الأردن لا يُريد بل يُراد له

عادل سمارة 

تختلف وتلتقي القطريات والكيانات العربية مع الكيان الصهيوني. تختلف  من حيث الناس والأهداف والمشترك العربي والتاريخ والجغرافيا والثقافة والمصلحة المادية في الوحدة القومية أي التناقض التناحري من حيث موقف الشعب العربي، ولكنها تلتقي مع الكيان في كل من المبتدا والمنتهى.

هذا كلام ثقيل لكنه الكلام الحقيقي الوحيد وخاصة في هذه المرحلة.

فهذه القطريات والكيانات خلقها الاستعمار الغربي قبل قرن خلقها جميعها وخلق معها مولود سفاح هو الكيان الصهيوني الإشكنازي قبل قرن ناقص سنة. كان هذا هو المبتدا. واصر الاستعمار على بقاء وحفظ هذه الكيانات دون أية وحدة لأنه يعرف أن الوحدة تعني انتهاء الكيان الصهيوني، اي ان حبلا سُريا يربط الطرفين من حيث البداية والنهاية.  هذا دون ان نتتبع وثائق توثيق العلاقات السرية بين هذه الأنظمة والكيان لا سيما وان اعتراف السعودية اليوم بالكيان عبر جزيرتي تيران وصنافير لم يترك مجالا للنقاش.

الكيان الصهيوني والقطريات وخاصة الكيانات العربية ضد الوحدة تماما ومطلقا. اقصد هنا طبعا الطبقات والعائلات الحاكمة. وهو ما بينته في كتابي: “دفاعا عن دولة الوحدة” في  رد على د. محمد جابر الأنصاري الذي نشرت له مجلة المستقبل العربي الصادرة عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت  كتابا يدافع عن وحدوية الدولة القطرية! والمدهش ليس موقف الرجل بل كيف يطبع المركز الوحدوي هذا الدفاع؟

لكنني تذكرت حينها حديثا للسيد ربيع (اعتقد ربيع ربيع) من نفس المركز في القدس العربي يرد على سؤال: كيف تدعون عزمي بشارة وهو عضو كنيست؟ وكان عزمي في أعلى تجلياته القومية حينها. فكان رد ربيع: “نحن دعيناه كفيلسوف وليس كعضو كنيست”! على هذا المقياس يمكن دعوته الآن كفيلسوف حلف الناتو ايضا وليس كعضو في تحالف وهابي حتى ضد وحدة سوريا نفسها!

كثيرا ما تجادل العرب في مسألة آلية الوحدة؟ هل تتم بالطريقة البسماركية، أم تتم بالاستفتاء، أم باقليم أم كونفدرالية…الخ. وفي هذا السياق، كنت ولا زلت ممن ابتهجوا عام 1990 لتطورين:

وحدة اليمن شمالا وجنوبا (بالمناسبة اليوم يقوم الاحتلال السعودي في عدن بطرد اليمنيين من اصول شمالية). واستعادة العراق للكويت. ومسألة الكويت ليس فقط لأنها جزء من العراق تم منحها (تمليك بالمفتاح) لأسرة بدوية متخلفة ومرتبطة بالمطلق بأعداء الأمة العربية، بل لأن  الوحدة تسمح بكل شيء. طبعا كان صدام ديكتاتوراً، وربما لم يقرأ المرحلة كما يجب. ولكن ربما قرأ هو او احد فريقه بان المرحلة المقبلة هي احتلال للوطن العربي فمن الأفضل تفجير الوضع لتسجيل موقف لصالح الوحدة ولو انتحارا، لكن خطيئته الحقيقية أنه لم يستمر بعد حغر الباطن في الاندفاع إلى بطن آل سعود أي الدرعية. ربما هذا الأصح.

أما الذين خدموا الإمبريالية قصدا أو هبلا، بهجومهم على صدام ونسب كل ما يجري لاسترجاعه الكويت والحرب مع إيران، وكأنهم لم يسمعوا ابدا باتفاقية 1975 المهينة مع الشاه وضرورة التخلص منها.

أما ونحن وإيران اليوم في خندق واحد فليس هذا مجال النقاش، لكنني لا أرتاح لعرب (وطنيين وعروبيين) أصحاب الظهور المسروجة لراكب ما: كان الراكب الاتحاد السوفييتي واليوم إيران وروسيا، طبعا لا أذكر هنا مطايا امريكا وآل سعود كعملاء…الخ. الظهر المنحني ليس حليفاً. لكن من يهاجمون عراق صدام إلى درجة تبرئة امريكا وتبيان أنها اضطرت لما قامت به فيذكرونني بأحد قياديي التروتسك في الكيان (ميشيل وارشافسكي- ميكادو)  الذي جاء إلى مكتبي في  يو.ـأن.دي.بي يطلب توقيعي على بيان يساوي بين العراق وأمريكا.

 

كل كيان خطير لأنه عجز شامل:

من بين خلافاتي مع الجبهة الديمقراطية (حواتمة) حيث عملت معهم حوالي سنتنين عجافا، وهي طبعا تجربة اضطرارية وفاشلة، كانت مسألة دولة في الضفة والقطاع. ولم يكن موقف فقط لأن هذه الدويلة ستكون على حساب فلسطين المحتلة 1948، بل لأني لا أؤمن بأي كيان وخاصة لأنه سيكون عالة على الأعداء القطريين العرب والضواري الإمبريالية وحتى على الكيان الصهيوني فيكون شبهة تامة.

