“إما جارية تحت فرجي المالي أو تموتين”
عادل سمارة
قال: “لو كان الأسد يعلم كم سيصيب سوريا من دمار لاستقال منذ البداية”.
هو في عقده التسعيني، لم يعرف المدارس وبالطبع الأكاديميا وما بها من مساقات ترسيخ العبودية. هو عروبي وسجين سابق لدى الكيان الصهيوني. حبه لوطنه سوريا أوصله إلى هذه الجملة العاطفية. إن تسعة عقود من قساوة الفلاحة وتنازعه تثبيت الأرض من أنياب المستوطنين “رغم السلام” هم يعضون بأنيابهم كل شبر، وهو يمسك بكل ذرة تراب برمش العين. كل هذا العسف لم يخلع من عمقه ذلك الحب والعاطفة الرشيقة، لكنه أوصله إلى استنتاج بسيط ساذج لم يبصر الفارق بين حاكم وطني وحاكم هارب عميل وهو لا يدري أن الإرهاب يضرب قلب تونس وقلب مصر التي لم تحيي بعد رغم هروب مبارك واعتقال مرسي وتراقص السيسي كضوء شمعة ضعيفة تنوس بين رياح من الجهات الأربع. نعم يا سيدي الصمود والاستشهاد لا الهرب كي يعيش الناس قطيعا وجواري احتياط جنسي.
هو لا يدري أن ما وصل إليه حبا وعاطفة هو ما تشتغل عليه امريكا في كل الوطن العربي وخاصة سوريا وهي تعرض بجلافة المسيطر ولكن في لحظة بدأ يدري هذا الجلف ان خصمه لا يتراجع. جلافة تقول:
“إما أن تكونوا جميعا مطايا بغايا لي وإما الحريق”
أسمح لنفسي تكثيف المشروع الراسمالي الغربي الممتد والمشتد في الوطن العربي بهذه الجملة بحرفيتها. لذا، خالفت الكثيرين من المتفائلين بتغير في الغرب. فالغرب الراسمالي ليس مجنونا حتى ينتحر بأن يزيح قبضته عن عنقنا. هذا مرة للألف سحر الاقتصاد السياسي أو بكلمة المصالح، المال بالدم؟
ما جرى بالأمس ضد الطيارين الروسيين وطائرتهما يعيد المشهد واضحا وضوح الشمس وحادّاً كحد السيف، بان الغرب لن يرحل إلا قتيلا أو خائفا من القتل. يريدنا ان نصل ما وصل إليه العجوز الفلسطيني كي يتقاطع الحب الريفي البسيط للوطن مع نعيق العملاء. فأي تناقض في جملة واحدة!
لكن المشكلة في موقع آخر اوسع بكثير.
يشعر المرء بالعار أن يكون الروسي يقاتل الاستعمار التركي حماية لسوريا، بينما تصطف ملايين من القطيع العربي تصفق للتركي لأنه يزعم أنه مسلما ويصلي في المساجد حيث يدنسها، بينما يلعب دور “القواد” للغرب والحليف لتل أبيب واضاعا إياها في حماية رمش العين. أيها القطيع عيونك لا ترى! أنت قطيع يعتقد أن الحاكم العثماني يحلم انه الخليفة، وهو ليس سوى أداة للغرب. على الأقل ايها الوعي الأهبل لا تنخدع بمن هو أداة للوحش الغربي. فهذه الأداة أقل بكثير مما تتخيلون. ليست أطول قامة من السعودي أو القطري او الإماراتي. كلهم يصطفون هناك في واشنطن لأخذ الأمر اليومي. إن قامة هديل عواد شهيدة القدس أعلى من هاماتهم بما لا يُقاس. لها قرارها.
تصل ملايين العرب ضعف الشعب الروسي وأكثر، ولا تكتفي بخنوع حمايته لها، بل يصفق الكثير منها ويتشفى بقيام أمريكا بإسقاط الطائرة الروسية، وهؤلاء كمن يقول: “دعني أقدم جسدي للسيد الأميركي والصهيوني في حفل بغاء علني”!
