تعريفات 8

أحمد حسين

نهايات ليبرالية

الليبراية مزاج تحرري فردي، إي تسيب اجتماعي شخصاني بدأ في المجتمعات الإستعمارية. وهو في حقيقته توجه شخصاني نحو حرية الذات الفردية، لدى التدرجات البرجوازية التي داهمتها الثروات الإستعمارية المنهوبة، وشرعت أمامها أبواب الترف المادي والمعنوي. وكان اقتحام هذه الأبواب يقتضي بالمنطق الطبيعي والعملي العفوي، تجاوز النظام السلوكي والأخلاقي السائد، واستدعاء نظام أكثر تساهلا يحرر الرغبات الفردية للبرجوازية، من القيود الأخلاقية التي وضعتها بنفسها للجم رغبات التشوف لدى الطبقات الفقيرة. فظهرت الدعوات لتحرير الفرد من من تسلط المجتمع المحافظ الذي يقتل دينامية الأفراد، ويقيد رغباتهم كموروث أخلاقي ديني وإقطاعي يعيق إبداع الفرد،وبالتالي يعيق تقدم المجتمع المكون من الأفراد، ولا يخدم سوى الأوساط الرجعية التي تتنكر لسعادة الفرد فتحقق تعاسة المجتمع. ومع أن هذه الدعوة “التحررية” إلى التسيب الفردي، التي أطلق عليها إسم الليبرالية،، تحقق سعادة الفرد البرجوازي وحده، إلا أن نكهة التشوف الوجودي التي تحملها، والتحرر من الضغوطات المعلبة، جعلها تروق حتى للطبقات الفقيرة. وقد لاءمت هذه الدعوة للتسيب، نخب النظام الإستعماري، من حيث أنها تحقق دورة سريعة لرأس المال، وتحفز الطبقة البرجوازية لتنشيط حركة السوق والتداول السلعي بفرعيه لتغطي إنفاقها المتسيب بالربح المتصاعد. وفي خلال فترة قصيرة نسبيا أصبحت الليبرالية دين السوق والمجتمع معا في الأنظمة الإستعمارية. وكان مفاد هذا الدين ألإبقاء على الغاية وتحرير الوسيلة، على أي مستوى من مستويات السلوك في الحياة الفردية والإجتماعية والعلاقات البشرية. والمصطلح القيمي الوحيد لليبرالية هي “العملانية ” ” الفردانية ” ” القدرة “. أي قصر مفهوم للعلاقة بالآخر على الغاية. لذلك يستطيع ليبراليان أن يعقدا صفقة سياسية بينهما، ولكن هذا إلزام طقوسي فقط، فالذي سيربح من الصفقة واحد فقط هو الأقدر.

والليبرالى، بالطبع، يفضل التسيب الجنسي على الزواج، ولكن الطقوسية قد تشده أحيانا بمباهجها الشكلية، فيقدم على عرض الصفقة، رغبة في الإحتفال وما يرافقه من مشهيات فنية. المهم لديه في هذه الحالة أن لا يفسد الإلتزام الصفقة المؤقتة. لذلك يفضل أن تكون ” المرأة ” ليبرالية لأنها لن تفكر في ذلك، كما يفضل أن تكون ذات ماض حافل، يمنع من أي سوء تفاهم ذي طابع سلوكي أو أخلاقي.

بعد كل هذا، ما الذي تريده قناة ليبرالية مثلا، ذات تراث حافل في حضن أم ليبرالية مثل قناة الجزيرة، من صفقة ليبرالية مع ليبرالي هجين مثل أوباما،عُقدت عبر السعودية بموافقة إسرائيلية وتمويل سعودي خليجي. اللبارلة الحقيقيون أو المهجنون يعتبرون التسيب قيمة عملانية، فأين منطق الغضب أو الإحتجاج لقناة الميادين الليبرالية باعتراف مؤسسها الليبرالي المتفاخر. إن الوسطية والإعتدال هي إسم أزلي للعدمية واللاأخلاقية والتسيب وانعدام الإلتزام. وهي نقيض وقد أعلنت قناة الميادين جهارا عن وسطيتها واعتدالها، وتعلن فرق البكائين الليبراليين في الأوكار العربية صباح مساء عن استنكارها ” لما حدث “. وبداية هل يحق لليبرالي أن يستنكر شيئا من الناحية ” الفقهية ” سوى القيمة الأخلاق والصدق والإلتزام، إلى جانب القومية العربية ؟ هل يوجد في الديانة الليبرالية محرمات غير هذه ؟ أما الوسطية والإعتدال فهي ” فضيلة غذائية عملانية ” ليبرالية يطعمون بها الكلاب تحت التدريب، ليصطادوا بها الخنازير البرية. ثم ما هو ” الذي حدث ” ؟ الذي حدث هو ضجة في المستعمرات الثقافية الإسرائيلية في موريتانيا وفلسطين والمغرب وتونس والأردن وإسرائيل وكلها مستعمرات إسرائيلية فعلية. والبقية يبدو أنهم أحرجوا لأن قناة الميادين تطبق الوسطية والإعتدال على دول المقاومة أيضا، أو بسبب الزمالة الإعلامية التي تشبه عدالة السجون. هذا هو ما حدث في قاعة العرض أما على الخشبة فلم يحدث شيء. مجرد فخار ليبرالي استغنى عنه أصحابه. قناة مهمتها انتهت أو فشلت أو عجزت عن المحافظة على توازن المقادير القومية والفلسطينية المسموح باستعمالها للتغطية على المهمة الحقيقية، فأغضبت طرفا ما. نفس المشهد يتكرر كما حدث مع فضيلة قناة الجزيرة ومع سماحة عزمي بشارة وعطوفة الأمير السيسي. هذا ليس صدفة. كل النكبات الوطنية والقومية والكوارث الدموية والإنتهاكات المادية والمعنوية الإنسانية وحتى البشرية، عجزت كلها عن تكوين ثقافة تردد أو ممانعة عربية. بل إن الوضع العربي يزداد سوءا وتمنّعا على الوعي. حتى مثقفي الثقافة العرب الكبار من درجة مفكر وباحث اقتنعوا بوجوب السقوط، فتساقطوا واحدا تلو الآخر، لأنهم رأوا بأعينهم أن السقوط أحفظ لكرامتهم وهيبتهم لدى إخوتهم في المواطنة والهوية وبين شعوبهم، من الإلتزام. فسقطوا ليرتفعوا بسقوطهم. فنحن العرب، بالصدفة، ليبراليون مقلوبون. في الغرب لَبْرَلَ المثقفون مجتمعاتهم، ولدينا تُلبرل المجتمعات مثقفيها. ومن حق قناة الميادين بيئيا أن ترتفع بسقوطها، وتستفيد من ليبراليتها على الطريقة المحلية أيضا.

استثني من هذا برنامجا واحدا ومقدمه في قناة الميادين، يبدوان استثناء أيجابيا لا أدري كيف سمحت الميادين به إلا إذا كانت تقصد شيئا من ورائه مستغلق على الوعي عربيا.