لقاء طهران العسكري ….خلفيات و مفاعيل و خطط

العميد د. امين محمد حطيط

 

كانت روسيا صادقة في سعيها الى حل الازمة السورية بالطرق السلمية عبر مبااحثات سورية سورية بدعم واحتضان دولي، لانها ترى ان في حل الازمة محاصرة للإرهاب ومنعه من ان يتمدد اليها وافساد امنها القومي، وكانت روسيا تعلم ان حل الازمة لا يكون الا عن طريق حوار سوري سوري يفضي الى اتفاق يحفظ مصالح السوريين وحقوقهم الذاتية والوطنية.

و لاجل هذه الأهداف لبت روسيا الطلب السوري بتقديم مساعدة عسكرية ساهمت عند اعمالها في الميدان في توجيه ضربة مؤلمة للإرهابيين في سورية و الى ترجيح الكفة السورية بما اقنع اميركا بالذهاب الى السياسة بحثا عن مخرج يحفظ مصالحا كما تراها ، هنا اعتبرت روسيا انها حققت اهداف عملها العسكري و انها انتجت بيئة الحل السياسي ، و انها ليست بحاجة للمتابعة في الميدان و تكبد خسائر فيه طالما ان الإرهاب ترنح و ان المسار السياسي فتحت ابوابه كما تتوخى ، فاتخذت روسيا قرارا بتفليص المساعدة العسكرية الميدانية لسورية حتى لم يبق من اثر لوجودها في الميدان الا حجم لا يزيد على عشر ما كان قائما قبل القرار الذي اتخذ أيضا بالاستناد الى انتفاء الحاجة بسبب القرار الدولي بوقف الاعمال العدائية في سورية .

لكن النظرة الروسية كانت في واد والسلوك الأميركي كان في واد اخر، فبعد الرفض الأميركي المتكرر للطلب الروسي بالتعاون و التنسيق في محاربة الإرهاب في سورية والاكتفاء بالتنسيق السلبي المتمثل برسم خطوط لمنع الصدام بين الطرفين العاملين في الميدان السوري الواحد ، بعد هذا الرفض  قامت اميركا باستغلال قرار وقف الاعمال العدائية ، لإعادة تنظيم المسلحين و تمكينهم من تعزيز قدراتهم  و إعادة تجهيزهم  ثم تميكن الجماعات المسلحة من قضم بعضا من ارض سورية  ، ثم أقدمت أي اميركا على اخراج علاقتها بالقوى الكردية الحالمة بوضع و كيان خاص لها يتمتع بحد معين من الاستقلالية و الذلتية في سورية ، اخرجتها الى العلن و وضعت مخططا خبيثا للتعامل مع الوضع السوري عبر رسم خط احمر امام الجيش العربي السوري يمتد من دير الزور في الجنوب الشرقي الى عفرين في الشمال الغربي مرورا بالرقة و الباب و مارع و اعزاز و ينفتح لشمول حلب أيضا ، وتكليف “قسد” (قوات سورية الديمقراطية ) ذات الطبيعة و الاهداف الكردية بالسيطرة على المنطقة شمال هذا الخط لتكون هذه المنطقة نواة تنفيذ مشروع التقسيم في سورية باي صيغة او أسلوب  على ان يتم ذلك بدعم جوي من القوات الأميركية ، مع تعزيز بري لهذه القوى من قبل الحلف الأطلسي (تحديدا اميركا و بريطانيا و فرنسا) بنشر اكثر من 1500 جندي وضابط من هذه الدول  إضافة الى الف تركي يعملون في خطة تركية منفصلة.

وما ان بدأت اميركا في وضع خطتها الخبيثة موضع التنفيذ حتى تبين لروسيا ان حسن ظنها بأميركا لم يكن في محله، وان منطق الهدنة ووقف الاعمال القتالية بالشكل الذي نفذ كان امرا ضارا لا بل وجدت نفسها في المقابل انها وقعت ضحية خديعة أمريكية تذكر بخديعة ليبيا، ولمست ان الموقف السوري الإيراني من مجمل المشهد والسلوك الأميركي هو أكثر موضوعية. فإيران وسورية لا تثقان أصلا بأميركا، ويعملان وبشكل صريح معلن على اجتثاث الإرهاب من سورية بالعمل العسكري، دون ان يقفل ذلك الباب امام العمل على المسار السياسي. وهنا بدا الاختلاف في وجهات النظر بينهما من جهة وروسيا من جهة أخرى. لكن روسيا أدركت وبعد التصرفات الأميركية وبعد ان نفد صبرها، ان الرد لا يكون بمزيد من هدر الوقت والطلب والملاحقة للتنسيق في الميدان بين اميركا وروسيا وهو تنسيق لن يحصل، بل يكون ردا مدروسا ومحددا في الميدان بما يفشل خطة أميركا دون الصدام المباشر معها ويحفظ وحدة سورية شعبا وارضا كما تعمل إيران والحكومة السورية.

ولمواجهة المستجد ولدفع المخاطر كان اجتماع طهران العسكري الثلاثي الذي جمع وزراء الدفاع في إيران وروسيا وسورية، اجتماع تداعى اليه الأطراف الثلاثة واملته تطورات بالغة الأهمية ليس اقلها خطر دخول الحلف الأطلسي بقوات منه الى سورية ومحاولة اميركا رسم خطوط ميدانية للتقسيم، فضلا عن افتضاح منطق الهدنة واستثمارها، وقد يضاف وبشكل هامشي بسيط الاقاويل عن خلافات بين الأطراف الثلاثة (وهو ما نفاه الرئيس الأسد جملة وتفصيلا وسخر منه).

