النكبة مستمرة ماالعمل؟

بقلم: الدكتور عصام السعدي

 

في الاطار التاريخي السياسي

     لقرار تقسيم الجغرافيا الفلسطينية

          وإقامة دولة الكيان الصهيوني

 

     لما صدر قرار تقسيم فلسطين، في (29/11/1947)، كان سمير الرفاعي رئيساً لحكومة اللك عبدالله، وكان الملك عبدالله مضطراً للبحث عن شخصية قوية ، تعينه عن تنفيذ المخطط البريطاني- الصهيوني – الهاشمي، الخاص بفلسطين، وتساعده على الوفاء بالتزاماته السرية تجاه ذلك. وكان طبيعياً أن يُقيل سمير الرفاعي، امتثالاً للتعليمات البريطانية، ويأتي برجل المرحلة، وتوفيق أبو الهدى، ولم يكن طبعاً اختيار الإنكليز لأبو الهدى، في تلك المرحلة الصعبة، تنكراً منهم لخدمات سمير الرفاعي لهم، بل لأنهم يعرفون جيداً، أن توفيق أبو الهدى، هو الشخص الوحيد الذي يملك قبضة حديدية، وتجربة طويلة في قمع الحركة الوطنية الأردنية، ويستطيع إرهاب الشعب الأردني، أطول مدّة ممكنة، دون أن يرفَّ له جفن، ريثما يتمكن التحالف المذكور، من تنفيذ مخطط تقسيم فلسطين، وإلغاء الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني .

    شكَّل أبو الهدى بأمر بريطاني، حكومته السادسة،في(27 ديسمبر1947)، وأعلن كذباً، في برنامج حكومته، أن أهم مبادىء حكومته، هو: “تطبيق السياسة التي ينادي بها الشعب الأردني بأسره، فيما يتعلق بفلسطين العزيزة”، وتظاهر بالعمل من أجلها، تماشياً مع الموقف الوطني للشعب الأردني.

   والأهم من ذلك كله، ان المباحث البريطانية الرسمية، مع الملك عبدالله، استهدفت تنفيذ حل مشترك وسرِّي، للمسألة الفلسطينية، عند جلاء القوات البريطانية عن فلسطين، هذا الجلاء الذي سيترك من وجهة نظر بريطانيا، فراغاً عسكرياً وسياسياً في فلسطين، كمقدمة لقيام الكيان الصهيوني فيها، استناداً إلى قرار تقسيمها. وفي لندن تم الاتفاق السرِّي بين الطرفين، وهذا ما أكّده أبو الهدى نفسه، فبعد أن هاجم أبو الهدى زعماء الحركة الوطنية الفلسطينية، وبعد أن حرَّض(بيفن)ضدها، باعتبارها العقبة في طريق تنفيذ الاتفاق السري بينهما، قدم الاقتراح الذي حمَّله إياه الملك عبدالله، وهو: أن يدخل الجيش الأردني، بقيادة كلوب باشا فلسطين، الذي أُنيط به تنفيذ الشق العسكري من التفاق السري، عند الإعلان البريطاني عن انهاء الانتداب، بحجة حماية كل فلسطين، حسب قرار التقسيم،ويضمه إلى الأردن، دون أن يحارب اليهود إطلاقاً، وتعهد أبو الهدى في الاتفاق السري، أن يتقيد بالشروط/الأوامر الثلاثة، التي وضعها(بيفن)، وهي : ألا يحتل الجيش الأردني غزة والخليل، مع أنهما من أراضي القسم العربي، حسب قرار تقسيم فلسطين، وألا يعتدي الجيش العربي الأردني على اليهود، بأي شكل من الأشكال، وألا يحتل شبراً واحداً من القسم الذي خصصته الأمم المتحدة، بقرار التقسيم لهم،وانتهت المفاوضات بين الطرفين بهذا الاتفاق السري”، وقمنا وسلمنا بحرارة،(مباركين)، وخرجنا .

