كلُّن يعني كلُّن ؟؟!

ثريا عاصي

الإثنين 26 تشرين أول 2015، تناقلت وسائل الإعلام أخباراً مفادها أنّ شاباً من آل سعود (لقبه أمير، 29 عاماً) أُوقف وعدد من معاونيه في مطار بيروت بتهمة محاولة تهريب 2000 كيلوغرام من أقراص الكابتاغون إلى بلاد نجد والحجاز، التي يحكمها آل سعود . يبدو أنّه استأجر لهذه الغاية طائرة خاصة.
صار من «المعروف عالمياً» أنّ الكابتاغون هو «مخدِّر الجهاديين»، فهو مركّب مادة تُسبِّب هياج وإثارة (أمفيتامين)، تُعطِّل الإحساس الذاتي بالألم، بالإضافة إلى عدم الإحساس بألم الآخر، إلى جانب التباهي بالنفس والشعور بالنشوة من خلال عدوانية تجعل المعتدي يتوهّم أنه يمتلك قدرة مادية ونفسانية لا تُقهر !
ليس بالضرورة، من الناحية النظرية، أن نفترض وجود علاقة تربط بين الشاب المهرِّب وبين نَسَبه إلى آل سعود. ولكن ما تُظهره، في الواقع، قضية هذا الشاب الأمير هو وجود علاقة فعليّة بينه من جهة، وبين نظام آل سعود السياسي، من جهةٍ ثانية. الذي يبدو أنّ خيوطه تتمدّد، ربما أن قوى خارجية تحاول إيصالها، إلى أنحاء كثيرة في المنطقة العربية. إنّ ما يبرّر لنا استخراج هذه الخلاصة هو كون المتّهم، بحسب وسائل الإعلام، يحمل جواز سفر دبلوماسي، فضلاً عن أنّ البضاعة المُهرّبة وُضِّبت في طرود ممهورة باسم «سموّ الأمير» .
بكلام واضح وصريح، يحق لنا أن نظن، حتى إثبات العكس، بأنّ محاولة تهريب الكابتاغون كانت تجري تحت غطاء دبلوماسي وعائلي، ورسمي سعودي. يؤكد ذلك، استناداً إلى المعلومات التي نُشرت في الصحافة، نشاط محموم قامت به ممثليّة آل سعود في بيروت، بالإضافة إلى البرقيات التي وردت إلى بيروت من وزراء آل سعود. اللافت للنظر، وما يبعث في آنٍ على الدهشة، هو أنّ وزراء لبنانيين، حاليّين وسابقين، ورؤساء وزراء سابقين، يبدو أنهم تجنّدوا بدورهم، أو جُنّدوا، جهاراً نهاراً، من أجل تخليص «سموّ الأمير الشاب» من الورطة التي وقع فيها. هذا يمثّل من وجهة نظري دليلاً إضافياً، بعد فضيحة التوقّف عن جمع النفايات، على أنّ الدولة في لبنان هي في أغلب الظن متوفاة منذ وقتٍ قد يصعب تحديده. بالتالي فمن المرجّح أنّ المعنيين يتكتّمون على الحقيقة. من هم المعنيّون؟ أكتفي بالقول إنّهم أمراء الحرب الذين استولوا على السلطة، أو بالأحرى اغتصبوها!
من المحتمل أن تكون ميلودراما مطار بيروت، التي كان بطلها أمس «سمو الأمير الشاب»، هي الفصل النهائي في حكايتنا نحن في لبنان . من البديهي أنّ هذا الفصل له مكانه في سيرة آل سعود أيضاً، ولكن هذا لا يعنيني في الواقع إلا من زاوية فيضان هذه السيرة على لبنان . بمعنى آخر، ما أودّ قوله في هذا المجال هو أنّ المنطق يُجبرنا على النظر في فرضيات، منها على سبيل المثال، فرضية تقول إنّ «سمو الأمير الشاب» ليس مهرِّباً، ولكنه مُكلّف بنقل أقراص المخدِّر، لا سيّما أنّ الكميات كبيرة، إلى جبهات القتال! أي بمعرفة الذين، وبالتالي بتغطية منهم، يدعمون «الجهاديين» على هذه الجبهات . وفي هذا السياق، لا يجوز أن نُسقط من حساباتنا فرضية أنّ آل سعود، الذين يتوكّل أمراؤهم، بنقل طنّين من الكابتاغون، يُقال إنّ ثمن هذه الكمية يتجاوز 100 مليون دولار، في طائرات خاصة، إنما يتصرفون جزافاً !
من البديهي أن يتساءل المراقب في ما يتعلّق بالموضوع الذي نحن بصدده في هذا البحث، عن المصدر الذي أنتج أقراص الكابتاغون لحساب «سموّ الأمير». من أين جاءت؟ وعن الجهة التي كانت تنتظر البضاعة أيضاً. إلى أين وإلى من؟؟. هل المملكة هي المحطة النهائية؟
يبقى في الواقع سؤال جوهري لا مفرّ من الإجابة عليه، إذا ثبت طبعاً أنّ وزراءَ ومسؤولين في لبنان، يحاولون إعفاء المُتّهم، «صاحب السموّ الملكي»، من المثول أمام القضاء المختص بقصد تبرئته من جهة، ورفع المعوقات التي تعترض إتمام الصفقة التي كان الأمير الشاب مولجاً بها، من جهةٍ ثانية. هذا السؤال هو ما الفرق، إذا استثنينا الحَسَب والنَسَب، بين الأمير المهرِّب من جهة، وبين الوزير الذي يبرّر فعلته من جهة ثانية؟
إنّ ذلك يتطلّب من جميع الأطراف الداخليين إعلان مواقفهم بصراحة وشفافية. إنّها قضية حقيقة يتمّ إخفاؤها، وقضية شركة وتعايش!

:::::

“الديار”، بيروت

http://www.addiyar.com/