أ.د. محمد أشرف البيومي
أستاذ الكيمياء الفيزيائية بجامعة الإسكندرية وجامعة ولاية ميشيجان (سابقا) 27 مارس 2016
فرحة كبيرة بانتصار عظيم له دلالات هامة ومتعددة
منذ بداية الأزمة السورية ونحن ندرك من وراءها وما هي أهدافها الحقيقية. فلم نتردد لحظة واحدة للوقوف بوضوح وبقوة مع المناصرين للدولة السورية والمدافعين عنها لكونها الحصن الأخير في وجه مآرب الكيان الصهيوني والإمبريالية والرجعية العربية. لم نخدع أنفسنا بماهية الرجعية العربية ودورها المخرب والمتحالف مع أعداء الأمة العربية. فدروس التاريخ السابقة والاحداث المعاصرة وموضوعية التحليل التي تمنع اختزال الأمور في جانب واحد كانت من أهم العوامل التي منعت الانخداع والجري وراء شعارات زائفة أو مغرضة.
نعم اليوم التي تحررت فيه تدمر هو عيد لكل الوطنيين والصامدين والمقاومين وليس عيدا للمتآمرين والمنخدعين. تقفز إلي الذهن فورا شخصية رائعة، د. خالد الأسعد، الذي دافع عن أثار تدمر ليس باعتبارها حجارة كما يظن الجهلاء وإنما رمزا لعراقة تاريخ سوريا وعظمتها عبر القرون. ضحي بحياته فأصبح بحق شهيد الانسانية والتصق اسمه دائمأً بتدمر فألف تحية لذكراه الحية والمجيدة.
نقرأ صحف اليوم الأمريكية مثل الواشنطن بوست والنيويورك تايمز فنجد تقاريرها المتطابقة لكونها من مصدر واحد. فنجدها لا تخفي شعور التململ الذي يقارب الاستياء والحيرة والارتباك في عرضها لتحرير تدمر (بالميرا) فالعناوين في كلتا الصحيفتين تقول” سوريا تدعي(تزعم) تحرير تدمر” رغم صورة القلعة التاريخية المصاحبة للتقرير التي تظهر علم سوريا بنجومه الخضراء علم الجمهورية العربية المتحدة يرفرف بجوار القلعة ويرفعه أبطال من الجيش العربي السوري الذي وصفته الصحيفتين “بجيش بشار الأسد” في محاولة فجة لتغييب الشعب السوري وتفكيك المنظومة المنتصرة وهي رئيس وطني صامد وجيش شجاع وشعب مؤازر وحلفاء أوفياء.
نعم اليوم عيد سعيد ومن حقنا جميعا أن نحتفل دون أن نتصور أن الحرب قد انتهت ودون أن ننتقص انتصارات عظيمة سابقة مهدت لهذا الانتصار في تدمر الذي له دلالات هامة في توقيته وفي أبعاده السياسية والاستراتيجية والمعنوية، نعرض باختصار بعضها:
- يتزامن تحرير تدمر مع لقاءات جنيف فأشعر بالأسي وقليلا من الشفقة نحو المعارضة المنحرفة المتورطة والتي لا تملك قرارها. كم هو مخجل أن نري مواطنين عرب يتبنون مواقف الأعداء ويأسفون لانتصار وطنهم سوريا وفي نفس الوقت يطالبون ببلاهة تنحية الرئيس، رمز الانتصار. يبدو اننا لازلنا بصدد مسرح اللامعقول أو تمثيلية هزلية سخيفة فتدمُر دمًرتَ بقايا أوهامهم فليس هناك سبيل إلا الإمعان في الانحراف والتمسك بتمنيات مستحيلة وافتراضات غبية مثل “تنحية بشار مفتاح السلام” وكأن الشعب السوري (الذي تزعم معارضة الرياض أنها تمثلهم) غائب تماما ولا وجود له . تبددت أوهام عديدة بدأت بلقاء رمز العدوان السفير الامريكي فورد، وأسبوع “الحماية الدولية” ورفع علم الانتداب الفرنسي وسراب جيش سوريا “الحر” والتنبؤ بسقوط النظام الوشيك، والتغني بدعم أصدقاءهم من الحكومات الأمريكية والتركية والقطرية والسعودية والاردنية و حكومة محمد مرسي الإخوانية بمصر.
- قلنا مراراً أن الوضع الميداني هو الحاكم وأنه من العبث فصل ما هو سياسي وما هو عسكري، فاهو الانتصار يغير المعادلة سياسيا وعسكريا ومعنويا وإعلاميا لما لتدمر من منزلة عالمية وتاريخية معروفة. تحرير تدمر يعطي دفعة معنوية هائلة للشعب و للجيش الوطني سيكون له دور في انتصارات تالية في دير الزور والرقة ولو تداعيات سلبية كبيرة علي الارهابيين وحلفائهم. كما أنه يثبت ويعمق وضع الدولة ومؤسساتها وقياداتها.
