عادل سمارة
لا يخدعن أحد نفسه وغيره، فالولايات المتحدة كما الكيان الصهيوني تضع لكل قضية عدة سيناريوهات متقاربة وكثيرا ما تدمج واحدا أو أكثر بآخر. إن الدروس المستفادة من طبيعة السلطة والطبقة الحاكمة وحتى معظم الرأي العام في الولايات المتحدة تفيد بان الهدف هو الانتقال بالوطن العربي من الاستهداف بعدوانها المباشر إلى الإبادة بحروب الإنابة. قد يقول البعض إن الشعب مختلف، وهذا صحيح بدرجة أو أخرى فهو بين عنصري وبين ضال وبين مُضلل، ولكن في النهاية فإن الشارع الأمريكي لا يقتتل من أجلنا. إن شعبا قامت سلطته بحربين وحشيتين ضد العراق مستخدمة مخدر الكذب، ولم يُسائل سلطته ليس شعبا مأموناً.ولا مجال لقراءة مئات التجارب الأمريكية في تدمير الأمم.
ولنبدأ أولاً بأنفسنا، فلعل الأكثر فائدة للقارىء هو رد الأمور الجارية إلى منابعها ليكون التعاطي اليومي الجاري معها بأعلى فائدة ممكنة. وبكلام مختصر، فإن أشد ضربة أصابت المشروع العروبي الذي نحاول الآن تحريكه بما هو الملاذ الأخير، كانت قبول الكثيرين منا بالدولة القُطرية والانحصار فيها وحتى تقوقع القوى قومية الاتجاه ضمن سياسات انظمة بلادها القطرية التي هي علانية ضد المشروع العروبي.
لذا كان التناقض شديدا بين الشعارات وبين المواقف.
ولعل اوضح التناقض ان القوى والأنظمة ذات التوجه العروبي والوحدوي طالما أقرَّت بالجامعة العربية التي هي مؤسسة ضد الوحدة تماماً وتقوم على تكريس الدولة القطرية، بينما كان المفروض بعد ثورة يوليو في مصر ان يقوم ناصر بإلغاء هذه المؤسسة بما هي من بقايا الاستعمار البريطاني.
هذا التكريس للدولة القطرية هو الذي أعطى الأنظمة حتى غير النفطية فرصة وحتى “مشروعية” الانحياز كتوابع للولايات المتحدة ومن ثم الاعتراف بالكيان الصهيوني وصولا إلى التحالف معه كما نرى اليوم على الفضاء!
تحت غطاء الإقرار حتى الشعبي بالدولة القطرية، كان قبول نظام مصر بقيادة السادات بهدنة اكتوبر 1973 دون تنسيق مع الشريك السوري.طبعا انظمة النفط كانت كعادتها بين حياد علني وربما تواطؤ سري. ولأن القطرية هي المهيمنة تم تمرير ما قامت به مصر السادات ليكون سابقة يُبنى عليها مسلسلا من الكوارث بدءا باتفاق كامب ديفيد فالوقوف المتفرج على غزو لبنان 1982، ثم اصطفاف انظمة عربية عام1991 وراء الجيش الأمريكي ضد العراق واحتلال العراق 2003 وصولا إلى السنوات الخمس الحالية حيث انتقل كل شيء من الإقرار بالقطرية إلى قيام الجامعة العربية باستدعاء احتلال ليبيا وسوريا ثم الوقوف مع العدوان السعودي على اليمن باسم “التحالف ” العربي وطبعا الإقرار باحترابات عربية عربية بالإنابة، وكما نلاحظ تمر كل هذه الكوارث وكأنها أمورعادية بمعنى صراع دول كأنها امما وليست صراعات داخل الأمة الواحدة. لقد تمت كافة هذا الكوارث تحت مظلة الجامعة العربية.
يعتقد كثيرون منا أن الإمبريالية تقوم اليوم بتجاوز التجزئة التي فرضها اتفاق سايكس-بيكو والذي هو للتذكير تجزئة الوطن العربي وتجهيز أنظمة التجزئة لترى تتأكد بان بقائها مرتبط بحبل سُري ببقاء الكيان الصهيوني الموعود في حينه، وهذا ما أكده قرن باكمله.
لكن ما يجري اليوم هو المرحلة الثانية من سايكس-بيكو، وليست تجاوزه او طويه.
وهنا أود فقط الإشارة إلى عامل واحد أتت به المرحلة الثانية هذه وهو أنه في فترة سايكس-بيكو 1916، تم تكوين كيانات عربية من الكتل البشرية القابلة لدرجة ما من الحياة والقادرة على مقاومة الوحدة بدرجة ما أيضا.
وخلال قرن كامل جرت تطورات ديمغرافية نقلت كثيرا من الطوائف والإثنيات إلى حجم بشري يؤهلها بأن ترتبط بالإمبريالية وتحافظ او لديها القدرة على ان تحافظ على عدم الوحدة أي مقاومة الوحدة مع أية دولة قطرية أخرى.
من هنا نلاحظ مشاريع تفكيك سوريا إلى خمسة دويلات والعراق إلى ثلاثة دويلات، واليمن إلى ستة اقاليم…الخ. أو بإيجاز نلاحظ بلقنة الوطن العربي.
بيت القصيد هو أن هذه البلقنة تفترض بالضرورة حروبا بينية دائمة، وهي حروب مجانية كوجود هذه الكيانات مما يعني أنها حروب بالإنابة.
