ملاحظات للمشروع العروبي

عادل سماره

 

الجزء الثالث

في البحث عن مخرج وبلورة مشروع وأداة

من إيجابيات لحظة الاشتباك الدائرة في الوطن العربي تكرار سؤال : ما العمل؟

سؤال منه/ها، من النفس، الرفيق، الصديق القارىء، الكاتب، والعدو أيضاً.

هل المخرج من خلال القوى الموجودة، أم من خارجها أم دمج بين بعض القديم وبين الجديد، أم مبادرات عفوية؟ أم انخراط قتالي في المقاومة في لبنان، سوريا اليمن ليبيا، فلسطين العراق الصومال الخ…؟

أم عبر الاتحادات والنقابات الشعبية للعمال والمرأة والطلبة والفلاحين؟

وفي حال تمت الإجابة على هذه الأسئلة او بعضها فكريا ونظريا وتبلور موقف ما، وأداة ما، ما هي المهام العينية التي يجب البدء بها؟ هل هي على الصعيد القومي العام أم هي أولا ضمن القطر الواحد مع تنسيق على الصعيد القومي.

لن أجتهد هنا للإجابة على هذه الأسئلة لأنها مسؤولية الجميع.

ولكنني أود الحديث باختصار عن الجبهة المعادية أي الثورة المضادة التي يدور الصراع معها، بل التي تدير الصراع ضد الوطن والناس معاً.

من نافل القول بأن العدو الخارجي هو كامل  الغرب الراسمالي الحاكم والمالك مبلورا في حكم الشركات ودورها المعولم. كما من نافل القول بان الكيان الصهيوني هو العدو في القلب. وبتعبير آخر، من لا يعتبر الغرب هذا والكيان أعداء بالمطلق، فهو خارج معادلة النضال في الوطن العربي للعرب وغير العرب من أهله. فهو في معسكر التطبيع.

لكن ما يحتاج الكشف بدقة أكبر هو العدو الداخلي ملخصا في أربعة قوى:

أولاً: الأنظمة الحاكمة  بما هي انظمة الراسمالية التابعة بتنوعاتها الريعية والكمبرادورية واقتصاد السوق الاجتماعي والطفيلية ورجال الأعمال…الخ، وخاصة انظمة الدين السياسي وقوى الدين السياسي.

 من جهة الأنظمة فهي مكشوفة الدور والوضع،  ولكن تطورات السنوات الأخيرة كشفت عن دور مضاد للأرض والوطن والناس وخاصة العروبة  تقوم به أنظمة وقوى الدين السياسي.

فالأنظمة التي تمنح الأرض للقواعد الأجنبية العدوة، وتقوم بحرب إبادة ضد بلدان عربية وخاصة الجمهوريات، تشاركها كأداة لها قوى الدين السياسي التي تقوم بما تتطلبه منها الثورة المضادة وتوكل قيادة العرب للعثماني باسم إسلام  من نوع مختلف، وتجلس في بلاط أنظمة تعترف بالكيان الصهيوني لا تختلف قطعا، عن شعار داعش التي تعلن: “دورنا اجتثاث الوطنية”. أو ما عبر عنه محمد عاكف مرشد الإخوان في مصر بقوله: “طز في مصر”. وما تتلاعب به قيادة آل سعود: ” التحالف العربي، القومية السنية…الخ”!.

ثانياً: الطابور السادس الثقافي، وهذا في حقيقة الأمر جبهة أو تحالف مضاد للثورة، يتشكل من لبراليين،  وماركسيين وقوميين وناصريين مرتدين، ورجال دين كمشايخ، ونسويات لبرالية أو راديكالية متغربنة، وما بعد حداثيين، ومثليين…الخ. وخطورة هؤلاء انهم يشكلون بمفهوم غرامشي: المثقف العضوي للثورة المضادة. فهم الذين يوضحون ويشرحون آليات الخيانة، ويسوِّقون وجه الغرب الراسمالي، ويوضحون للحاكم الجاهل أو الذي لا يقرأ ولا يكتب كبعض ملوك السعودية (الملك فهد مثلا)  أهمية وحتيمة التبعية لأمريكا والتطبيع مع الكيان الصهيوني.

