ثريا عاصي
شاءت المصادفة ومعجزة التواصل الإلكتروني أن أشاهد ندوة حوارية على قناة تلفزيونية عربية. كان عدد المشاركين ثلاثة لا يختلفون، بحسب ظاهر الأمور، في ما بينهم في الرأي. هذا ما استنتجته بعد مضيّ أربعين دقيقة تقريباً. فلقد جاء كل منهم بمقالة دبجها على الأرجح مسبقاً وحفظها، ما يدلّ على أنّ السؤال وصله قبل الندوة، وأنّ الإعلام في دنيا العرب لا يحيد عن نهج السلف الصالح ولا يردّد «إلا ما كتب الله لنا».
أوجز موضوع الحلقة: أعداؤنا وحلفاؤنا على ضوء «الانسحاب الروسي والانفصال الكردي» في سوريا تبارى المتحاورون الثلاثة في تبيان الفرق بين الحنطة والزؤان. هذا يشرح كيف يخدم التكتيك الاستراتيجي، وأنّ الحليف هو الذي تلتقي وإيّاه في الاستراتيجي، ولكن ليس بالضرورة أن تكون معه في التكتيك . الخطط التكتيكية متعددة، أمّا الأهداف الاستراتيجية فهي مشتركة، كمثل الطرق الدينية نحو الفوز في الآخرة ودخول الجنة!
ومحاور آخر راح يبيّن لنا أنّ التكتيك مرحلة دقيقة وخطيرة، وبالتالي فالرأي عنده هو أن يتوافق الحلفاء على خطة تكتيكية واحدة، فلا يفترقوا لا في التكتيك ولا في الاستراتيجي.
أمّا المحاور الثالث، فلقد زاد الطين بلّة عندما قال لا فرق في نظره بين التكتيك والاستراتيجي. فالذين يتعلّلون بالتكتيك لتبرير مواقفهم وسلوكهم الغامضة، إنّما هم يعبّرون بذلك عن أنّهم متذبذبون!
بصراحة أدهشني ما سمعته إلى حدّ الذهول، سألت نفسي عن الفائدة التي يجنيها المتلقّي السوري المسكين من هذا الحوار النظري، البعيد عن الواقع الملموس؟ لماذا نفترض أنّ لدى الروسي نيّة في عدم الالتزام بالمواثيق التي تربطنا به؟ ولا نشكّك في نوايا الأميركي، بل نتمنّى دائماً صداقة هذا الأخير وننتظرها، بين عدوان يشنّه علينا وآخر يستعدّ له؟ لماذا يُظهر بعض العرب خوفاً كبيراً من إيران إلى حدّ أنّهم باتوا يبرّرون التحالف مع المستعمرين الإسرائيليين، ويقرعون طبول الحرب ضدّ إيران والشيعة والتشيّع، كأنّهم عروبيّون أكثر من الشيعة وإسلاميّون أكثر منهم ! هم الذين اعتدوا على إيران، طيلة ثمان سنوات ونيّف، بالوكالة عن الولايات المتحدة الأميركية وأعوانها الأوروبيين، فاستهلكوا العراق حتى العظم؟
مجمل القول وقصاراه أنّه ليس من حاجة إلى فذلكات بيانية لا تُسمن ولا تُغني من جوع للدلالة على الأعداء والتشكيك بالحلفاء. أعداء الشعوب العربية هم أعداء جميع شعوب الدنيا، أي الإمبريالية الأميركية وأعوانها الأوروبيون. أمّا الأعداء الرئيسيّون للشعوب العربية فهم المستعمرون الإسرائيليون. ينبني عليه أنّ مصلحة هذه الشعوب تقتضي أن تناضل ضدّ هؤلاء الأعداء وضدّ الذين يتجنّدون في خدمتهم. باختصار، إنّ الموقف الصحيح هو أن تكون في مختلف الأحوال ضدّ الولايات المتحدة الأميركية!
أخيراً، لا منأى عن القول أيضاً، إنّ الولايات المتحدة الأميركية تكذب، وتفعل دائماً عكس ما تقول. فعندما نسمع أنّ الكرد قرّروا الانفصال في سوريا، وأنّ الولايات المتحدة الأميركية سارعت إلى الإعلان عن رفضها لهذا القرار الكردي، أغلب الظن أنّ هذا يعني أنّ الولايات المتحدة الأميركية هي وراء هذا القرار، وأنّها تؤيّده وسوف تحاول استخدامه أو تسويقه في إطار تسوية أو صفقة تريد الوصول إليها في سوريا.
وأخشى ما يُخشى أن تكون الولايات المتحدة الأميركية قد كذبت أيضاً في موضوع «داعش»، فهذه صنو طالبان في أفغانستان، وصنو تنظيمات القاعدة التي تنبت في أوساط المُعدمين والمنبوذين في الأرض كمثل الفطر . ليس مستبعداً أن تكون قد أمرت التابعين لها ومعاونيها بالتسليم بأنّ هذه الكذبة هي الحقيقة، والتصرّف على أساس ذلك . ما أودّ قوله، بكلام صريح وواضح، هو إنّي أميل إلى الاعتقاد بأنّ مسألة «داعش» هي خدعة أميركية الغاية منها تغطية انفصال المحافطات العراقية الشمالية والغربية وانقسام الجيش العراقي الجديد، لتقوم عليها «دولة كردية» إلى جانب «دولة سنيّة»، بين مدينة الموصل العراقية على دجلة ومدينة الرقة السورية على الفرات!
:::::
“الديار”