ولكن السؤال الحاسم: بالإنابة عن مَن؟
هل هي حروب بالإنابة عن امريكا؟ بمعنى، إذا كانت مسيرة الدول القطرية العربية هي التبعية الطوعية الذاتية من الأنظمة الحاكمة فيها، اي التبعية للولايات المتحدة، فما ضرورة التجزئة المفرطة أو البلقنة إن ضح التعبير؟
ولذا، يمكن السؤال/الجواب: أم أن الحروب البينية بالنيابة هي نيابة عن الكيان الصهيوني؟
لعل الإجابة السريعة على هذا السؤال هي مستويين: موجز وتفصيلي.
الإجابة الموجزة توضحها الجغرافيا، جغرافيا تغرق في الحروب البينية التي هي في المشرق العربي بشكل خاص، اي في القطريات العربية المحيطة بالكيان الصهيوني. وهذه لا تحتاج إلى شرح لأنها معلقة على طول الفضاء العربي.
أما الإجابة التفصيلية فهي في موقع وموقف ومخطط الكيان الصهيوني من هذه المسألة ومدى تحقق ذلك المخطط. وهي الإجابة التي تشكل مضمون تصريح كيري الأخير الذي أسماه خطة (ب B).
وهنا لن أعود للكثير من خطط إعادة تقسيم الوطن العربي بل ساكتفي بما تحقق ويتحقق من ما وضعه الكيان الصهيوني في حضن الولايات المتحدة، ويجري تنفيذه باكثر أو أقل من ما وُضع.
إن كثيرا مما تم تنفيذه حتى الآن وارد بدرجة كبيرة في ورقة نشرت عام 1996 من قبل خلية فكرية صهيونية هي المعهد المتقدم للدراسات الاستراتيجية والسياسية، وتحت عنوان:
“A clean break: a new strategy for securing the realm”
أي: (قطع أو تحول واضح او نهائي: استراتيجية جديدة لأمن البلد). كان الهدف منها ان تكون خطوطا عريضة لحكومة بنيامين نتنياهو المقبلة (في حينه طبعا).
لا عجب ان الورقة/الوثيقة ركزت على العراق وسوريا حيث تقول:
“وحين يتم التخلص من صدام ويوضع العراق تحت السلطة الأردنية الهاشمية، يمكن ان تشكل الأردن وتركيا محورا مع اسرائيل لإضعاف ومن ثم تقييد سوريا”.
كان هذا كما اشرنا عام 1996، وقد ساهم في هذه الورقة/الوثيقة فريق من المحافظين الجدد هم كل من:
“… دوجلاس بيرل، وجيمس فيث كوالبرت، وتارلز غيربانك/ جي آر، وروبرت لوفنبرج، و ديفيد وورمسير، وميراف وورمسير، – وقد تم حث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على أن “يهيىء الجو” لخروج اسرائيل من ركودها وأن تقوم بحملة ل “تغيير النظام” في طول وعرض الشرق الأوسط مستهدفة لبنان، وليبيا، وسوريا، وصولا في النهاية إلى إيران.
ملاحظة: حول دور المحافظين الجدد يمكن الرجوع إلى كتابي “المحافظية الجديدة وظلال يهو/صهيو/تروتسكية”، منشورات مركز المشرق/العامل للدراسات الثقافية والتنموية 2014. أنظر نص الكتاب في المرفق.
وتضمنت الورقة/الوثيقة: ” في أيلول 2015، قال الليفتينانت جنرال للمخابرات في البيت الأبيض فنسنت ستيوارت، بأنه يعاني كابوسا أن كل من العراق وسوريا تعودان كلتيهما كدول ذات سيادة”.
ترى، ما الذي يبقى بأيدي الأغبياء والعملاء من العرب الذين يرون أن احتلال العراق وفي تدمير سوريا كان من أجل الديمقراطية أو أن النظامين هناك قدما المبرررات للعدوان، ولو تصرفا بشكل كذا لما حصل! وطبعا الشكل كذا/ هو تسليم مقاتيح البلدين للعدو لتكونا مثابة مستعمرات ومواخير. طبعا هناك عرب يقبلون بعيش المواخير!
ربما اتضح ما معنى خطة (ب) لدى كيري. بل إن خطة (أ) هي (ب) ايضا، لأن الولايات المتحدة ستحاول حتى الموت ان لا تنهض سوريا ولا العراق حتى لو لم تتمكن من تفتيتهما ولديها الطابور الخامس داخل كل منهما والطابور السادس الثقافي العربي ومعظم النظمة العربية وقوى الدين السياسي.
هنا انت مطالب كعربي أينما كنت وحيثما كنت بالإجابة عن سؤال لا يتعلق بما تريده الولايات المتحدة ولا ما يريده نتنياهو بل السؤال الكبير والخطير وهو:
· كيف قرأ الحكام العرب هذه الوثيقة؟
· كيف قرأها الطابور السادس الثقافي؟
· لماذا واصلوا الاعتراف بالكيان؟
· لماذا واصلوا التبعية للولايات المتحدة؟
· لماذا لم يحذروا الشعب العربي؟
· لماذا بقي هناك حكام ومثقفو الطابور السادس الثقافي على صداقة بالويات المتحدة؟
من لديه اية إجابة خارج نطاق ان هؤلاء جميعا خونة فليكبت ويحرجنا.
واليوم حيث يكرر جون كيري نفس الخطر بل وبعد ان تم تنفيذ معظم هذه الورقة الخطيرة، فقد ذهبت ليبيا وذهب العراق وسوريا تقانل ولبنان تحت القصف السعودي وكذا اليمن، وإيران ليست في أمان! أليس المفروض انفجار شعبي ضد هؤلاء الصهيونية العربية؟
لم يعد الصمت ممكناً، أليس الصمت خسة ؟ ولم يعد القول يكفي. نعم لا بد من تنظيم وتأطير وعمل، وفي الحقيقة كل مواطن حتى منفرداً بوسعه أن يعمل، بوسعه وعليه الصد والرد.