم من جديد.

 وهنا، أود ان اسألك:  كيف يعاني السكان الاصلانيون والمستعمَرون قلقاً وألماً واحداً؟ الا ترى في قولك هنا اجحافاً بحق المستعمَرين ؟

لسنا جميعا امام  نفس الامتحان وبنفس النسبة والدور كما ادعيت، وان كنا كذلك فانه امتحان غير متكافئ، ومن أكثر منك دراية بهذا ولك ضلع طويل في الأبحاث الاجتماعية. ولسنا جميعا امام الخوف نفسه، وقد أصبح الخوف ظلا لنا.

اريد ان اسالك أي تعايش الذي تقصده في الجامعات والكليات؟  كيف لا ترى التناقض الصارخ في الحرم الأكاديمي الذي يبدأ بالشارع المؤدي للمؤسسة الاكاديمية ناهيك عن اضطهاد وتهجير ثقافتنا وفكرنا منذ الولادة. متى نأكل ونشرب مع بعض في مستشفى سوروكا؟ الم تسأل نفسك لربما هو ألم أكبر ذلك الذي جمع الأعداء في سوروكا.

لقد تحدثت بلغة استعمارية محضة.  توقعت منك إنتاج أو استخدام خطاب تحرري! وأنت تعلم أن: ليس سقوط المعلم كسقوط تلميذه. توقعت ان تضع ازمة سكان النقب الأصليين في مقدمة حديثك، اي ان لا تأخذك الرهبة فيسيطر عليك سؤال المذيعة! وحتى لو ان البعض سيعارضني ويقول ليس في هذا السياق.

 لكن لماذا لم تستغل الاعلام المدوي في هذه المرحلة وتنطق بكلمتين، تثيران الشك في القلب المتلهف لموقف مناسب منك.

خطابك اربكني وارجعني الى أيام دراستي الأولى حين كنت أقرا في مقالاتك عن المرأة العربية المهمشة والضعيفة. حينها لم أكن ادري ان هذا هو نوع من أنواع التهجير الثقافي واللغوي الذي يستعمله الغرب ضدنا،  أو إن شئت إعادة هندستنا  Re-engineering فكريا وثقافيا ومن ثم سلوكا كما يرى ويريد.، بل إيلاج خطابه فينا.

وهنا اعترف ان هذا الخطاب الاستعماري ضلَّلني كثيرا كامرأة وانسانة.

في حوارك لم يكن المستعمر بحاجة الى وسائل تدافع عن حضوره، انما هو احس بعدم حضورك. لكن فطرة الحق الذي فطر الله عليها الخلق تحركت بداخله واراد ايقاظك بصدمة المتكبِّر منه لك…. ولكن كيف للتابع أن يتكلم؟

نعم كيف للتابع أن يتكلم؟ لقد قدم السيد יעקב פרי ראש השב”כ לשעבר (السيد يعقوب رئيس المخابرات سابقا), المساعدة  لك ولمجتمعنا، كما يقدمونها دائما،  حينما وضع بوضوح تلك الدقائق معاناة وتهجير بدو النقب المستديمة, فالشكر واكبر الشكر له.

*  عاملة اجتماعية ومركزة اكاديمية في كلية “شنكار- رمات جان”، فلسطين المحتلة 1948