تونس: في ذكرى إعدام المُقَاوِم البطل “محمد الدَّغْبَاجِي” – 01 آذار/مارس 1924

في ذكرى إعدام المُقَاوِم البطل “محمد الدَّغْبَاجِي” – 01 آذار/مارس 1924

شكري لطيف

المقاوم التونسي محمد الدغباجي في ذكراه :
المجد للمقاومين و الخزي للغزاة و العملاء – شُكْرِي لطيف

شنّت الحكومة الفرنسية حملة عسكرية ضدّ تونس في ربيع سنة 1881. وما ان وصلت القوات الفرنسية الى قصر باردو ، حتى وضع الجنرال بريار على طاولة ملك تونس الباي محمد الصادق وثيقة احتلال تونس لتوقيعها. و لم يتردّد الباي كثيرا ، فامضى على معاهدة “الحماية” الفرنسية يوم 12 ماي 1881 ، ُو لم يكتفي بالاستسلام الشخصي و الرضى بتسليم مقاليد البلاد الى المحتل الفرنسي ، بل أمر الجنود التونسيين بالاستسلام و عدم مواجهة عسكر الفرنسيين الغزاة.
على الضفة الطبقية الاخرى ، بعيدا عن مواقع السلطة السياسية و الاقتصادية و الادارية و العسكرية السائدة، كان الموقف الشعبي رافضا للخيانة ، فانطلقت المقاومة الشعبية المسلحة رغم اختلال ميزان القوى في عدة مدن و قرى تونسية .
كان محمد الدغباجي اصيل بلدة الحامة المولود سنة 1885 ، أحد ابناء تونس البررة الذين رفضوا ذلّ الاحتلال و هوان الاستعباد ، فرفع السلاح ضد الغزاة و قاد انتفاضة جانفي 1920 . و لم يفت في عزمه حكم السلطات الفرنسية عليه بالاعدام غيابيا سنة 1921، بل واصل نهج المقاومة المسلحة الى أن وقع القاء القبض عليه من قبل قوات الاحتلال الايطالية في ليبيا التي سلّمته الى سلطات الاحتلال الفرنسية في تونس.
قرّر المحتل الفرنسي أن يجعل من اعدام محمد الدغباجي وسيلة لكسر ارادته و لترهيب التونسيين و ثنيهم عن مواجهته. فقام الجنود الفرنسيين باقتياده يوم 1 مارس 1924 الى ساحة بلدته الحامة حيث وقع تجميع الاهالي ليشهدوا اعدامه. و لكن السحر انقلب على الساحر و لقّن الدغباجي قاتليه المجرمين درسا لا يُنسى في البطولة و الفروسية ، حيث رفض أن تُوضع العصابة على عينيه فتعالت زغاريد زوجة ابيه و نسوة القرية ، و كانت آخر كلماته :
” لا تخشي عليّ يا أمي ، فأنا لا أخاف رصاص الاعداء و لا أجزع من الموت في سبيل عزّة وطني..”
من 1 مارس 1924 تاريخ استشهاده ، الى 1 مارس 2016 يحفظ التاريخ لمحمد الدغباجي مكانة الخلود بين كبار المقاومين الثوريين في العالم،
و نحفظ له في ذاكرتنا و قلوبنا و عقولنا كل الوفاء و التقدير و الاعتزاز براية المقاومة المسلحة التي رفعها ضدّ الغزاة و العملاء ، راية كل الاحرار و الشرفاء في كل عصر ماضيا و حاضرا و مستقبلا.

 

الصورة : النصب التذكاري لمحمد الدغباجي في مكان اعدامه في ساحة بلدته الحامة

تلاحم الشعوب ضد الإستعمار والحدود

ذات غبش فجريّ بعيد…غرّة مارس من سنة 1924 اقتيد محمّد صالح الدغباجي الزغباني إلى ساحة سوق الحامّة…كانت الريح غربيّة على ما أذكر…ولكنّ جريد النخل يومها كان ثابتا…كان شاخصا يشاهد الملحمة…وحتّى الماء في حمّام “سيدي عبد القادر” القريب توقّف لحظة عن التدفّق ليشاهد الأمر الجلل : جنديّ فرنسيّ شابّ، لعلّه أصيل سترابورغ أو مونبلييه، لم يكن يفهم شيئا في ما كان يعيش, يقترب، حسب الأوامر وأعراف الإعدام، من الدغباجي ويريد أن يضع على عيني النسر فيه خرقة سوداء…لكنّه يفاجأ بأنّ البطل يدفعها بعيدا ويثبّت نظره في البنادق المصوّبة إليه معطيا بنفسه أمر التنفيذ…
بانغ بانغ بانغ…
وترتفع الزغاريد…وتعانق ربح العظيمة، زوجة أبيه التي كانت له أمّا عاشقة، كلّ الأهل…ملقية على القتلة نظرة احتقار أخيرة…وتصدح من قلب التاريخ أغنية الخلود…أغنية العار للقتلة ولمن باع دم سيّد الشهداء…
الخمسة اللي لحقوا في الجرّة…
وملك الموت يراجي
لحقوا مولى العركة المرّة
المشهور الدغباجي…
ما قبل الدغباجي : شعبان في شعب واحد (تونس وليبيا) كانا يعتبران الاستعمارين الفرنسي والإيطالي قدرا إلهيّا لا حول لهما عليه ولا قوّة…
ما بعد الدغباجي : نفس الشعبين يدركان، رغم التجهيل والتنكيل، أنّ للحرّية مذاقا تهون من أجله الدماء والدموع…وتنطلق حركة التحرير الشعبية…وبالشعبين ستلتحق تباعا باقي الشعوب القريبة والبعيدة…لن يعمّر وجه الاستعمار البشع في قارّة الأحرار ذوي البشرة القمحية أو السمراء…

منقول عن صفحة الصديق “كمال الزُّغْبَانِي”