اول كتاب يوثق للحرب السورية

ثريا عاصي

من يقرأ الكتاب الجديد للزميل سامي كليب حول الحرب السورية واسرارها ووثائقها والغرف السوداء، يخرج بانطباع مهم، مفاده أن تدمير سوريا وجيشها وناسها كان ممنهجا، وان المخططات المرسومة سابقا او تلك التي استجد رسمها بعد اندلاع أولى شرارات الحرب، كانت أهم وأخطر وأعمق من مجرد صراع بين سلطة تريد الحفاظ على مكتسباتها ومعارضة تسعى الى تغيير النظام.
في الكتاب-المرجع لكل باحث عما هو أبعد من الظواهر، عشرات الوثائق السرية والأسرار والمبادلات الدبلوماسية ومقتطفات من معظم الكتب العربية والغربية التي تبحث في أسباب هذا التدمير الذي أصاب واحدة من أعرق دول العالم. وفيه محاضر كثيرة تتوزع على نحو 700 صفحة.
يبدو من عنوان الكتاب « الأسد بين الرحيل والتدمير الممهنج. الحرب السورية بالوثائق السرية» ان الكاتب تعمد التركيز على شخصية الأسد واعطائها الأولوية، ذلك ان العالم أجمع انقسم حول هذه الشخصية وكاد يحصر الحرب ببقائها او رحيلها عن السلطة . فنقرأ في المقدمة: «ما أن مضت أشهر قليلة على اندلاع الحرب في سوريا، حتى تحولت شخصية الرئيس بشار الأسد الى العقدة الأساس في الانقسام الدولي والإقليمي. صارت السبب الرئيس الذي ساقه البعض لاستمرار الحرب. رأى فيه البعض الآخر جسرا إلزاميا لوقفها. بين رحيل الأسد وبقائه، بين شرعيته وفقد الشرعية، انقسم العالم وتفتت النسيج الاجتماعي في سوريا. راح العالم المنقسم يناقش مصير الأسد، ومضت النيران تلتهم سوريا فتحرق البشر والحجر والشجر والتاريخ والحضارة. غرق «قلب العروبة النابض» في واحدة من أعنف وأسوأ حروب هذا القرن وأكثرها مثارا للجدل وجذبا لكل صراعات العالم وموازين القوى.
ويتساءل كليب في مقدمة كتابه : « هل ان الأسد هو فعلا سبب اندلاع الحرب في بلاده واطالة أمدها، أم انه منع عن سوريا والمحور المنضوية تحت لوائه والمعروف باسم «محور المقاومة «، ما هو أسوا في ظل الصراع العالمي الذي أنبعث بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية بصورة مثيرة للقلق. مَن الذي أدخل كل ذاك السلاح ومنذ الأشهر الأولى للأحداث الى سوريا وكيف ومنذ متى؟ من الذي كان يستعد للحرب بكل أشكالها العسكرية والسياسية والإعلامية منذ البداية؟ هل كل ذلك كان فقط نتيجة سوء تصرف من قبل الأمن، او سوء تقدير سياسي؟ أم كانت خطط التدمير الممنهج جاهزة بغض النظر عما سيفعله النظام والمعارضة الوليدة.» في متن الكتاب وخاتمته أجوبة واضحة تماما على هذه الأسئلة.
أما المحاضر التي يكشفها كليب للمرة الأولى في مؤلفه هذا، فتتعلق بلقاءات الأسد منذ وصوله الى السلطة مع المسؤولين الاميركيين والفرنسيين وغيرهم، وتنتقل الى الزيارات العربية والدولية الى دمشق قبل وخلال الحرب، ومنها وثائق جامعة الدول العربية المتعلقة بالحرب وبطرد سوريا من مقعدها في الجامعة، وصولا الى الرسائل والاتصالات الخاصة بين دمشق وتركيا وايران، وتلك المتعلقة بحقيقة الموقف الروسي من سوريا والرئيس الأسد . كما في الكتاب عدد من الرسائل الدبلوماسية السرية، وتحليل مستفيض لأبرز ما تعرضت له سوريا في خلال السنوات الخمس الأخيرة.
