هبوط مستوى النقاش في تونس بعد خمس سنوات من الإنتفاضة

الطاهر المعز

 

تونس- بضعة كلمات في راهن اليسار

كتب الصديق والرفيق “فيصل الهادي” على صفحته في “فيسبوك” ما يلي، تعليقا على ما قاله القائد المُؤسِّس لحزب العمال “حمّة الهمامي” خلال إحدى صولاته وجولاته في القنوات التلفزية:

حمة الهمامي يكذب مثلما يتنفس ..

صرح حمة الهمامي يوم أمس (الإثنين 18/01/2016) على قناة فرنسا 24 أن “غالبية مناضلات و مناضلي مكونات الجبهة الشعبية لم يصوتوا للسيد الباجي قايد السبسي، فقد كان بالنسبة لنا واضحا منذ البداية إمكانية أن يمد السيد الباجي قايد السبسي يده الى حركة النهضة و يتراجع عن وعوده الإنتخابية” ..

– الكذبة الأولى : قال لم نصوت للباجي .. هاذي “قالت لهم أسكتوا” .. و لفائدة من دعوتم للمشاركة بكثافة في الإنتخابات و لفائدة من دعوتم لعدم إستعمال الورقة البيضاء، و لفائدة من قطعتم الطرق ..

– الكذبة الثانية : إذا كان واضحا لكم بأن السبسي سيمد يده لحركة النهضة، لمذا قطعتم لفائدته الطرق .. لمذا تحالفتم معه و مع حزبه في إطار جبهة الإنقاذ و إعتصام “الأرز بالفاكهة” (آب/أغسطس 2013، بعد اغتيال أحد قياديي الجبهة الشعبية “محمد البراهمي”) و جلسات الحمار الوطني (أي ما سمي “الحوار الوطني”) .. ألم تبرروا ذلك برغبتكم و رغبة “بجبوجكم” (أي الباجي قائد السبسي) في إسقاط حركة النهضة التي يتقاسم معها السلطة اليوم ..

حمة الهمامي يحاول إستبلاه الرأي العام و يتنصل من مسؤوليته في عودة عصابات التجمع من الباب الكبير ..إن لم تستحي فافعل ما شئت ..

انتهي ما كتبه “فيصل الهادي” – الأقواس من إضافات “الطاهر المعز”

■ ■ ■

تعليق الطاهر المُعِز

تونس- بضعة كلمات في راهن اليسار

بعد لقاء راشد الغنوشي القائد المؤسس لحزب الإخوان المسلمين في تونس (النهضة) مع الباجي قائد السبسي (وزير داخلية بورقيبة لفترة 14 سنة، إضافة إلى وزارات أخرى وترؤسه مجلس النواب غير المنتخبين في عهد بن علي) في باريس (آب/أغسطس 2013) صرح حمة الهمامي بان له ثقة في الباجي قائد السبسي الذي أكد له ان التحالف في إطار “جبهىة الإنقاذ” لا زال قائما (تتألف جبهة الإنقاذ من الحزب الدستوري المُنحل قانونا  –حزب بورقيبة وبن علي- ومن الجبهة الشعبية أي اليسار والقوميين المُشاركين في انتخابات 2011 و 2014 …

