بداية تفكك الاتحاد الأوروبي خدمة للبشرية

عادل سمارة

وهكذا، فإن أقدم دولة استعمارية وأقدم عدو للعرب، وأقدم من انتقل إلى الراسمالية في شكل الدولة القومية ما بعد الإقطاع وأعرق قومية عنصرية في العصر الحديث، تعود إلى الدولة القومية مجددا، فهل هذا مقبول من الشركات متعدية القومية التي امتطت الدولة او في افضل الأحوال تحالفتا.

 هي بريطانيا الخارجة من الاتحاد الأوروبي، وهي بريطانيا التي كانت الأكثر استعصاء كي تدخل ذلك الاتحاد وتحديداً كان بامر الولايات المتحدة حيث تأخر دخولها الحذر الى عام 1973،  وها هي أول الخارجين رغم إصرار الولايات المتحدة حيث زارها أوباما قبل شهرين في زيارة تسويق للبقاء في الاتحاد الأوروبي.

صحيح أن بريطانيا هي ضمن ترتيبات الاتحاد الأوروبي سواء في إلغاء الجمارك، والاتحاد الجمركي، وتنقل راس المال والعمال، والاتحاد الاقتصادي  وتنسيق كل السياسات المالية والاقتصادية والاجتماعية.

ولكن بريطانيا لم توافق على تبني العملة الأوروبية اليورو بل بقيت تعتمد الجنيه الإسترليني، ولم تدخل اتفاقية تشنجن التي تحرر حراك الناس في الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك دخلها 3 ملايين عامل من أوروبا وخاصة الشرقية، اي الفقيرة. ولا شك أن تدفق اللاجشين إلى اوروبا بتشجيع خبيث من تركيا رجَّح خبالا الانفصال.

بكلام آخر، فإن التصويت على عضوية الاتحاد تعكس تداخل المواقف بين طبقات الشعب في بريطانيا وبين القوميات فيها كذلك، وبين الأحزاب بل داخل الحزب الواحد، بمعنى ان فقراء كل حزب التقوا في موقف واحد بالضد بينما رأسماليي الحزبين الكبيرين التقوا في الاقتراع للبقاء. فقد انشق تصويت حزب المحافظين بشكل عميق بين مع وضد. وكذلك حزب العمال. وقوميا، فإن اسكتلنده التي لها سوق في اوروبا قد تخرج من المملكة المتحدة وكذلك إيرلنده. اي ان من أذاق الاتحاد الأوروبي كاس الانفصال سيذوفه في عقر داره.

 قد يساعد هذا الحديث لفهم ما جرى في بريطانيا اليوم، حيث اختلط رافضوا البقاء في الاتحاد الأوروبي يمينا ويسارا!

كما ان جيرمي كوربن زعيم حزب العمال والمفترض انه يساري كشخص دعا للتصويت لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي، لكنه قال بان تجربة الاتحاد دفعت التجمعات الفقيرة إلى الكفر بالاتحاد حيث همشتها الحكومات بتقليص الخدمات والتقشف. لذا اتهمه البعض بالافتقار للجرأة. لكن يترتب على هذا سؤالا مختلفا وهو: من اي موقف طبقي يتحدث كوربن؟ فهوزعيم حزب عمالي شكليا، وهو نفسه ليس اشتراكيا بالمعنى الحقيقي.

لقد التقى زعيم المحافظين كاميرون مع زعيم العمال كوربن في الدعوة لصالح البقاء في الاتحاد، بينما التقى فقراء الحزبين ضد البقاء حيث صوت  العاطلون عن العمل وعمال الوظيفة الجزئية بالانفصال. وكمعترضة، لا ندري عن موقف المرأة، هل تبعت الذكورية  هل كان موقفها نسذكوري، أم كان تصويتها طبقياً؟ ذلك لأن الاتحاد رغم كل المزاعم هو مؤسسة بيروقراطية تزعم انها ضد االفقر لكنها شددت قبضة بقاء البطالة والأجور المتدنية، ذلك كي تمكن الرأسمالية من المنافسة من حيث كلفة المنتجات مع بلدان أخرى الأجور فيها ضئيلة. بمعنى أن الاتحاد الأوروبي هو جزء من الصراع الراسمالي على الأجور الأدني والذي ادخل الطبقة العاملة العالمية نفسها في تنافس على الأجور الأدنى!!  وأخضع الناس لمعايير التقشف وجشع راس المال،   وهذا يهز بل ينفي مزاعم يساريين بان الاتحاد الأوروبي هو مؤسسة “أممية”.

الدولة القومية:

إذن،  الاستفتاء في بريطانيا يؤكد أنقسام اليمين واليسار ذاتيا تجاه الاتحاد الأوروبي. وهذا يعيد النقاش  مجددا إلى دور الدولة القومية والتمسك بها وخاصة في شروط الأزمة الاقتصادية. فأوروبا لم تعد الأكثر تطورا والأغنى عاالميا. هي استعمار ولكن ليست قيادته.

