من تخدير الشارع إلى تطويفه فانتحاره

عادل سمارة

كي لا ننزه انفسنا نحن العروبيين من قوميين واشتراكيين وماركسيين عن مساهمتنا في التردي الحاصل، وكي نعترف بقدرة عدونا على المبادءة وحتى المبادرة، ولكي لا نغتسل بالحديث بدل ان ننغمس في الفعل، يجدر أن نؤكد على ما يلي:

إن سلطات السعودية (رأس حربة الثورة المضادة) قد سبقتنا، نعم سبقتنا منذ نصف قرن وحتى قبل ايام. فقد عملت على تخدير الشارع العربي منذ نصف قرن، واليوم تحاول إنعاشه بالطائفية أي نحره.

وهنا يجب التفريق بين الطائفة والمذهب كقراءة وتأويل وبين تطويف جمهور هذه الطائفة او تلك ضد الآخرين ومن ثم جعل الطائفية هوية بدل الهوية العروبية في مرحلة يقبع فيها معظم الوطن العربي إما تحت استعمار استيطاني او استعمار عسكري أو استعمار تبادل لامتكافىء أو شبه استقلال.

كما نجحت أنظمة وقوى الدين السياسي في تحويل الإيمان إلى دين سياسي وهذا طمس المشترك القومي بما في ذلك المصلحة الطبقية للطبقات الشعبية وهي الأكثرية الشعبية والتي تتقاتل لصالح قيادات لم يمسسها اذىً بعد.

باختصار، خلال نصف قرن جرى في معظم الوطن العربي تجويف الوعي (القومي والاشتراكي) خدمة لتجريف الثروة العربية. وهذه الإماتة التي تحاول الثورة المضادة وتحديدا بأداتها الخطرة السلطات السعودية إيقاظ الشارع العربي على اصطفاف طائفي مما ينقله من الإماتة أو التخدير إلى الانتحار.

صحيح أن هذا ليس سهلا. ولكن نحن الذين يجب ان لا نكتفي بهذا.

لعل المقصود بل المطلوب هو تدريب الشارع العربي على استعادة الحراك الذي كان عظيما قبل نصف قرن وأكثر. مثلا حينما حصل العدوان الثلاثي او الثورة الجزائرية كان حراك الشارع العربي هائلا.

لذا، فإن الخوف أو الحذر من الاحتجاج ضد إعدام الشيخ النمر، الحذر من اتهامنا بأننا تابعون لإيران، هو حذر لا قيمة له ولا معنى سوى أنه سلبي، بل هو ضد معسكر المقاومة والمقاطعة.

الشيخ النمر عربي إصلاحي لا مشكلة لنا مع كونه من طائفة ما.

لذا، أعتقد أن علينا الثقة بانفسنا بما يدفعنا لاتخاذ خطى احتجاجية في كل موقف ومناسبة تُعيد للشارع روحه العروبي.

لا يختلف وقوفنا للمطالبة بإطلاق سراح المناصل جورج عبد الله من ايدي العدو الفرنسي عن المطالبة بمعاقبة عدو القومية العربية أي سلطات الرياض على قتل الشيخ النمر، ولا يختلف عن الموقف من الكيان الصهيوني ولا يختلف عن وجوب الوقوف اليومي ضد العدو الأمريكي. وهنا استغل اللحظة للتذكير بقصورنا وتخلفنا الأممي بنسيان المناضل الأممي كاروس /شاجال الذي قضى عمره لأجل قضية العرب.

إن فعاليات احتجاجية من اي مستوى في قضية الشيخ النمر هي نتاج ثقة بالنفس وقوة موقف لا يهمنا زعم البعض انها لصالح إيران.

بل إن التردد والتلكؤ يشيران، جوهريا، إلى عدم تخلص الكثيرين منا من ترسبات طائفية تشوب الانتماء العروبي، وهو ما تراهن عليه سلطات السعودية ومثيلاتها وتوابعها واسيادها. وإذا كانت فلسطين هي القضية الجامعة، فإن ترددنا هو أكثر ما يطمسها.