تغيير الخرائط : الدولة اليهوديّة نموذجاً

ثريا عاصي

إذن جاء الرّوس في شهر أيلول الماضي إلى سورية، برضى السوريين، لمساعدة حكومتهم في الدفاع عن بلادهم في مواجهة تدفّق «الجهاديين» بأعداد كبيرة وبسلاح متطوّر وبخبرات عسكرية متقدمة، من تركيا ومن العراق ومن الأردن ولبنان. الذين شكّلوا خطراً كبيراً على وجود الدولة السورية .
من البديهي أنّ التدخّل الروسي غيّر ميزان القوى، فتمكّن الجيش العربي السوري بمعاونة حلفائه المحليّين من تحسين مواقعه، ومن إجبار المدّ «الجهادي» على التراجع والانحسار. لا شكّ، في اعتقادي، أنّ المساعدة الروسية تضمّنت أيضاً مساهمة في تسليح وتنظيم وتدريب هذا الجيش .
تقول الأخبار الآن إنّ الروس قرّروا الإنسحاب، وإنّ بياناتهم تُفيد بأنّهم أنجزوا مهمّاتهم في سورية. البيانات السوريّة الرسميّة تؤكّد على أنّ الوفاق تامّ بين الطرفين، أي أنّ الرّوس جاؤوا برضى السوريين، وهم ينسحبون برضاهم أيضاً .

من المحتمل أنّ الحقيقة توجد في نقطة ما بين القطيعة والتحالف، ولكن ما يهمّني هنا هو التالي: لنفترض أنّ «تدفّق الجهاديين» عاود من مصادره التي أشرنا إليها، وأن وجود الدولة في سورية صار مهدّداً من جديد، هل سيعود الرّوس مرة ثانية؟ أم أنّهم لن يعودوا في مختلف الأحوال؟ أم أنّ لديهم ضمانات عسكرية أو دبلوماسية بأنّ الأوضاع لن تعود إلى ما كانت عليه قبل مجيئهم؟ وأخيراً هل خرج الروس نهائيّاً من السـاحة السورية، أم أنّهم ما يزالون فيها ؟
منطقياً، لا يزال الرّوس على الساحة السورية، وإنّ لهم مصالح مشتركة بينهم وبين السوريين. بناءً عليه، فإنّهم سوف يدافعون عن الدولة السورية طالما هم مقتنعون بأنّ هذه الدولة قادرة على البقاء ومفيدة لهم. أغلب الظن أنّهم يميلون إلى إعطاء الكرد إمكانية تقرير مصيرهم وصولاً إلى تشجيعهم ودعمهم في إنشاء دولة كرديّة. دولة عرقيّة!
ولكن من المعروف أنّ القضية المركزية في المنطقة العربية تُسمّى القضية الفلسطينية. لم تُفلح جميع الجهود الدولية العصرية حتى الآن في وأدها . أعتقد أنّ إيقاظ العصبيات الدينية والمذهبية والعرقية، أي الرجوع إلى الماضي؛ التخلّي عن المعرفة والعلم والتفكّر وتفضيل الجهل، أن يجلس الأميّ مكان الأستاذ في الكلية، أو على شاشة قناة خليجية . أن يلاحقك رجل الدين في عملك، في منزلك، في سريرك، يتكلّم في مذياع ليل نهار . يندرج هذا كلّه في سيرورة بحث عن حل للقضية الفلسطينية عن طريق الصراع الديني وتحديداً «صراع الحضارات».
من كان يتخيّل أن تتغشّى القضية الفلسطينية بالدين وبالمذهبية الوهابية ؟ من كان يتخيّل أن يضع المسؤول الفلسطيني يده بيد أمير أو شيخ نفطي أو بيد أميركا ! من كان يتخيّل أن يسمع رجل دين يدعو الولايات المتحدة الأميركية عبر قناة خليجية إلى «أن تقف وقفة الرجال، كما وقفت في ليبيا ؟
من كان يتخيّل، أن تدّعي دولة إسرائيل «النموذجية» في نظر الغرب الاستعماري العنصري، دولة «الكيبوتز» الاشتراكية، أنّها ليست دولة اليهود فقط وإنّما هي «دولة يهودية»؟ فلماذا لا تكون مملكة آل سعود «مملكة إسلامية» تدور في فلكها ممالك وإمارات «ســنيّة»؟ .. ولماذا لا يلتحق «الشيعة» بالجمهورية الإسلامية في إيران؟ أليس الشرق مهد الأديان ؟ فليتّسع إذن لدولة «الدينية» .. ولتتأسلم القضية الفلسطينية، أو تـُغطـّس في الدم والنفط وتُحرَق !

http://www.sahat-altahreer.com/?p=13427