يبدو النزوع الى محاولة موضوعية التأليف الأكاديمي واضحة في الكتاب، حتى ولو أن إسرائيل ومخططات الأطلسي حاضرتان بقوة بين الاسطر والوثائق والمحاضر. منذ مقدمة الكتاب يبدو واضحا هذا النزوع نحو الشرح العلمي فيؤكد كليب بان : «القول بأن تدمير سوريا هو مجرد فعل مؤامرة خارجية، فيه ظلم للذين انتفضوا لتحسين أحوالهم المعيشية والسياسية والحصول على حرياتهم ثم وجدوا أنفسهم مطية لمصالح أكبر منهم حين ضاقت بهم بلادهم. والقول بأن تدمير سوريا هو نتيجة تمسُّك الرئيس بشار الأسد بالبقاء على رأس النظام، فيه قصر نظر حيال منطقة صارت ساحة لمعارك ومصالح إقليمية ودولية هائلة جعلت من رحيل الأسد أو بقائه انتصاراً أو هزيمة لمحور. والقول بأن التدمير هو بسبب ارتماء معظم المعارضة في أحضان الخارج، فيه محاكمة غير عادلة لتيارات وشخصيات سياسية حديثة العهد بالعمل السياسي. بعضها سارع إلى الارتماء في أحضان الغرب الأطلسي ودول خليجية وتركيا، لكن بعضها الآخر بقي معارضاً لكل تدخل خارجي وكل تسليح أو أسلمة. والقول بأن المعارضة كانت ستنقذ سوريا لو حكمت، فيه إغفال للأدوار الإقليمية والدولية التي ساهمت بتدمير المعارضة قبل غيرها، وفيه مغالاة في تصوير المعارضة صاحبة مشروع متكامل للحكم. فهي تقاتلت بعضها مع بعض بأكثر مما قاتلت النظام الذي تريد رحيله. وهو استفاد. إن ما جرى في سوريا منذ صيف 2011 زلزال بكل ما للكلمة».
ومن وثائق ذاك الزلزال، نقرأ في أحد المحاضر مثلا بين الأسد والأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي:
الأسد: «نحن العرب عودنا الغرب على التدخل في شؤوننا وباعتقادي فان الموضوع الأهم هو أن يبقى الشعب معنا، واعتقد ان مشكلة ليبيا تكمن في ان العقيد معمر القذافي كان يريد محاربة الخارج والشعب، بينما في مصر فان النظام السابق أرضى الخارج ونسي الشعب. اما في سوريا فلا شك ان هناك موجة في ظل ما يشهده العالم العربي، ولكننا نراهن على وعي الشعب وادراكه بان القضية ليست قضية إصلاحات فقط، ولو كانت كذلك لما حصل أي شيء لأننا كنا سبّاقين في طرح مشروع إصلاحي متكامل، وانما القضية هي اعتقاد البعض بأن ثمة فرصة سانحة للانقضاض على سوريا ودورها».
العربي يهز رأسه في أشارة الموافقة
على ما يقوله الأسد
الأسد متابعا: «انت تعلم اننا في العام 2005 أجرينا العديد من الإصلاحات واقريناها ولكن الظروف هي من أخر تطبيقها، ولم تؤثر علينا الضغوط الخارجية ولا كل ما يحاك ضد بلادنا، فقرارنا بالإصلاح هو قرار مركزي سبق كل ما حصل في الدول العربية، ونحن الآن نعمل من أجل تعديل الدستور بشكل شامل، نحن تحركنا مباشرة بعد الاحتجاجات في درعا، تحركنا بغية معالجة ما حصل، ولم نقبل أساسا ما حصل، واتخذنا الكثيرة من الإجراءات الأمنية والسياسية السريعة لمعالجة الذيول. واستقبلت انا شخصيا وفودا خرجت من عندي مقتنعة تماما بما حصل، وأعتقد أنه لو اقتصر الأمر على أهل درعا وما جرى فيها لأنتهى بسرعة، ولكن ثمة أطرافا سارعت للتدخل أو انها كانت معدة سلفا للتدخل وكانت تنتظر أول فرصة للانقضاض، وقد أدت مساعينا في نهاية الأمر الى استقرار الوضع في درعا، وعندنا تحركنا بجدية نحو الإصلاح اختار البعض أن يتوجه الى السلاح من أجل افشال الاصلاحات».