    ليس هذا فقط، بل إن توفيق أبو الهدى اقترح ” عند إتمام جلاء القوات المسلحة البريطانية عن فلسطين، تنفيذاً لقرار الأمم االمتحدة، انسحاب القوات الأردنية المرابطة في فلسطين، ثم بعد إتمام الانسحاب، يُقدّم الضباط الإنكليز الذين يقودونها استقالاتهم من قيادتها، – طبعاً( على عينك يا تاجر)- ” ويعتزلون العمل في الجيش، على أن يبقوا في البلاد”، ثم تُعلن الحكومة الأردنية قرارها، بزحف القوات الأردنية على فلسطين، بحجة تخليصها من الصهيونيين”. وأضاف أبوالهدى إلى اقتراحه/خطته، بأن القوات الأردنية،ستعمل “جاهدة على احتلال البلاد التي تقع في القسم العربي” من قرار التقسيم، وأنها ” ستتحاشى مهاجمة القرى اليهودية، وإنما ستقوم من وقت إلى آخر، بهجمات خفيفة على هذه القرى لمنع الهجمات عنها”. هذا ما أكده المستر (تشارلز كلايتون)، أحد موظفي السفارة البريطانية في القاهرة، في تقرير له، بعنوان(محادثات مع زعماء البلاد العربية – مقترحات بشأن تقسيم فلسطين)، ولمعرفة رأي الملك عبدالله في تلك المقترحات/ الخطة التي قدّمها أبو الهدى، سأل (تشارلز كلايتون)، عن رأي الملك عدالله بها فأجاب أبو الهدى، ” وهل يحق لي أن أبدي اقتراحات أو أن أتحدث باسم صاحب الجلالة، دون عرضها عليه، وموافقته عليها” كما هي.

     جاءت معاهدة عام 1948 بين النظام الأردني وبريطانيا،كإجراء تحضيري لفرض قرار تقسيم الجغرافيا الفلسطينية، بين الحركة الصهيونية والنظام الأردني بإقامة الكيان الصهيوني وإلحاق ما تبقى من الجغرافيا الفلسطينية بالنظام الأردني وقطع الطريق على إقامة الدولة الفلسطينية كما نص عليه قرار التقسيم وهو الهدف المشترك بين الحركة الصهيونية والنظام الأردني ذلك الهدف الذي قامت العلاقات بينهما على أساسه.

    اتهمت الحركة الوطنية الأردنية، نظام الحكم بالتفريط بالبلاد والعباد، وهاجمت المعاهدة التي جعلت من الأردن “مستعمرة” بريطانية ، وقامت المظاهرات المنددة بالمعاهدة والنظام، في كل أنحاء الوطن، شاجبة ومستنكرة، فعلة النظام الأردني تلك داعية إلى إلغاء المعاهدة فوراً، وكانت أعنفها مظاهرات طلاب مدرستي إربد والسلط، التي لم تهدأ رغم تهديد وزير المعارف بحكومة أبو الهدى، بمنعهم من دخول قاعات الامتحانات، إذا استمروا في مظاهراتهم، ضد المعاهدة والحكومة.

    بلغت المظاهرات الشعبية والطلابية، أشدها في مدينة اربد، حيث جرت اعتقالات واسعة، وقدّمت الشخصيات الوطنية فيها، بينهم المحامي شفيق ارشيدات، احتجاجاً إلى الملك عبدالله، عن ربط الشعب الأردني بمعاهدة لم يُدعَ للتعبير عن رأيه فيها.

 

من دولة الكيان الصهيوني في عام 1948

إلى دولة التوحش اليوم…. إلى الأمام سر…

     حطّ المشروع الصهيو استعماري على الجغرافيا الفلسطينية عام 1948 بنجاح كبير، بمساعدة النظام الرسمي العربي والتحالف استراتيجياً مع المشروع الصهيو أمريكي القديم المتجدد حتى اليوم، رغم اعتراض المشروع الناصري لهذا التحالف في خمسينيات وستينات القرن الفائت، فقد رأت الكولونيالية الأمريكية في المشروع الصهيوني منذ العدوان الثلاثي على مشروع النهوض العربي بقيادة الزعيم  الخالد جمال عبدالناصر، رأت فرص الاستثمار الكبيرة في هذا المشروع وضرورة حمايته وتوسيعه بما يخدم مستقبل الاستراتيجية الأمريكية في المشرق العربي، فكانت نكبة عام 1967، التي شكلت ضربة مميتة لمشروع النهضة والتحدي العربي، على المستوى الفكري والعسكري، وما كان للمشروع الصهيو أمريكي المتحالف مع النظام الرسمي العربي أن يستمر تحت مسميات  خادعة مظلِلة، كالديمقراطية وحقوق الانسان والشرق أوسط الجديد، دون تكريس حالة الاستلاب والتغريب للأجيال الجديدة، عنصر التغيير العربي، بعد نكبة عام 67. مهد ذلك لنكبات جديدة على مستوى الإقليم، فمن نكبة كامب ديفد إلى نكبة أوسلو إلى نكبة وادي عربة حيث تحوّل الأردن بموجبها من الدولة العازلة عن الكيان الصهيوني إلى الدولة الواصلة معه، إلى نكبة ما سُمي زوراً الربيع العربي، حيث تم استجلاب آلة التكفير والتدمير الصهيو أمريكية العربية الجديدة، وزرع دولة التوحش والتفتيت بعد أن تم هندسة زرع دولة الكيان الصهيوني عام 1948.