لقد شكل اجتماع طهران الثلاثي محطة مفصلية على مسار الازمة السورية و محاربة الإرهاب ، و جاء بمكانه و زمانه و مضمونه على درجة عالية من الأهمية تمكن من القول بان المجتمعين انتهوا بعد تقييم عميق للمرحلة الماضبة خاصة للاشهر الثلاثة الأخيرة أي منذ تقليص المساعدة الروسية لسورية ، انتهوا الى وضع أسس  جديدة للتنسيق العسكري الإيجابي التكاملي و توزيع المهمات  بما يعزز فعالية و إنتاجية منظومة الدفاع عن سورية المشكلة من الثلاثي المذكور و حزب الله ، بالإضافة الى قوات حليفة و رديفة أخرى تعمل في سورية ،ووضعوا الخطط الملائمة لخوض معارك ذات بعد استراتيجي و عسكري يتصل بوحدة سورية و اسقاط الخطط المعادية و الخطوط الحمر  المعتمدة فيها  ، و من هنا برزت كل من الرقة و حلب كهدفين أساسيين في التخطيط المقصود ، ما يعني ان الميدان السوري في هاتين المنطقتين سيشهد من الاعمال ما يستجيب لاهداف الحكومة السورية فيهما ، تصديقا  لوعد الرئيس الاسد بتطهيرهما من الإرهاب و استعادتهما الى كتف الدولة و جعل حلب مقبرة أحلام الطامعين.

ان من يتابع ما جرى وما صدر او ما تسرب من اجتماع طهران العسكري يدرك جيدا ان هناك أمورا كثيرة تتصل بسورية وأزمتها قد تغيرت نذكر أهمها كما يلي:

1)  الأول مسالة الهدنة حيث نجد ان زمن النفاق والخداع الأميركي من باب الهدنة قد ولى ولن تكون هناك بعد الان هدنة -خدعة بل ان أي هدنة ستكون مشروطة بأمور اربعة هي: عدم استفادة الإرهابيين من الهدنة والتزام صارم بعدم إطلاق النار، التزام صارم بعدم تحريك خطوط الانتشار على الأرض، التزام بعدم استغلال الوقت لتعزيز المواقع والقدرات، والتزام بالتوجه الجدي نحو العملية السياسية، وهذا ما كانت تنادي به سورية وإيران منذ البدء ويبدو ان الحليف السوري بعد لقاء طهران انضم اليهما في هذا الموقف.

2)  اما الامر الثاني فيبدو انه متصل بمنطق الحرب على الإرهاب، وهو كلام صريح التزمه الأطراف الثلاثة لجهة العمل على اجتثاث الإرهاب من سورية بشكل كلي والخروج من دوامة التمييز المخادع بين ارهابي معتدل وإرهابي متطرف واعتماد منطق سورية وإيران في النظرة للإرهاب الواجب الاجتثاث من كل الأرض السورية بالعمل العسكري الذي لا يرتبط باي شكل من الاشكال بالعمل على المسار السياسي وقد حدد الرئيس الأسد في خطابة الأخير امام مجلس الشعب ذلك بشكل لا لبس فيه ونرى ان اجتماع طهران أكد على الموقف السوري.

3)  اما الامر الثالث فيتصل بالعمل الميداني القريب وهو عمل بدأته سورية بشجاعة ملفتة عندما أطلقت معركة استعادة الرقة ومنطقتها وحققت في عشرة أيام إنجازا ت هامة كان قد خطط لتأمينها ورصدت أسابيع ثلاثة لإنجازها فاختصرت القوى العاملة الوقت واندفعت بثقة نحو الشرق من اثرية وباتت قاب قوسين او أدني من مدينة الطبقة ومطارها العسكري تمهيدا للإجهاز على داعش في الرقة، حيث تكاد المرحلة الأولى من المعركة تنتهي بنجاح باهر. وقد أكد اجتماع طهران بصيغة ذكية على وجوب انجاز هذه المعركة وخوض معركة حلب لتطهيرها أيضا واسقاط الخطة الأميركية التي تستهدفها وتستهدف وحدة سورية.

لد حقق اجتماع طهران التقييمي التنسيقي التخطيطي الكثير على المستوى العسكري و الاستراتيجي بين ثلاثي الدول المعنية بالدفاع عن سورية ، فهذا الاجتماع الذي جاء من اجل سورية و مصالح حلفائها ، وجه رسالة قوية للمخادعين والمراوغين، عبر فيها عن إرادة صلبة بمحاربة الإرهاب حتى اجتثاثه من كل سورية ، و بالمحافظة على وحدة سورية بالعمل العسكري المحترف الذي لا يرتبط و لا يتوقف على حراك او جمود سياسي ، و لذلك نستطيع القول ان هذا الحدث المفصلي وضع حدا للخداع و خطط للعمل الميادني المتقن التكاملي بين الأطراف المدافعة عن سورية و قطع الطريق على خطط يريد أصحابها النيل من سورية و ووحدتها و سيادتها .

:::::

“الثوة”، دمشق