ولو كان النظام في الأردن عروبيا وضد الكيان الصهيوني، كما هي سوريا مثلاً،  لكنت تماما مع إعادة وحدة الضفتين. لكن النظام الأردني كان متلهفا على تورط منظمة التحرير في أوسلو ليسارع لاتفاق وادي عربة فكان كمن يحمل جثة الضفة الغربية على كتفه ولا يجد لها قبراً للتخلص منها. ومن حينها لم يعد أحد يسأل هذا النظام: لقد ضاعت الضفة من يدكم، فعلى الأقل لماذا الصلح مع الكيان، حتى لو فعلها كل الفلسطينيين؟

ولكن، طالما النظام الأردني في صلح تام مع الكيان، فما لزوم جيش كبير، وسلاح ونفقات في بلد هو الفقر بعينه؟

الإجابة على هذا السؤال الساذج هو ما يقوم به النظام الأردني اليوم. اي تحريض العشائر بين العراق وسوريا كي تحل محل داعش أو تبديل ملابس داعش بملابسها كي لا يتم تحرير المناطق الواصلة بين العراق وسوريا. ومشاركة الأردن في غرفة “موك” وفي مناورات الحكام الطائفيين السنة في تركيا العدو التاريخي حتى قبل الكيان الصهيوني وبعده أكيد،  ومعها السعودية.

طبعا الأهل في الأردن يعرفون اكثر مني ماذا فعل النظام ضد سوريا. لكن ما يفعله اليوم أخطر. ليس فقط لأنه ضد سوريا والعراق وخاصة ضد ملامح تنسيق عسكري بين الدولتين، بل ايضا لأن العمل على إقامة دولة سنية عشائرية بين العراق وسوريا يستهدف خدمة الكيان الصهيوني اساسا بمعنى انه لقطع الطريق بين إيران وسوريا والمقاومة كي تنعم دولة تسيفي ليفني بالغرام!

من جهة ثانية، من الذي يبحث عن دولة عشائر جديدة حتى لو انها ليست ضد أحد؟ هل العشائر أمة؟ قومية؟ ثقافة؟ أم كتل متخلفة يقودها شيخ نموذج التخلف  يؤمن بامريكا وليس بالله. لا يبحث عن هذا سوى العدو الغربي والصهيوني. ولذا اخترع اوباما ووزير الشرق الوسط البريطاني شعارا للسعودية هو : القومية السنية!. ولست ادري ما الذي يجمعني مع سكان إندونيسيا حيث يتم السكر والجماع والصلاة معا!

العالم وصل ما بعد الحداثة ووصل حرب النجوم، ووصل حريات حتى في بلدان راس المال تحاول محو الفوارق بين الجنسين حتى بيولوجيا، وأنتم تقيمون دولة عشائر. مشايخ عشائر يفتخرون بالتخلف والتبعية وقمع المرأة والترحيب بانماط جديدة من “ابو حنيك جلوب باشا” وطبعا نتنياهو باشا! أي داعش مع تبديل اللباس.

لكن السؤال الذي لا استطيع الإجابة عليه هو: هل هناك برلمان ، وحركة وطنية، وشخصيات وطنية في الأردن لتقوم على الأقل بمناقشة هذا الدور وطبعا رفضه. وإذا كان هذا ليس شغل هؤلاء فما هو شغلهم/ن؟ أم ان كل شيء مخصي هناك كما هو هنا! وبان الأردن لا يريد بل يُراد له كما هي الأرض المحتلة؟

خاتمة: أذكر قبل اكثر من عشر سنوات كنت مارا بالأردن، فحُجز جواز سفري على الجسر على أن اذهب لأخذه من المخابرات. ذهبت في اليوم الثاني فقال الخفير،  ارجع غدا، ورجعت يومياً حتى اليوم الثامن. فقال الضابط  نعم وصل.

قلت وهل يحتاج ثمانية ايام ليصل من الجسر إلى عمان؟ ربما أتى بسرعة صرصور.

قال: اسمع انت تعرف لماذا نطلبك؟

قلت:لا

قال انت جاسوس لليهود؟

بين ان اضحك أو انفعل، لكن دارت في ذهني اتفاقية وادي عربة، والتي بموجبها لا مشكلة حتى ان يكون المرء عميلاً. ضحكت وقلت له: لكن بشرفك هذا شكل جاسوس؟

استرخى الرجل قليلا، وقال طيب اسمع، بما انك اقتصادي، ما الحل للمشكلة الاقتصادية للأردن؟

قلت: مضى الزمن الذي كان بإمكان 10 مليون دينار من انجلترا كافية للرش على زعماء العشائر. وأمريكا لا تدفع ما يكفي الشعب فقد تكاثر.

عقدتم صلحا مع الكيان على امل الاتكاء عليه فإذا باليهود يسرقون المناشف من الفنادق ويرسلون ماء المجاري بدل الماء النقي،

الآن ليس امام الدولة سوى وضع يدها في جيوب الناس لاستخلاص ضرائب.

الحل فقط في الوحدة مع سوريا او/و العراق بما انهما قطرين لديهما إمكانيات.

اعطاني الرجل جواز السفر ومضيت إلى فندق العشرة دنانير حينها.

لكنني اليوم أكتشف أن الأردن يعمل أو يحلم بضم العراق وسوريا إليه عبر دولة القبائل. أما أنا فأقول، ومن قال لكم أن امريكا سوف تسمح لكم  للحلول محل المشايخ؟ : الله يحميكم حتى من الابتلاع السعودي. وخاصة مع الإمبراطور التنموي الحداثي محمد بن سلمان.

إيه ما اسوأ رائحة هذه المرحلة.