والكلفة من شعوب العالم
عادل سمارة
بعد ان كانت تركيا منشغلة في ذاتها الداخلية وخاصة في ثمانينات وتسعينات القرن العشرين، وكان تعاملها مع الكيان الصهيوني عميقاً ولكن دون ضجة، وكذلك دورها في حلف الناتو الدموي، انتهت تركيا في القرن الحالي إلى أداة تخريب وإرهاب لصالح الأطلسي والكيان. وهذا الدور موجه بالضرورة ضد العرب وروسيا كما كانت سابقا،وإن بوضوح أقل.
قرار امريكا مؤخرا، بيع الإخوان المسلمين لصالح الحليف الكمبرادوري العربي شبه العلماني ازعج اردوغان، فقام بمشاكسات لأمريكا دفعها إلى التلويح له بتحريك جيشها (التركي-الأمريكي) بالانقلاب عليه.
يبدو أن اللقاء بين اوباما وأردوغان قد دفع الأخير لتقديم أختام الركوع التام للوحشية الأمريكية. وبهذا يقومان من بين ما يقومان به بإنقاذ إدارة التوحش الداعشية لا مباشرة.
إن أشد ما يصيب إدارة اوباما بالهلع ومعها اوروبا الغربية هو تقدم الجيشين السوري والعراقي في الجبهات ضد داعش وبقية فصائل الإرهاب.
لذا، صرح اردوغان ان هناك 18,000 ارهابي جاهزون لقتال داعش في سوريا و 600 آخرين. وهم حقيقة ضد سوريا. فإدخال أي عنصر إلى سوريا هو ضدها خاصة وهي تتقدم ضد الإرهاب من جهة وآتون من تركيا من جهة ثانية.
وهو التصريح الذي لاقته امريكا المتوحشة في منتصف الطريق بانها سوف تدربهم. وطبعا التمويل والتسليح من النفط العربي الذي يحتله آل سعود.
بهذا يتم تطويل الحرب على سوريا وتخفيف الضغط عن الإرهابيين الدوعش. ويتضح التخفيف بقيام مجموعات ارهابية أخرى من التي بايعت الروس في حميميم على الهدنة، باستئناف التخريب والعدوان على الجيش العربي السوري.
وكل هذا استئناف الدور تركيا كأداة للأطلسي وللصهيونية . فتركيا تقوم بدور قيادي في العدوان على سوريا، وفي نفس الوقت تحتل جزءا جديدا من العراق، وتتهم الحشد الشعبي العراقي بأنه شيعي طائفي. وتستجدي في الوقت نفسه رضى الكيان الصهيوني وأعادت دفىء العلاقات معه دون ان يعتذر لمقتل اتراك سفينة التضامن مع غزة.
ولتقديم خدمة مباشرة للتوحش الأمريكي، تقوم تركيا بتفجير الصراع بين اذربيجان وأرمينيا مجدداً، وفي هذه الفترة بالذات كي تضرب خاصرة روسيا من الجنوب وتشغلها عن سوريا قدر الإمكان إلى جانب قيام الفاشيست الأوكرانيين بإشغالها من الاتجاه الأوروبي.
هذا التعدد في الجبهات التي تفتحها تركيا لا يعني ان تركيا امبراطورية تدير عدة جبهات حرب في آن بل أن تركيا جندرمة عند الإمبراطورية الأمريكية.
إن تركيا السُنية، التي تواجه الحشد الشعبي العراقي الذي تتهمه بالشيعية، هي التي تدعم اذربيجان الشيعية ضد ارمينيا! الأمر لا يمكن تغطيته بمزاعم طائفية هذه المرة، ولا دينية لأن تركيا المسلمة حليف وضع لأمريكا المسيحية وللكيان الصهيوني. فهل هو غير مصالح الراسمالية الأمريكية وتابعها الترك؟
ولا شك أن تمويل العدوان الأذري سيكون من الخليج وخاصة السعودية قيادة الإرهاب السني. فهل يفهم البسطاء أن الدين الإسلامي بل الشيعة والسنة أدوات يتم استخدامهم لصالح الراسمالية الأمريكية وتوابعها؟
صار واضح تماما ان عضوية تركيا في الأطلسي هي ان تقاتل تركيا (باسم الإسلام) في اي مكان نيابة عن راسمالية الوحش الأمريكي وكل الغرب ، نيابة عن الأطلسي. أي ضد سوريا والعراق وارمينيا، وفي ليبيا وفي مصر عبر الإخوان. وفي فلسطين عبر علاقتها بالكيان الصهيوني.