مخطىء وساذج من يعتقد أن الأتراك هم الذين اسقطوا الطائرة الروسية؟ إنها المصلحة الصهيونية والقرار الأمريكي وليس حتى حلف الناتو.
امريكا ستقاتل روسيا وسوريا وإيران وحزب الله والقومي السوري والقوميين العرب بكل أظافر جيوشها العربية والتركية هنا.
أنظروا إلى تقسيم الأدوار:
· الكيان الصهيوني يقدم خبراته العسكرية في الأرض المحتلة وخبرات دراساته النفسية في استدخال الهزيمة وصولا إلى العمالة التامة. ويجلس على طاولة جني الربح (الكاش بالمعنى التجاري) تماما كما كان حينما ذبحوا العراق. لم يطلق طلقة واحدة وقبض ثمن العراق كله، وهتف القطيع والتوابع والطابور السادس لذبح العراق، ولاحقا ليبيا وينتظر البوم دم سوريا واليمن. ولكن…لا.
· الأردن مجرد سكرتيرة مخابراتية لأمريكا والكيان طبعاً، تغربل أسماء الإرهابيين بسلاح أو عُراة من السلاح والوطنية في خدمة المشروع الأمريكي لمواصلة تدمير سوريا عبر المفاوضات.
· السعودية تستضيف نتائج الغربلة الأردنية، تُجلسهم في صفوف مغسولة ومرتبة للاستماع للدرس الأمريكي (بعد ترجمة النص العبري) كي يكونوا كلمة واحدة من النصرة وحتى الماركسي ميشيل كيلو والأمي الجربا والشيخ معاذ الخطيب والفرانكفوني هيثم المناع.
هذا على خشبة المسرح.
أما في القاعة فينقسم الجمهور العربي إلى:
· أكثرية لا تعرف ما يجري وترى كما العجوز الفلسطيني: إذا كان المصير هو الخراب او مواصلة تقديم الجسد العربي للبغاء والإتيان به كما يشاؤون فليكن الإتيان!
· وأقل منهم ولكن بحالة محمومة من عشق الخنوع يكتبون ويُنظِّرون ويهتفون لتدمير الوطن كله. فيالق هائلة من مرتزقة اللسان والقلم والبندقية.
· وقلة تصرخ في واد من بين كل الأودية لا يتردد فيه الصوت بعد ولا يستجيب. واد به كاتم الصوت كي لا يلامس الصوت شرف الضمير والوعي، لأنها قلة ترى كما كانت زرقاء اليمامة بأن الحقيقة الوحيدة هنا: إما أن تقتله أو تموت.
يختصر المشهد على الحدود السورية التركية مشهد العالم الجديد على المستويات المحلية والقومية والإقليمية والدولية:
· مشهد مقاومة الثورة المضادة
· ومشهد استلحام الثورة المضادة للبقاء على عنق اللحظة
الإمساك بعنق اللحظة، لن يكون قبضا على عنق التاريخ. لكن دون هذا، أي دون الهزيمة الشاملة للثورة المضادة شوك القتاد. مواجهة وصراع وضحايا، ولكن هم يعلمون بأنهم: لن يمروا.
سوريا على أبواب مواجهة مفتوحة. يتمسك فيها الغرب بامتصاص دم المشروع العروبي، وتواجهه القوى الطالعة بإصرار على اقتلاعه. وسيكون بعد هذا تغير اللحظة السوداء لصالح التاريخ المؤنسن. لا خيار سوى التصدي. ويبدأ غسيل العار بأن نقاتل في الصف الأول قبل الأصدقاء الروس.
لا تنظروا إلى التوابع العملاء من الحكام والطابور السادس الثقافي، وقوى وأنظمة الدين السياسي ولإفرازات الطائفية البغيضة العمياء، بل انظروا إلى الأكثرية المغمى عليها وعيا ووطنية كي تصحوا.