أعلنت السعودية، فجأة، عن تشكيل وقيادة “تحالف عسكري إسلامي لمحاربة الإرهاب”، غرفة عملياته المشتركة في الرياض، ويضم خليطا من 34 دولة، بينها تونس، ولا يلتفت الى فلسطين المحتلة حيث تنمو انتفاضة القدس الباسلة.
وأكد مستشار الشؤون الدبلوماسية لدى رئيس الجمهورية، (سفير سابق لدولة بن علي لدى الكيان الصهيوني) أن انضمام تونس الى هذا التحالف، لا يعني التدخل العسكري في أي بلد بل هو “دعم سياسي ومبدئي” للسعودية.
كما اعتبر أحد المختصين التونسيين في الشأن العسكري، (متحدث سابق باسم وزارة الدفاع) أن هذا الانضمام هو اختيار منهجي ميداني وقرار سياسي مجدي، ولا يفترض المشاركة عسكريا، وأن امكانيات تونس يمكن أن تقتصر على الجانب الاستخباراتي والمراقبة واستقبال اللاجئين.
ان هذا الاعلان يدعو الى التوقف عند جملة من المعطيات والملاحظات:
1– ليست المرة الأولى التي يعلن فيها عن انخراط تونس في تحالفات من هذا القبيل، سيما في زمن “الربيع” المزعوم:
* فقد سبق أن أعلن الرئيس الأمريكي عن انخراط تونس في التحالف الدولي “الستيني” الذي تقوده، ومحوره الحلف الأطلسي العدواني، بذريعة مواجهة “الإرهاب” في القطرين العربيين سوريا والعراق،
* كما أمضت الدولة التونسية اتفاقية تحالف من خارج الحلف الأطلسي، مع رأس الحية، الولايات المتحدة الأمريكية،
* ولعبت دورا مميزا، غير معلن حينها، الى جانب حلف الحرب الاستعمارية المدمرة على القطر العربي الليبي،
2– أما آل سعود، القائمين على رأس كيان وهابي ما قبل الدولة المعاصرة، في نجد والحجاز بشبه الجزيرة العربية،
* فإنهم منخرطون في حلف تخريب سوريا العروبة، ومنذ سنة ونيف، في “التحالف الستيني” الأمريكي، لذات الهدف،
* وشكلوا، منذ أشهر، تحالفا آخر لنشر الفوضى الطائفية في القطر العربي اليمني وتدميره،
…. وما فتئوا يؤكدون ثباتهم في موقع الخادم الأمين في ركاب مشروع أسيادهم الأمريكي- الصهيوني ضد الشعوب.
3– وعلى عكس الزعم بأن التحالف السعودي الجديد “غير مسبوق”، فان سجلات التاريخ المعاصر تبين أن الرجعية العربية وتلك “الإسلامية” لم تبرح مواقعها في خرائط الدول الاستعمارية، وتنفذ الأدوار المطلوبة منها، سرا وعلنا:
* منذ بدأ التآمر على فلسطين ووحدة الأمة العربية، في اطار تأسيس المسماة “جامعة الدول العربية”،
* ثم تشكيل حلف بغداد بإشراف أمريكي- بريطاني في اطار ما يعرف بـ “الحرب الباردة” لمواجهة المنظومة الاشتراكية والمد التحرري لدى الشعوب والأمم المضطهدة، تنفيذا لمخطط المعسكر الرأسمالي العالمي بإدارة أمريكا الامبريالية،
* مرورا بتخريب المحاولات الاستقلالية للنهوض القومي العربي، من خلال العمل على افشال مشروع الجمهورية العربية المتحدة المعلن عنها بالوحدة الاندماجية بين قطرين عربيين، مصر وسوريا، ومشاريع اتحادية عربية أخرى، ومحاولات بناء اقتصاد متين ومستقل، وكذلك من خلال التصدي لمشروع تحرير منطقة الخليج العربي في الستينيات،…
* ولاحقا، بالانخراط في جرائم حصار أقطار عربية ذات التوجه القومي، وأيضا في “التحالف الثلاثيني” بقيادة الولايات الأمريكية الصهيونية المتحدة لتدمير العراق سنة 1991، فاحتلاله وتفكيكه، وقبل ذلك في التآمر على مصر العروبة،…
* حلف التطبيع ومغازلة الكيان الصهيوني والتعاون معه، … وغير ذلك من التحالفات متعددة الأشكال والميادين…
* ومن ضمنها، التحالف المعلن عنه أخيرا، والذي تشير كل الدلائل، الى أنه ترجمة عملية لرغبة الادارة الأمريكية، عبر عنها وزير خارجيتها، وكلف بها الوكيل السعودي، بضرورة تشكيل جسم عسكري ينتشر ميدانيا، بزعم مقاومة داعش.