      ومن زرع دولة الكيان الصهيوني عام 1948 إلى محاولة زرع دولة التوحش اليوم في معظم الدول العربية من العراق إلى سوريا إلى ليبيا إلى اليمن، بأدوات عربية متصهينة نقف قوىً ومنظمات وأحزاب ونقابات وشخصيات وطنية وقومية وثقافية مشدوهين عاجزين أمام الخراب، نوصِّف ونحلِّل، دون أن نطرح رؤية استرتيجية تتمثل في مشروع عربي تحرري مقاوم، في مواجهة مشروع التوحش أو ما يسمى مشروع الشرق الأوسط الجديد أو صهيونياً الكبير.

      مشروع قومي عربي مقاوم بوصلته فلسطين، يؤمن فلسطينياً وعربياً بالرجوع إلى الميثاق القومي الفلسطيني، الذي يدعو إلى تحرير الجغرافيا الفلسطينية من بحرها إلى نهرها، والعودة عن سياسة التفريط بحقوق الشعب الفلسطيني ، وفي مقدمتها حقه بإقامة دولته الوطنية المستقلة على كامل ترابه الوطني، وعودة ملايين اللاجئين الفلسطينين إلى قراهم ومدنهم دون قيد ولا شرط فتحرير فلسطين شرط المشروع القومي التحرري الوحدوي العربي.

      فلا بد لتحقيق الوحدة الوطنية الكفاحية الفلسطينية والخروج من نفق الانقسامات والخيبات على مستوى المشروع الوطني الفلسطيني، من العودة إلى الميثاق القومي الفلسطيني اللاصق الوحيد للتوحُّد الوطني والقومي الفلسطيني والعربي، في مواجهة مخططات الاقتلاع والتوسع الصهيوني بدعم مما يسمى بالشرعية الدولية التي أقامت الكيان الصهيوني عام 1948 ، وتغذ الخطى اليوم لإقامة دولة التوحش والتدمير ، الوجه الآخر للدولة الصهيونية، وبأدوات رسمية عربية كما كان عليه الحال عام النكبة التي نُحي اليوم ذكراها الأليمة.

       فكما جمع شعار تحرير فلسطين من بحرها إلى نهرها ووحد القوى الوطنية والقومية العربية على اختلاف مشاربها الايديولوجية والسياسية منذ نكبة عام 1948، فإن شعار التسوية هو الذي قسمها وشرذمها، وزج بعض رموزها السياسية والفكرية والثقافية في ركاب البحث عن السراب متسلحاً بالوهم ومتأبطاً الخديعة والمال الحرام .

فهل حان الوقت لنستفيق ؟

وأخيراً

–         هل نحن بحاجة إلى توليد نخب سياسية وثقافية وطنية وقومية جديدة ؟ ، إما من رحم مؤسسة الحركة الوطنية والقومية أو من خارجها؟ بأدوات معرفية جديدة ورؤية قومية متجددة.

–         هل نحن بحاجة إلى تحرير العقل العربي من الجهل والوهم والخرافة ؟، بعد أن أصبحت ثقافة وسياسة الوهم هي الثقافة والسياسة الدارجة ، ولها جيش من المثقفين الذين يتسولون اليوم أمام صناديق النظام العربي والاستعمار الأمريكي الجديد باسم التمويل الأجنبي والحكومي.

–         هل نحن حيث يجب أن نكون ؟، في جبهة ثقافة المقاومة والتنوير في مواجهة ثقافة الوهم والجهل والتكفير وثقافة الخديعة والفراغ.

     علينا مسؤولية تاريخية أمام شعوبنا وأمتنا، فليس من المعقول أن ننتقل من نكبة إلى نكبة ، ونبقى عند حدود التوصيف والتحليل والهتاف والتغني بالماضي الذي ندعي أنه مجيد، إما أن نكون بحجمها أو لا نكون.