الهدنة و…اللامحرّمات

ثريا عاصي

توافق الروس والاميركيون في شهر 20 شباط 2016 على أن يطلبوا من حلفائهم وأصدقائهم في سورية أن يحترموا هدنة عسكرية، وأن يتيحوا الفرصة لممثليهم إلى المباحثات التي تنظمها الأمم المتحدة في جنيف، لعلهم يتوصلون إلى حل سياسي يلائم الأفرقاء الذين يتحاربون على الساحة السورية.
يبدو أن هذه الهدنة، خرقت في الأيام الأخيرة. ومن المحتمل أن تكون قد سقطت نهائياً، وعاودت حمى الحرب إلى المدينة السورية العربية العريقة حلب. التي خطرت بالمناسبة على بال رئيس الوزراء السوري السابق السيد رياض حجاب، الذي انضم مؤخراً إلى السعودية بعد أن قدم طيلة سنوات عديدة خدمات ليست جليلة لبلاده سورية . قال السيد حجاب على ذمة وسائل الإعلام، ان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لن يتخلى عن مدينة حلب!
تناهى في المدة الأخيرة، طبعاً استناداً إلى وسائل الإعلام، أن الروس يعتقدون أن السلطات التركية مدّت رغم إعلان الهدنة، جماعات المتمردين في شمال سورية بحوالى خمسة آلاف مقاتل. في المقابل نقل عن صالح مسلم، المعروف أنه قيادي على رأس جيش من الأكراد، تتعهده الولايات المتحدة، أن هذا الجيش يستعد لتحرير الرقة، ولكنه سيمنع الجيش العربي السوري من دخولها. بكلام آخر ان القيادي الكردي ينوي ضم الرقة، إلى دولته أو إمارته الكردية، التي ستكون في أغلب الظن مرتبطة بالولايات المتحدة الأميركية بعلاقة التبعية!
يفهم من وسائل الإعلام أيضاً، أن جماعات المتمردين في حلب، وهي من الجماعات التي تعتبرها الولايات المتحدة الاميركية لا إرهابية، فتموّنها وتموّلها مباشرة أو عن طريق وكلائها في تركيا والسعودية وفي أوروبا، تبادلت القصف المدفعي مع القوات الحكومية، في داخل مدينة حلب . نتج عن ذلك، سقوط قتلى من المدنيين، فضلاً عن وقوع خسائر في الأبنية وفي البنية التحتية . طبعاً تختلف الروايات باختلاف المصادر، إذ من المعروف ان الإعلام الغربي يتولى من وجهة نظري «الخبر والدعاية» في جانب المعارضة من التصنيع إلى التسويق . لا شك في ان الإعلام السوري، يحاول أن يتصدى لهذا النشاط الإعلامي، ولكن في هذا المجال، كما في المجال العسكري، نحن حيال حرب إعلامية ونفسية غير متكافئة. هذا لا يعني انه لا جدوى من المقاومة. فما أود قوله ان إعتراض العدو يتطلب خلق ظروف تمنعه من الإستفادة من تفوقه العسكري والدعائي.
ما يثير العجب في هذا السياق هو الضبابية التي تلف كما يخيّل إلي، الحروب والمنازعات الدائمة في دنيا العرب، حيث تكاد لا تميز الإقتتال الداخلي على السلطة بين القبائل والطوائف والأحزاب، من الحروب التي يشنها المستعمرون بقصد الإستيلاء على الثروات الطبيعية أو فيما يخص المستعمرين الإسرائيليين بغية الاحتلال والتوسع. أنا لا أذكر منذ أن اكتملت هزيمة العروبة في تشرين أول 1973 حرباً وقعت في بلاد العروبة المنكسرة، لم تشارك فيها الولايات المتحدة الأميركية أو بريطانيا أو فرنسا أو إسرائيل، بشكل أو بآخر.
لا أعتقد أني أجازف بالقول إن الحكومات في البلاد المشار إليها، تمارس في أوقات «السلم» سياسة قمعية شديدة ظالمة ضد المعارضين، في حين انها تنتهج سياسة تسامحية، تصالحية تجاه خصومها أثناء الحرب. أظن أن مرد ذلك عائد إلى عدم إدراك معنى الوطن والشراكة الوطنية. إن السلطة السياسية في البلاد العربية تخشى أكثر ما تخشى لجوء خصومها إلى أحضان المستعمرين القدامى والجدد ومن ضمنهم المستعمرين الإسرائيليين. ليس هناك محرمات في هذا المجال! ينجم عنه انه يكفي أن تجد الجماعة المعارضة أو المتمردة عرّاباً غربياً يأخذها تحت رعايته حتى تصير ذات حصانة دولية! فتتوالى جلسات مجلس الأمن، حتى يموت أكبر عدد من أهل البلاد تحت الركام أو غرقاً في مياه البحر، وحتى تنضج «القضية»، تمهيداً للبحث في جنيف عن حلول واتفاقيات وخطوط هدنة جديدة!
هذا يقودنا، أي نهج هذه السياسة التسامحية، إلى موضوع الهدنة. عندما تكون الحرب دائرة بين طرف قوي في مقابل طرف ضعيف، لا أعتقد أن الهدنة في مثل هذا الوضع تكون في صالح الأخير، بل بالضد من ذلك، هي بالقطع في غير صالحه، قل انها ستزيده ضعفاً على ضعف!
تقع الحرب عادة بين عدوين . أما إذا وضعت أوزارها جعل المتحاربان بينهما حدوداً فاصلة أو جداراً أو خطاً أزرقاً كما في لبنان على سبيل المثال، أو قوات دولية بأعداد كبيرة، تأخذ مواقع لها عادة على أراض الدولة الضعيفة المنكسرة، كما هي الحال بين الدول العربية وبين إسرائيل . تأسيساً عليه فإن إشكالية الأوضاع في سورية ناتجة عن ان الحرب تدور على الأرض السورية، في داخل سورية، بين سوريين يدافعون عن بلادهم من جهة، وبين سوريين مزدوجي الإنتماء من جهة ثانية، سوريون ـ سعوديون، سوريون ـ أتراك، سوريون ـ أكراد، سوريون ليسوا سوريين الخ…
ينبني عليه انه من الصعب أن نتبين بدقة على الجبهات العديدة في سورية، الفريق الأقوى من الفريق الأضعف، حتى نشخص تأثير الهدنة على هذا الأخير وما يمكن ان يترتب عن ذلك. هذا من ناحية، أما من ناحية ثانية فانه يحق لنا أن نتساءل عن احتمالية توزيع الجغراقيا السورية في نهاية هذه الحرب. كيف سيرسم الخط الأزرق، أو الخطوط الزرقاء؟ أين سترابط القوات الدولية؟ من سيخرج من سورية ومن سيبقى؟؟!

:::::

 “الديار”