لست أدري إن كانت “السياسات الخاطئة” لحزب العمال (الذي كان شيوعيا ثم تبَرّأَ من هذه الصفة “غير الحميدة”) هي تكتيك أم استراتيجيا، ففي بداية تأسيسه الرسمي تحالف حزب العمال (“الشيوعي ” آنذاك) مع رجال الأعمال ومع الساهرين على إصدار صحيفة “الإعلان” التي كان يرأس تحريرها “عبد العزيز الجريدي” الكاتب الخاص السابق لوالي صفاقس ثم وزير الداخلية “عبد الله القلال” وسمى البعض هذه الصحيفة “صحيفة المجاري” (أو الصرف الصحي أو les égouts ) وكان مكتب أحد رجال الأعمال المقربين من شق في سلطة بن علي مكانا للصفقات التجارية ذات الصبغة السياسية، وكانت صحيفة “البديل” (التي كانت علنية وقانونية ومُرَخَّصَة وتباع في المكتبات ولدى باعة الصحف) لسان حال الحزب المذكور (الذي كان شيوعيا بالإسم على الأقل) مليئة بالمقالات التي تقول ما لا يقال في “الإتجاه الإسلامي” (الذي غير اسمه أيضا إلى “النهضة”) وبلغ الأمر حد الوشاية بالإخوان المسلمين في المحاكم… في سنة 2005، أصبح راشد الغنوشي يصف حمة الهمامي (ومن ورائه حزب العمال) ب”أحد فرسان الحرية”، بمناسبة إضراب الجوع في مقر حزب نجيب الشابي (الذي كان بعثيا ثم قائدا في “العامل التونسي”، أي كان يقود حمة الهمامي قبل أن يؤسس نجيب الشابي حزبا وحمة حزبا آخر) وكان المشاركون في إضراب الجوع (ومن كان وراءهم) قد شكلوا تحالف 18 اكتوبر، ويفتخرون بزيارات سفراء وقناصل الدول الإمبريالية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا (ما أشبه اليوم بالبارحة)، وكانوا يدّعون ان الأولوية هي لرحيل الدكتاتور بن علي ولو بمساعدة الإمبريالية (التي نصّبَتْ بن علي) وأن الإخوان المسلمين تغيروا وأصبحوا ديمقراطيين أو على الأقل يؤمنون بالديمقراطية الخ لذلك عوَّدَنا حزب العمال (وقائده الدّائم -مثل الله- حمة الهمامي) بتغيير المواقف من التحالف مع الدساترة ضد الإخوانجية إلى التحالف مع الإخوانجية ضد “الدكاتوترية”، ثم عودة إلى التحالف مع الدساترة المُعَتَّقِين، على جُثَثِ شكري بالعيد ومحمد البراهمي ومئات الشهداء والجرحى الخ… استخدم حزب العمال تضحيات أبناء الشعب الكادح بهدف تمكين بعض قيادييه من الإرتقاء في السُّلَّمِ الإجتماعي، أما الصراع الطبقي والعمل على بناء مشروع تغيير اشتراكي الهوية، شيوعي الهدف، فذلك “ذهب مع الريح” أو هو “مؤجَّل إلى يوم الحساب”… ما هو مشروع حزب العمال وما هو برنامجه “لتحقيق أهداف الثورة”؟ وفي حال كان له برنامج (سرّي ربما؟) ما هي الخطوات التي سيقوم بها لتنفيذه أو لتطبيقه؟ إن ما يهمُّني اليوم هو الإجابة على هذه الأسئلة، أمّا الهُراء فيذهب مع الريح ولا يبقى في الوادي غير الحجارة

إن جوهر القضية هو ماذا تبقى من انتفاضة المحرومين في 2010-2011 ومن يحمل المِشعل اليوم لتغيير الوضع القائم… ما هي الحلول التي تقترحها الأحزاب والقوى التقدمية أو اليسارية أو الثورية، اليوم، انطلاقا من الوضع الراهن في البلاد، وكيف سنواجه قضية الديون الضخمة التي ارتفعت كثيرا منذ 2011 والديون تعني الإمبريالية وأدواتها (صندوق النقد الدولي والبنك العالمي) ومن أين ستأتي الأموال التي وجب أن تُسْتَثْمَرَ في خلق الوظائف وتنمية القطاعات الإنتاجية (الزراعة والصناعة) وما هي الوسائل الممكنة لتأمين التعليم والرعاية الصحية والمَسكِن للجميع وما هي المدة “المعقولة” لتنفيذ برنامج كهذا (وهو ليس برنامجا اشتراكيا)… من جهة أخرى هناك تجارب في امريكا الجنوبية وفي افريقيا وتجارب أخرى في الوطن العربي، وهناك محاولات لبناء دولة وطنية واقتصاد وطني، لكن الإمبريالية بالمرصاد، ولها القوة العسكرية والمالية والإعلامية ومجموعة من “الطوابير” (المنظمات غير الحكومية ومنظمات حقوق الإنسان والمثقفين المرتزقة…) لتشويه أي تجربة وأي نظام لا يُرْضيها ويحاول تحجيم نفوذها وتقليص عدوانها…

هذه بعض الأسئلة التي وجب نقاشها والإجابة عليها، إضافة إلى فرض تجارب في ظل النظام القائم، مثل تعاون صغار المنتجين لتأسيس تعاونيات (تعاضديات) إنتاج وتسويق وتسييرها ذاتيا، فهي تجارب هامة تعيد الإعتبار للعمل الجماعي، من ذلك تجربة الإستغلال الجماعي لمزرعة النخيل في مدينة “جمْنَة” (الجنوب الغربي للبلاد- ولاية قبِلِّي)، وهي تجربة جديرة بالدراسة والنقد…

لنبتعد قليلا عن شاشة التلفزيون والحاسوب، ونخصص بعض الوقت للإجابة على سؤال “ما العمل”؟ لكن وجب العمل مع الفقراء والمحرومين لتغيير الواقع، حتى أثناء التفكير في الإجابة عن سؤال “ما العمل”؟