ثم تطرق الأسد الى الاخوان المسلمين معتبرا: «انهم يستخدمون تركيا على نحو رئيسي، واما في حمص فالوضع مختلف بسبب التداخلات الطائفية وزرع بذور فتنة منذ فترة طويلة، ولعل بعض المسؤولية في عدم الانتباه الى ما يحصل تقع على عاتق عدد من المسؤولين الأمنيين، لقد اريد لحمص وبعض المناطق الأخرى ان تتحول الى بنغازي جديدة ، فالمال موجود والسلاح وأجهزة الاتصالات، ووجدنا أجهزة تصوير لم يرصدها الأمن، ولكن مع مرور الوقت بدأ تفكيك تلك الشبكات، وصارت قوى الامن السورية قادرة على التقاط الإشارات بقوة وضبط شبكات السلاح واعتقال المسلحين، وكلما مر الوقت كلما صار الجيش قادرا على فهم طبيعة تلك الشبكة الخطيرة التي تم انشاؤها منذ فترة غير قصيرة اعدادا لما يراد له أن يصير حربا أهلية».
تابع الأسد : « لو أن الأمر اقتصر على الأصلاحات، لما كانت كل تلك الاستعدادات قد تمت قبل فترة طويلة من الثورات والاحتجاجات العربية، والا فكيف نفسر كل هذا الكم من التقنيات العالية في الاتصالات، وكل هذا السلاح والمال الذي اكتشفنا أن بعضه دخل للأسف من بعض الدول الشقيقة والصديقة ، لا يوجد أحد ضد الإصلاح، ولم نعتبر المعارضة يوما عدوة لنا ، ولكننا أردنا تحديد معنى الأصلاح وتحديد من هي المعارضة المؤمنة فعلا بالإصلاح وغير المرتبطة بمشاريع خارجية ، ومع ذلك فتحنا أبواب سورية الى كل من يرغب في الإصلاح ولكل المعارضة في الداخل والخارج وقلنا ان الحوار سيشمل كل أطياف المجتمع».
العربي: « ما هي الخطوات الإصلاحية التي اقريتموها او التي تريدون إقرارها وتتنفيذها، فلعل في ذلك ما يخفف وطأة ما يجري ويسحب الذرائع».
الأسد: « قمنا بالكثير من الخطوات وبينها، انتخابات إدارة محلية، قانون اعلام، نظام انتخابي، قانون أحزاب، وكل هذه الأمور كانت بحاجة الى دراسة. البعض فسر ذلك بأننا نريد المماطلة والتأخير، ولكن الحوار الوطني حولها ضم شخصيات هامة ومن مختلف الأطياف، وهو قائم حاليا وبعد ذلك ستكون انتخابات مجلس الشعب والإدارة المحلية، على أن تكون من مهام المجلس الجديد تعديل الدستور، وان في كل طروحاتي وخطاباتي وأحاديثي طرحت ما تطرحه المعارضة، لا بل في بعض المرات ذهبت أكثر مما تريده المعارضة، لأني أشعر شخصيا ومنذ سنوات طويلة بأهمية الإصلاح وتطوير النظام بما في ذلك تعديل الدستور وليس فقط المادة 8 منه».
العربي: كل هذه الخطوات جيدة ومهمة، وسيكون من الأهم ان يشعر الناس فعلا بتغييرات تحصل على الأرض وهذا سيكون في صالحك أيضا وصالح سوريا. من المهم البدء برزنامة محددة لتطبيق كل هذا.
الأسد: «اعتقد ان من يهاجمون سوريا من الخارج وللأسف من بعض الدول العربية، ليسوا حماة الاصلاح ولا هم مهووسون بالحريات والديمقراطية والا لكانوا طبقوها في بلادهم، قبل إعطاء الدروس لسوريا وغيرها. ولكن ما يحركهم هي مشاعر معادية لسورية لأسباب كثيرة ومعروفة».
مثل هذه الوثيقة، كثير غيرها وتفوقها أهمية في كتاب الزميل سامي كليب ، لا شك ان هذا المؤلف الغني بالوثائق سيصبح أحد المراجع المهمة في مكتبات اؤلائك الذين يريدون فعلا ان يفهموا هل ان الحرب في سوريا كانت نتيجة تدهور العلاقة بين الدولة والمعارضة ام ثمرة مخططات جهنمية ابعد من الجميع.
{ يصدر كتاب «الأسد بين الرحيل والتدمير» غدا الاثنين ويوقعه كليب في معرض بيروت الدولي للكتاب يوم الجمعة في 4 الجاري بين 6 و9 ليلا.

:::::

“الديار”، بيروت

http://www.addiyar.com/