4– في واقع الحال، ان هذا “التحالف” ذي الخلفية الطائفية، والذي وصفه الصهاينة بالانجاز الكبير، يعبر عن:
* صيغة محينة لعولمة الحروب العدوانية بالوكالة تحت مسمى “محاربة الإرهاب” تذكر بالجيوش التي سبق ان شكلتها الدول الاوروبية الإستعمارية، كوقود بشري من خارج بلادها، في حروبها البينية خلال الحربين الإمبرياليتين، وبعيدا عن حدودها خلال حروبها على شعوب مستعمراتها، في النصف الأول من القرن الماضي،
* محاولة تعويض عن عجز القوى الامبريالية الصهيونية وأذرعها في المقاولات الرجعية العربية، من صنف “الاسلام السياسي”، لاستكمال انفاذ مشروع تدمير الأمة العربية، بشن الحروب الكونية على مواقع الصمود والمقاومة فيها،
* تأكيد تموقع الرجعية العربية، بعقيدتها الوهابية الإخوانية المتخلفة، بوضوح في “رقعة شطرنج” يحركها قادة المعسكر المعادي للعروبة، الإمبريالي- الأطلسي- الصهيوني، في صراعه الدامي لأجل تأبيد هيمنة الامبراطورية الأمريكية على العالم والحيلولة دون صعود قوى أخرى منافسة، وكذلك دون تحرر الشعوب التواقة الى الحرية والسيادة الوطنية والتقدم،
* الاستعاضة عن فشل جحافل المرتزقة الذين تم انتدابهم من أكثر من مائة دولة، بواسطة فائض ريع البيترو- دولار، واحتضنتهم الدول ذات العقيدة الوهابية الإخوانية، كمجموعات ارهابية اجرامية في الوطن العربي لحساب الامبريالية الأمريكية- الصهيونية، وذلك بالتوجه نحو محاولة تعبئة القوات النظامية من بين جيوش الدول المعلن عن انضمامها للتحالف الرجعي، لاستكمال تنفيذ ما عجزت عنه تلك العصابات ضمن مشروع تفتيت الأمة العربية وإبادتها،
* أنه قاعدة التقاء القوى المضادة للتاريخ وللعروبة، بين الوهابية والإخوانية والطورانية العثمانية، المتدثرة بالإسلام المتأمرك، أضلعها في السعودية وقطر وتركيا الأطلسية، قيادتها وتوجيهها وتأطيرها من صانعة الارهاب، الولايات الأمريكية الصهيونية المتحدة، المؤتمنة على سلامة قاعدتها الارهابية، المتمثلة في الكيان الصهيوني بفلسطين المحتلة.
وعليه، يهم الجمعية العربية التونسية لمقاومة الامبريالية والصهيونية “قاوم”، التأكيد على:
1– أن أي خطة أو عمل أو تحالف… يفقد مشروعيته اذا لم تكن بوصلته موجهة نحو فلسطين المحتلة، على طريق مقاومة العدو الصهيوني الارهابي أصلا ونشأة وممارسة دائمة، وضد كل أصناف العدوان والغزو والاحتلال للأرض العربية، لأن خلاف ذلك يعني حتما، الارتباط،، بلا مواربة، ولو تم بواسطة “حبل سري”، بكتلة القوى المعادية وبتوجيه منها، لإعاقة ومنع النهوض القومي العربي بكل أبعاده،
2– أن التحالف السعودي الأخير، يأتي كإعلان من جانب الأنظمة والقوى الرجعية والظلامية، بخروجها من مكامنها الخفية أوالخلفية، ودخولها العلني والمباشر، باسم الاسلام، في الحرب الكونية الاستراتيجية ضد الأمة العربية، قتلا وتخريبا وتدميرا، بالنيابة عن العدو الامبريالى- الصهيوني- الارهابي، بزعم الحرب على “الارهاب”،
3– أن فرز القوى أصبح واضحا، بين قوى المقاومة والمقاطعة والثورة والتقدم والانعتاق والوحدة، وقوى الرجعية والردة والتخلف والظلامية والتجزئة والتطبيع والاستسلام والتصفية،
4– أن الارهاب هو صناعة أمريكية- صهيونية كاستثمار في سفك الدم العربي ونهب ثروات وتخريب الوطن العربي، حماية للكيان الصهيوني، كمشروع امبريالي استراتيجي، الذي يتحين المناسبة لإعلان انضمامه للتحالف المذكور،
5– أننا مع فلسطين العربية، مع مشروع وحدة ونهوض أمتنا العربية وتقدمها وعزتها، نصادق كل من يصادقنا ويدعم قضايانا، ونقاوم كل من يعادينا ويطمع في أراضينا.
6– الدعوة لرفع الصوت عاليا ضد الأحلاف الرجعية، الخارجية والعربية المحلية، على طريق اسقاط المشاريع المعادية،
الحياة مقاومة وانتصار
19/12/2015