السيناتور الأميركي والمعصوب بخرقة سوداء

ثريا عاصي

كلما فكرت بالحرب التي تتعرض لها سورية والعراق ولبنان، أي كل يوم، أتذكر صورة يظهر فيها السناتور الأميركي ماكين على الأراضي السورية، التي دخلها دون إذن من سلطاتها الشرعية، يقلد مقاتلاً عصب رأسه بخرقة سوداء، تتخذها «داعش» وتنظيم «القاعدة» في سورية راية لهما . بصراحة، لم يقع نظري على مقال أو وثيقة يمكن من خلالها أن نستشف أفكار هذا السيناتور الأميركي، عن الإسلام وماذا تعني له «الشهادة» المرقومة على خرقة المعصوب، مثلما هي مرقومة خرقة «داعش»!

أن الصورة تختزل الحرب الأميركية على بلاد العرب . أميركا، خرقة «داعش»، ومقاتل يبدو من ملامح وجه أنه مجند مأمور عسكري . لا أعتقد أنه تبادل الحديث مع السيناتور الأميركي . الثوري ليس مجنداً أو مأموراً، يكون الثوري عادة ثرثاراً ومن مزاياه الرئيسية أيضاً أنه ينفر من ممثلي الإدارة الأميركية !
ترتجع هذه الخواطر أمامي، صوراً عن الحرب اللبنانية، 1975 ـ 1976 . كان جل مقاتلي الحركة الوطنية اللبنانية من معلمي مدارس، طلاب ثانويون وجامعيون . كان بينهم أساتذه جامعيون ومفكرون. أذكر هنا المناضل الشيوعي مهدي عامل، المفكر الشيوعي حسين مروة . كان بينهم فنانون كمثل مارسيل خليفة الذي غنى قصائد محمود درويش الفلسطيني منها «أحمد العربي» ! وغنى قصيدة عباس بيضون «يا علي». أذكر أيضاً كمال جنبلاط الذي أفلت في يومه «الأرز من حراسه ومشى «في قصيدة شوقي بزيع، وأغنية مارسيل خليفة جبل الباروك!
ما أود الإشارة إليه من خلال ما تقدم، هو هذا الفارق، في المضمون والشكل معاً، بين حرب السنتين في لبنان من جهة والحرب السورية من جهة ثانية. بصرف النظر عن موقف واحدنا من الحركة الوطنية اللبنانية، فإن هذه الأخيرة كانت تحمل برنامجاً، رسالة، إحتوت على مادة فكرية كان القصد منها معالجة مأزق القضية الوطنية اللبنانية، بالإضافة إلى التأكيد على العلاقة المباشرة التي تربط بين المأزق الوطني وبين القضية الفلسطينية. نشأ آنذاك كما هو معروف، تحالف «عربي» ضد الحركة الوطنية اللبنانية. التي تم إقصاؤها بالقوة . هذا موضوع لست بصدده هنا.
أعود إلى الحرب في سورية التي يبدو أنها بدأت تنتهي، وان الامور تأخذ منحى يذكرنا بحرب تموز في لبنان سنة 2006. بمعنى آخر يبدو أن الأميركيين إقتنعوا مثلما اقنتعوا في تموز 2006، أن هزيمة سورية صعبة، اللّهم إلا إذا قرروا قتل جميع السوريين في سورية، بل صارت مستحيلة بسبب التدخل الروسي . هذا يعني أن الولايات المتحدة الأميركية لم تنتصر ولكنها لم تهزم . ما هي شروط توقف الحرب «هدنة» او «صلح»؟ أو صلح مموه بهدنة ؟ قوات دولية في الشريط الحدودي، جنوباً؟ قوات كردية في الشريط الحدودي شمالاً ؟ دولة العراق والشام، شرقاً بين الرقة والموصل، مطهرة من داعش؟ من يطهرها من «داعش»، على إفتراض أن هذه الأخيرة توجد فعلياً وليست من أشباح الليل. ومن يدري فقد تكون غشاء جرى خلفه تقسيم العراق، أو استيلاده دولة «ترضي» آل سعود والمستعمرين الإسرائيليين معاً!

:::::

“الديار”