يجادل البعض بان البريطانيين يريدون الحفاظ على هويتهم وتراثهم…الخ من التهويمات المثالية. وهذا لا يقم على أرضية قوية، بل هو أمر تكميلي إذا ما قورن بالقضية المركزية وهي المصصالح المادية والمعيشية للبريطانيين. فمثلا، وُلدت السوق الأوروبية المشتركة إثر ازدهار  اوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية ومنها تطورت السوق إلى المجموعة الأوروبية فالاتحاد الأوروبي. وكان دخول بريطانيا في المجموعة الأوروبية عام  1973 أي في نهايات الازدهار المذكور.

لذا يمكننا القول أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يرتد إلى عام 2008 أي بداية الأزمة الاقتصادبة العالمية أكثر مما هو العودة إلى التراث القومي.

حينما كتب ستيفن هايمر في بداية السبعينات عن الشركات الكبرى المافوق قومية كان المركز الرأسمالي قد بدأ يغادر ازدهار ما بعد الحرب العالمية بل الغربية الثانية. كانت هذه الشركات إيذانا بتقليص سيادة الدولة القومية على رأس المال بمعنى أن الدولة القومية رمز السيادة بينما رأس المال رمز ما فوق تلك السيادة او بداية العولمة المعترف بها رسميا. نعم رأ سالمال معولما بالضرورة. بيت القصيد هنا، أن الشركات هذه طالما تحقق تدفق الفائض إلى البلد الأم، فلا مشكلة تواجه الدولة القومية. لكن المستفيد الأول هي الولايات المتحدة التي تركز فيها:

·       رأس المال العالمي لتصبح اقتصاد الملاذ الأخيرThe economy of the last resort

·       والقرار الإداري لراس المال العالمي ايضا.

لكن بريطانيا بقيت الأوروبي الأقرب للولايات المتحدة حيث بقي سوق لندن المالي أساسي في النظام العالمي، وبقيت بريطانيا الحليف الأول لأمريكا في تتبيع أوروبا للأخيرة.

 خلال الفنرة بين سبعينات وتسعينات القرن العشرين، اتسع دور الشركات ما فوق القومية

وانتقل النظام الراسمالي العالمي إلى مرحلة جديدة هي تصدير راس المال العامل الإنتاجي، اي تصدير صناعات إلى المحيط. اعتقد حينها البعض ان المحيط صار متطورا رأسماليا. (في بريطانيا قاد بحماسة هذا الاتجاه الشيوعي الراحل بيل وارين!) بينما في حقيقة الأمر ظل المحيط تابعا، بل تم استغلال القوة العاملة الرخيصة فيه لصالح المركز، اي كان تقسيما جديدا أو تقسيم على تقسيم  عالميا للعمل.

من ناحية رأ سالمال، لا مشكلة طالما اقصى ربح ممكن متحققاً. لكن هذا ترافقت معه سياسات نيولبرالية وحتى اليوم والتي أرغمت الدولة على الاستسلام لراس المال او ما أُسمي سياسة عدم الضبيط De-regulation حيث قلت الضرائب على الكبار وتم تاميمها أكثر أي أُلقيت على كاهل الطبقات الشعبية والى حد ما الوسطى ، وقلصت خدمات الدولة، وزادت البطالة طالما الشركات ترحل إلى المحيط بحثا عن أجور أقل ومن ثم ارتفاع معدل الربح او الحفاظ عليه.

ولكن، لكي لا نقع في وهم وجود وعي عمالي بريطاني طبقي حيث صوت العمال بعكس تحذيرات  رجال الأعمال فقد يكون صحيحاً القول أن الطبقة العاملة صوتت بعكس رأس المال. ولكن ذلك لأن التوجه القومي اليميني وطبعا المصلحي بمفهوم مادي وليس واع طبقيا، هو محرك العمال أكثر مما هو الوعي الطبقي.

ينظر البعض بحذر لهذا التوجه القومي اليميني والذي يشارك فيه كثير من اليسار. ولكن ، وإن كان هذا صحيحاً، فمرده أن اليسار ليست له رؤيته الطبقية المستقلة ناهيك عن أن حتى ما يسمى المجتمع المدني متورط في التواطؤ مع راس المال طالما يتحقق للمواطن مستوى حياة افضل ولو عبر نهب المحيط وهذا يمكن تعميمه على المجتمعات الرأسمالية المتقدمة.

ولكن هل قلق رجال الأعمال حقيقياً بمعنى هل سيؤثر خروج بريطانيا على الشركات متعدية الجنسية؟ للأمر اكثر من وجه. فليس سهلا أن يتم تراجع ما عن السياسات النيولبرالية بمعنى فرض ضرائب عالية على الشركات المتخارجة او إغرائها بالعودة إلى البلد مع فرض ضرائب مرنة عليها، وهذا يتطلب حكومة ذات توجه يساري ليست متوفرة بعد.