- علَم الدولة السورية علي قلعة تدمر له قيمة إعلامية دولية هائلة ، فيجيء كاشفا للحقائق، ويذكِر الجميع أن الذي يحارب داعش والإرهاب هو الجيش السوري رغم الدعايات الكاذبة. يطرح كل هذا تساؤلا هاما ليس في الغرب وحده بل في الدول العربية، فإذا كان الجيش السوري هو القوة الأساسية التي تحارب وتنتصر علي داعش فلماذا يحارب الغرب هذا الجبش إذا كان هدفه محاربة الإرهاب؟ ولماذا لا تؤيد دولا عربية هذا الجيش وهذه الحكومة؟ لا ننتقص لحظة واحدة دور الحلفاء المقاومة اللبنانية بقيادة فارسها المنتصر سيد نصر الله ولا دور الطيران الروسي ودعم بوتن رغم حملات التشكيك التي لا تتوقف، ولكن كما قال أخيرا ماتوزوف المحلل الروسي انه لولا تماسك الجيش السوري وأدءه المشرف لما نفعت المساعدات.
- لا شك أن هذا الانتصار يفتح آلاف العيون والأذهان نحو الحقائق وأن الدولة السورية قوية وصامدة في وجه العدوان الآثم وأنها تدافع عن الآمة العربية كلها لاستئصال الإرهاب والدفاع عن استقلال الإرادة العربية وسيدة الوطن العربي رغما عن الحكومات المتخاذلة أو المتأمرة. نعم إن التأييد الشعبي العربي لا بد وأن يتصاعد نتيجة تحرير تدمر ومع توالي الانتصارات.
- سيجلب الانتصار مزيدا من الخزي لآل سعود ونظامهم ليس فقط لدورهم المشين في سوريا، بل أيضا لعدوانهم الاجرامي علي شعب اليمن وعلاقاتهم التاريخية الآثمة مع أعداء الأمة العربية المتمثلة في الامبريالية العالمية (بمكونها الأمريكي والأوروبي) والصهيونية وتوابعهم العرب.
- انهيار أوهام أردوغان حليف الناتوالتي بدأت بفشل الاخوان المسلمين في مصر وتونس وتقلص دور تركيا فلا هي أصبحت قريبة من انضمامها للاتحاد الأوروبي، ولا هي حافظت علي علاقات جيدة مع جوارها العربي.
- مزيد من تخوف الكيان الصهيوني وتوتر مغتصبي فلسطين. فسوريا والمقاومة يشتد عضدها وهذه مجرد البدايات. فاستمرار الكيان الصهيوني ليس أبديا أو حتميا.
- لم يصبح السعي للنصر هزلا أوخيالا في ذهن حالمين يتندر به البعض بل واقع أصبح ممكنا عندما تنوفر له العوامل اللازمة.
- حتمية هزيمة الارهاب تقترب وإدانته تتسع وإمكانية دحره تزداد.
- تبددت سخافات كثيرة علي رأسها اعتبار حزب الله إرهابيا وأصبحت مواقف وزراء خارجية عرب مخجلة حقا لمن وافق عليها.
- تعمقت مهزلة “عملية السلام” وتبدد سرابها للمخدوعين وتلاشت مصداقية قيادات فلسطينية التي سوقت منهج أوسلو وأخري إخوانية انخرطت في انتخابات تحت رداء أوسلو والاحتلال ثم طعنت الحكومة السورية في ظهرها وارتمت في أحضان حكام قطر المتآمرين علي سوريا، بدلا من الوفاء لها لاحتضانها ودعمها لهم ولصمودها المبدئي.
- صعدت وتعمقت حقائق هامة أن ديمقراطية رأس المال ليست ديمقراطية وأن اختزال الديمقراطية في صندوق الانتخاب وهم وخداع كما أنه لاحرية لمواطن في وطن غير حر أومسلوب السيادة.
- برزت ضرورة ملحة وهي تصعيد الدور المحوري المصري والتراجع عن الانجرار في الفلك السعودي. رغم أن مساهمة مصر في الحرب الاجرامية علي اليمن هامشية ولكنها خاطئة فالموقف الصحيح هو إدانة العدوان. لا يكفي أن تؤيد مصر وحدة سوريا وفاعلية الدولة السورية وأن تؤيد الدور الروسي رغم معارضة السعودية بل لا بد من تأييدا للحكومة السورية أكثر وضوحا وقوة فالإرهاب الذي يهددنا في مصر هو نفسه الذي يهددنا في سوريا كما أصبح لزاما أن يمحو الرئيس السيسي جريمة الإخوان بسحب السفيرالمصري وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة ونشطة.
- نعم هوعيد علي الأمة فألف مبروك وهنيئا لكل من ساهم في هذا الانتصار العظيم