هذا كما يبدو ثمن إعادة تشغيل اردوغان عند امريكا.
الحرب على ارمينيا لها عدة مغريات لتركيا وأمريكا. تركيا لم تشبع من الدم الأرمني بعد قرن كامل، هكذا نظراً للنازية المتعمقة في الطورانية ولها مصلحة ضد روسيا وخاصة بعد الضغط الروسي عليها مؤخرا ووقوف روسيا مع سوريا. والوحش الأمريكي لا يمكنه رؤية اي شبر في العام هادئا، فكيف إذا كانت هناك فرصة لإرباك روسيا كي يتعرقل دورها في سوريا بشكل خاص. والسعودية تفتح فخذيها لأمريكا حتى آخر درهم.
من جهة اردوغان، فهو كي توقف امريكا مشروع الانقلاب العسكري ضده، ولكي تخفف احتضانها لشريكها الصهيوني الصغير في كردستان سوريا فهو مستعد لاعتصار الميزانية التركية لتلبية الطلب الأمريكي ضد روسيا وإشباع النهم لدم الأرمن. وكل هذا إضافة إلى دور تركيا ضد العراق وسوريا ومصر.
هنا يكون السؤال: من اين لأمريكا تمويل حرب اذربيجان نظرا للأزمة الاقتصادية المالية الأمريكية، ونظرا لتازم الوضع الاقتصادي التركي، ونظرا لتضعضع الخزينة السعودية بسبب مذبحة اليمن؟
إذن لا بد من جباية على مستوى عالمي أي تأميم أممي لتكاليف العدوان الإمبريالي ضد هذه الدولة او تلك، ويكون ذلك برفع سعر النفط كما يبدو مؤخرا قرابة عشرة دولارات للبرميل.
وهذا سيقدم للسعودية والخليج دفعة مالية تتحول بالطبع لتمويل الحرب التي تقودها امريكا وخاصة إلى شركات السلاح الأمريكية التي هي العامود الفقري المتبقي للاقتصاد الأمريكي فلا بد من حرب ليبقى الاقتصاد الامريكي واقفا ومُعملا سيفه في رقاب الأمم. .ستدفع شعوب العالم ثمنا اعلى للبرميل كي تمول امريكا حروبها.
قد يقول البعض لكن هذا الرفع يفيد روسيا، وهذا صحيح، ولكن هذه الإفادة تحترق في تكاليف الحرب الدفاعية الروسية بل وتسمح للغرب بالقول للروس بان الدولة تنفق اموالكم في الدفاع عن سوريا وارمينيا! وتندرج في هذه الحرب الغربية الرأسمالية ضد روسيا ما تسمى “فضائح وثائق بنما”.
إن رفع النفط دولارا واحدا وعلى الدوام يرافقه تحريض ثقافي عن شراهة وجشع العرب! دائما ارتفاع سعر النفط منسوب الى العرب ! ومما يجعل هذا الأمر سهل المرور إلى الأذهان أن طريقة إدارة حكام النفط العرب هي طريقة ضد أمم العالم لأنها تسخرها لنفقات حروب الإمبريالية على العرب وغير العرب من جهة، وذات توجه استهلاكي متوحش من جهة ثانية.
وأخيرا، هل اتضح جيداً أن الصراع في سوريا والوطن العربي والعالم أساسه مصالح اقتصادية لراس المال العالمي وليست مسألة دينية ولا طائفية؟