يشكو داعمي الخروج من وجود ثلاثة ملايين عامل اوروبي في بريطانيا بمعنى انهم يحلون محل عمالا محليين. ويجادل رافضوا الخروج بان الاتحاد الأوروبي يشغل ثلاثة ملايين بريطاني. ولكن هل يمكن مقايضة الإثنين ببعضهما؟ لكن ربما أن الأوروبيين في بريطانيا هم من الدول الأفقر في الاتحاد وبالتالي يقبلون بأجور أقل. وهنا يظهر التعصب القومي للطبقة العاملة في بريطانيا تجاه عمال البلدان الأفقر.

المهم في هذا السياق، أن رأس المال وإن خسرت شركاته الكبرى من قيمتها السوقية 100 مليار جنيه استرليني وخسارة الإسترليني 10 بالمئة ، إلا انه  لن يكون في خطر، فليس هناك ما يقيد انخراطه في البنية المعولمة لرأس المال من جهة، ومن جهة ثانية ليس سهلا ضبطه الضريبي عبر خبرته في أل Outsourcing أو العمل خارجا او إخراج الموارد، ولا أل Off shore او العمل خارج الحدود. كما أن البنية النقابية العمالية البريطانية لم تُقل من هزيمتها عام 1985 حينما كسرت تاتشر ظهر مركز النقابات اي مقابة عمال المناجم بهزيمة آرثر سكارجيل.

من جانب آخر، لن يتأثر حلف الناتو من خروج بريطانيا لأن العضوية فيه سابقة على الاتحاد الأوروبي وهو يمثل الغرب مقابل العالم باسره، اي مصالح الغرب مجسدة بالقوة العدوانية العسكرية، وهذا لا يرفضه معظم البريطانيين.فرغم أن الاتحاد الأوروبي هو مصالحة القوميات التي تذابحت في حربين رهيبتين في القرن العشرين، إلا أن توقف التذابح بينها كان لأنها خرجت هالكة من الحرب الثانية وسلمت قيادة استغلال العالم للولايات المتحدة ورضيت ان تكون أداة تابعة بدونية للسيد الأمريكي في حروبه في كل العالم لأنها تحصل على جزء من المنهوب ولو أقل من الوحش الأمريكي.

ومع ذلك، يشكل خروج بريطانيا ضربة لهيمنة الولايات المتحدة وخاصة لأن بريطانيا حليفها الأقرب، وهذ ضربة يمكن إدراجها في قائمة نقاط تراجع الهيمنة الأمريكية عالميا.

لكنه يشكل إلى حد ما تقوية لمركز المانيا في اوروبا، وهي دائما، القطب المفتترض كقائدة اقتصادية لأوروبا والمشاكس للهيمنة الأمريكية على أوروبا.

بالمقابل، فإن اي تفكك في الاتحاد الأوروبي يجعل أوروبا أكثر مرونة تجاه روسيا مما يجعل روسيا الأكثر استفادة من أوروبا غير متحدة ضد روسيا. وهذا يعيدنا إلى أطروحة لينين قبل قرن “الولايات المتحدة الأوروبية”. وهو ما لم يتردد فيليب هاموند وزير خارجية بريطانيا بأنه يوم سعيد لبوتين.

لعل الأكثر تضررا من خروج بريطانيا هي تركيا. فوراء الخروج البريطاني كما اشرنا النزعة القومية اليمينية التي تطالب بالعمالة للبريطاني وليس للاجئين أو العمال من اوروبا الفقيرة. ولا يخفى أن هذه ضربة للمتاجرة التركية الجشعة بعذابات اللاجئين السوريين والعراقيين. كما أن هذا الخروج يرمي بطلب عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي خارج الإمكان.

لا يقتصر رفض سياسات الاتحاد الأوروبي على الفقراء في بريطانيا. فما حصل من قمع وإخضاع لليونان، والتململ لدى العمال في اسبانيا وإيطاليا الذين يطالبون باستفتاء  مشابه. وربما دول أوروبا الشرقية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي هي الأكثر تخوفا على تهالك الاتحاد الوروبي.

 

وماذا عن الأثر على العرب؟   

بريطانيا جزء من الغرب الراسمالي المعادي للعرب منذ القرن السابع عشر. لذا، فإن اي ضعف لدولة أو للغرب الراسمالي عموما هو لصالح المشروع العروبي. بريطانيا وأوروبا وأمريكا وقفت وتقف مع الكيان الصهيوني. بريطانيا شاركت في كل حرب امريكية على العرب ، ضد العراق وليبيا وسوريا واليمن. هذا هو الغرب سواء من هو في الاتحاد الأوروبي او خارجه، فقبل ايام قررت النرويج المشاركة في العدوان على سوريا وهي ليست من أعضاء الاتحاد الأوروبي.

في عام 2013 قررت حكومة المحافظين البريطانية  بقيادة كاميرون دعم قيام الغرب  بالعدوان  العسكري على سوريا أي دعم الإرهابيين الذين هم دواعش  بغض النظر عن التسميات.