ثريا عاصي
الصورة في جريدة: رئيس وزراء سوريا الأسبق رياض حجاب يلقي كلمة بين يدي ملك السعوديين في الرياض . عن مسوغات تسمية هذا الرجل، رياض حجاب رئيساً للوزراء، وعن غاية الأخير من قبول هذا المنصب الذي بقي فيه مدة شهر واحد، قبل فراره إلى الأردن، علم ربك !
ارتجعت هذه الصورة أمام ذاكرتي صورة أخرى يظهر فيها رجل دين عراقي، أعتقد أنه من آل الحكيم، يلقي خطاباً بين يدي الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، نعم بوش نفسه . كان ذلك أثناء إحتلال العراق، وفي الوقت الذي كان فيه الغزاة الأميركيون يفككون الدولة العراقية ويأمرون بحل الجيش العراقي، فحـُل الجيش .
العراق وسوريا، معركة واحدة، قضية واحدة . تركيا، آل سعود، القطريون وإيران، هي القوى الإقليمية التي تتنازع النفوذ على هذين القطرين . أما مصر فتفصلها إتفاقية التطبيع مع المستعمرين الإسرائيليين . ما معنى أن يُطبع المستَعمـَر علاقاته بالمستَعمـِر، تفصل مصر أيضاً سيناء التي تشهد حرباً على الدولة المصرية . بالإضافة إلى ليبيا حيث تحشد «داعش» و«القاعدة» استعداداً «للفتح» شرقاً، مصر وغرباً، الجزائر !
ترفض حكومة السلطان العثماني إعتبار دخول جيشها إلى العراق إنتهاكاً لترابه الوطني، بل تصر على أن الجيش التركي يحافظ على سيادة الدولة العراقية . الوصاية ! أعتقد أن حزب البرزاني يوافق على موقف الحكومة التركية . ولكن اللافت للنظر هو أن حزب مقتدى الصدر إتخذ موقفاً مشابهاً لموقف البرزاني . ما يعني أن طرفاً «شيعياً» عراقياً يتنصل من الدفاع عن التراب الوطني العراقي، ويقبل بأن يتولى أمر الشمال «السني»، نينوى، السنة أنفسهم ولا ضير إذا استعان هؤلاء بـ «السنة» العثمانيين، يستتبع ذلك، بحسب هذه الرؤية اللاوطنية عراقية واللاعروبية، انه من المحتمل أن ينسحب ذلك على محافظة الأنبار غرباً وجنوباً فيترك مصيرها «لأهلها السنة» ولآل سعود !
من البديهي أن الرؤية المشار إليها تنطوي ضمنياً على الإعتراف لأهل المناطق الجنوبية «الشيعة»، بحق الإرتباط مع إيران بعلاقة خاصة . هكذا يكون العراق، القومي العربي قد فــُرّق على جيرانه ! بتواطئ عرا قيين، ليس العراقيون جميعاً، فضلوا خدمة المذهب الديني الذي يتبعونه، علماً أن المذهب صار حزباً أو بالأحرى عنواناً لقبيلة، تعويضاً عن الفشل في قيام دولة عراقية قومية عربية . يبقى ان ننتظر، هل سينجح أتباع المذهب الديني الواحد في العيش معاً بوئام، وبمنأى عن أذى المستعمرين والمتعاونين معهم ؟ الإجابة عندي هي بالنفي لأن استيلاد المذاهب من المذهب الواحد، بتعبير أوضح الإنشقاقات، تلبية لطموحات الأشخاص، ستكون أسهل وأعجل من استيلاد المذاهب من الديانة الواحدة . إقتسام الإرث النبوي أكثر تعقيداً من اقتسام إرث المتنبين !
ومهما يكن فإن قضية العراق وسوريا هي من طبيعة تختلف كلياً عن المنازعات المذهبية والقبلية إذا جاز القول . هي كمثل القضية الفلسطينية، لا تخص ديانة بعينها أو طائفة . إنها قضية إنسانية بما هي نضال تحرر وطني من الإستعمار . ينبني عليه إن الإصطفافات المذهبية، والمذابح العرقية والطائفية ماهي إلا أساليب للترويع والخداع .
إن سوريا هي لأهل سوريا . ولكن آل سعود وتركيا، بمساعدة الإمبريالية الأميركية يريدون إلغاء الدولة فيها، وإلغاء الأمة السورية . مثلما فعلوا في العراق، كما أسلفنا . صمد وقاتل السوريون ببسالة ذوداً عن بلادهم . كثيرون، سوريون وعرب وأجانب، هم الذين تجاوزوا حيال الحرب العدوانية على سوريا، خلافاتهم السياسية والفكرية مع السلطة، وفيما بينهم، إنطلاقا من أن الأولوية هي للنضال ضد الإستعمار . لا يوجد مآل أو مصير أسوأ من الإستعمار وتفكيك الدولة، والخضوع لآل سعود وللعثمانيين الجدد .
هذا لا يعني ان على السوريين، إذا رفضوا الرضوخ لإرادة المستعمِر والمتعاونين معه أن يطأطئوا رؤوسهم إذعاناً لحلفائهم . فلولا تضحيات السوريين وجيشهم، لما كان حلفاؤنا ولما كنا .
:::::
“الديار”، بيروت
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.