ثريا عاصي
تتوالى تحرّشات آل سعود الاستفزازية في لبنان… ففي الأشهر القليلة الماضية حوسب اللبنانيّون على «تحفّظ» وزير الخارجية باسم حكومة بلاده عن وصم المقاومة التي تصدّت للإسرائيليين أثناء الاحتلال بالإرهاب، فتبخّرت «المكرمات» الموعودة، وأُبعد مهاجرون لبنانيون من بلاد نجد والحجاز ومن البلدان الخليجية الأخرى بتهمة التعاطف مع المقاومة. وأخيراً لم يبقَ أمام آل سعود سوى الكشف عن نياتهم الحقيقية اتجاه لبنان والبوح بأنّهم لا يعترفون بوجوده ككيان وطني وكدولة، فلم يكذّبوا سياسة الحكومة وإنّما اختاروا علم البلاد، أي الرمز، ووصفوه بالكذبة!
نذكر في هذا السياق أنّ «الثورة» في سورية، وهي من وجهة نظري سعودية الجينات، حاولت منذ اليوم الأول تبديل علم البلاد مثلما فعلت ذلك «الثورة» في ليبيا. عندما نرى نتائج هذه «الثورات» والدور الذي تضطلع به مملكة السعوديين فيها، يحق لنا أن نتساءل عن المصير الذي يريدون دفع لبنان إليه.
لا أقلّل طبعاً من الحضور الإمبريالي الأميركي ـ الأوروبي في هذه «الثورات»، بل أعتبره شخصياً محرّكاً أساسياً لما يجري، الذي يمكن تلخيصه بمساعدة وتشجيع آل سعود، علماً أنّ هؤلاء مرتهنون ومستلبون للإمبريالية في بسط نفوذهم على بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام. بكلام صريح وواضح، إنّنا حيال سيرورة «تُسمّى ثورة أو ربيعاً»، هي في جوهرها «فتوحات» انطلاقاً من شبه جزيرة العرب، شبه المستعمرة الأميركية. «فتوحات» المرتَهَن تحت حماية المرتهِن الأميركي وبوساطة سلاح منه، مقابل النفط والهيمنة!
أعود إلى مسألة العلم اللبناني الذي يعتبره آل سعود «كذبة». أعتقد أنّ اللبنانيين على اختلاف أهوائهم ومشاربهم يعون جيداً أنّ الدولة والنظام الذي تأسّست عليه هما كذبة ورثوها عن المستعمر. ولكن ظروف الهيمنة الدولية وأدواتها في المنطقة حالت دون بناء وطن لبناني حقيقي. مهما يكن فإنّي لا أرى أنّ مملكة آل سعود هي حقيقية أكثر من الكذبة اللبنانية!
أكتفي بهذا الاستطراد في موضوع المقارنة بين كذبة الدولة في لبنان من جهة، وكذبة مملكة آل سعود في بلاد الحجاز، مهد الرسالة المحمدية من جهة ثانية. فالموضوع يحتاج إلى تفاصيل وأنا لست بصدده هنا. ما يهمّني في الواقع من هذا كلّه هو التفكّر في المقاصد التي يرمي اليها آل سعود في لبنان. لا بدّ في هذا السياق من التذكير بأنّي على يقين من أنّ الهدف الأساسي من وراء ما نلاحظه من مكر وخداع وكذب، هو التمهيد لتهديم لبنان على رؤوس اللبنانيين جميعاً، لعلّ ذلك يمكّن الأفاّكين من التخلّص من حزب الله ومن المقاومة التي يقودها هذا الأخير، خوفاً من صيرورة بدأت من الصمود السوري، من المحتمل أن تـُسرّع في تحوّل المقاومة من مقاومة فئة شعبية نهضت دفاعاً عن النفس وعن الأرض التي احتلها المستعمر إلى جبهة وطنية وقومية مناهضة للاستعمار ومعاونيه وأتباعه في لبنان، وفي كل مكان في بلاد العرب وخارجها. ففي كل لبناني في جنوب لبنان وطنيّ تقدّميّ. يكفي أن نراجع تاريخ الأحزاب السياسية الوطنية العلمانية القومية والاشتراكية والشيوعية على حدّ سواء، يكفي أن نراجع أيضاً تاريخ حركات المقاومة الفلسطينية، من حركة فتح إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين !
لم ينطلِ افتراء وكذب آل سعود على أغلبية اللبنانيين والسوريين، بالضدّ ممّا توحي به مظاهر الأمور ومباهاة الانتهازيين من مثقفين وتجار بالدين والسياسة والشعوب والأوطان. لا غلوّ في القول إنّ ما تتعرّض له بلاد الهلال الخصيب منذ عقدين ونيّف من الزمن هو في جوهره «فتوحات عسكرية» متتالية، أو بالأحرى تحت عناوين مختلفة، بدأت بالغزو الأميركي للعراق، تشبه إلى حدٍّ ما بعض الحروب التي جلبت في الماضي الويلات على هذه المنطقة، باسم الدين كمثل «الحملات الصليبية» و«الغزو المغولي». لا أجد حرجاً في تسمية المرحلة الراهنة بـ «الفتح السعودي»!
القاعدة الأميركية، السلاح الأميركي الذي يتمّ شراؤه بكميات كبيرة واستخدام الدين، ثلاثة عناصر رئيسية تغذّي هذا الفتح السعودي وتمدّه بأسباب قوته .
اتّضحت الآن الخطة المرسومة لسيرورة «الفتح السعودي». إنّ تصفية النفوذ الإيراني هي من مستلزمات الهيمنة على بلاد العرب. ينجم عنه أنّه لا غنى عن الدعم التركي، ولا سيّما أنّ لتركيا مصلحة في إقصاء إيران، بناءً عليه أفتى السعوديون بأنّ الإيرانيين « ليسوا مسلمين»، وأنّه لا يحق لهم أن يكونوا مسلمين. الأتراك بلى ! يستتبع ذلك أنّ «الشيعة» العرب الذين ينصرون إيران وإيران تنصرهم، هم في نظر آل سعود مارقون مرتدّون. تأسيساً عليه، تتطلّب تصفية النفوذ الإيراني في بلاد العرب محاربة «الشيعة» المرتدّين أو الانفصال عنهم. التهجير أو التقسيم، أو التهجير والتقسيم معاً. من البديهي أنّ وراء الأكَمة ما وراءها. ترافقت كذبة آل سعود مع اشتعال حرب في مخيم اللاجئيين الفلسطينيين في عين الحلوة في ضاحية صيدا، ليس مستبعداً أن تكون الغاية منها هي إخراج اللاجئين منه وتشتيت شملهم، وأيضاً مع اندلاع حرب ثانية في جرود البقاع. الثابت أنّ آل سعود يريدون إلغاء حق العودة إلى فلسطين ومنع مقاومة المستعمرين الإسرائيليين.