ثالثاً: قادة منظمات الأنجزة: بالطبع تتداخل شخوص الأنجزة مع الطابور السادس الثقافي، ولكن من الفوارق بينهم، أن الطابور يبدو محليا، وقد يكون من حزب معين أو جامعة أي مؤسسة أكاديمية…الخ وقد يغطي نفسه بوظيفته المحلية، بينما الأنجزة هي اساسا تصنيع راسمالي غربي مقصود به اختراق المجتمع في بلدان العالم الثالث (المحيط) ومن ضمنها الوطن العربي. وإذا كانت النقابات والأحزاب والجمعيات هي دائما نبتاً محليا، حتى لو خانتها قيادات انخرطت في الطابور السادس الثقافي لأجل المال أو جينات الخيانة والنذالة، فإن الأنجزة تبدأ بل تُصنع في الخارج ويتم إيلاجها في الجسد المحلي بالحقن المالية.

ولذا، فإن الذين يدمجون منظمات الأنجزة مع المنظمات القاعدية او منظمات المجتمع الأهلي وحتى المدني إنما يقومون بذلك بشكل خبيث  أكثر مما هو بشكل ساذج أو ضعيف المعرفة والرؤية. إنهم يهدفون إعطاء جواز اختراق لهذه المنظمات  أي الأنجزة. إن العلاقة مع الأجنبي يجب ان تكون تحت مجهر التدقيق والرقابة. وإذا كان العدو الراسمالي الغربي قد نجح في تجنيد كثير من الساسة والدبلوماسيين العرب وحتى متدربي الجيوش كما هي حال السيسي في الدورات العسكرية في الغرب وهؤلاء تحت رقابة دولة ويعتاشون من وظائفهم/ن ، فهل يُعقل أن لا يقوم بتجنيد من لا تمثلهم دولة ويعتمدون في دخلهم على هذا العدو؟ ألا يكفي للفهم فورا كونه عدوا؟

والأنجزة اليوم جناحان: الغربي الراسمالي، والأنجزة النفطية العربية المتمثلة في كل ما له علاقة بأنظمة الخليج  والتي تتغطى بالدين وبالعمل االخيري…الخ. وهذه جميعا تروج للوهابية والداعشية ولا تمس لا الكيان الصهيوني ولا العدو الغربي تحت ستار الدين ويتم إغداق المال عليها بما ينسيها الدين نفسه. وهي بالطبع عدو علني لنصف المجتمع أي المرأة. ولا ادري أيهما يعادي عددا اكبر من الشعب:  العدو الراسمالي الغربي والصهيونية  أم الأنجزة النفطية.

رابعا: الإعلام. والنقطة المركزية هنا هي أن لا يكون الإعلام هو الموجه للرأي العام. تماما كما يجب ان لا تقوم لا الأنظمة ولا الأنجزة ولا الطابور السادس الثقافي، لأن هذه لا تمثل الشعب وخاصة الطبقات الشعبية وهي تتعامل مع المجتمع كأفرد أو مجموعات على طريقة ماكس فيبر، أ ي لا تتعامل لا مع الطبقة ولا مع الشعب. وإن كانت عمليا تخدم طبقة واحدة وهي البرجوازية بمختلف شرائحها الكمبرادورية والطفيلية ورجال الأعمال …الخ.

إن الإعلام المعادي هو الغذاء اليومي والسريع للطائفية، فهو يقدم مادة سهلة الهضم تسري في الجسد سريعا  كما يسري السُم. إنه يستبدل الهوية الشاملة العروبية بتناسل هويات فئوية جانبية مذهبية متغيرة ومتعصبة وجاهزة للفتك بكل من ليس من فريقها.

أما وهي كذلك، فهي دائما متخارجة أي جاهزة للتحالف والتبعية والارتباط بالأجنبي. ولا يخفى علينا دعاة الخلافة العثمانية  بينما العثمانيون في الناتو وتل ابيب، ومن تم تصنيعهم في الغرب عبر الاستشراق الإرهابي من القاعدة وحتى داعش وخراسان…الخ.

 وهنا أفصل في مستوى وأدمج في آخر بين الإعلام التقدمي وبين الإعلام العميل.

 أما الفصل فهو في ان الإعلام الوطني والقومي التقدمي يهدف خدمة القضية العروبية، بينما أدمج من باب أن لا يكون الإعلام هو قائد الراي العام سواء كان الإعلام ثوريا أم تابعا ومضاداً. أي يجب ان تقود الراي العام القوى السياسية الممثلة للطبقات.

ولكن، إذا لم يكن الإعلام والأنجزة والأنظمة والطابور السادس الثقافي، فمن الذي يجب أن يقود الراي العام ويوجهه؟

إنه الحزب. وتكون الكارثة حينما يغيب الحزب العروبي بل حزب الطبقات الشعبية في الوطن جميعه، وتطفو على  السطح حزبية ضد العروبة وضد الوطن كما هو الوضع اليوم.