الشبكة العنكبوتية في خدمة الشبكة الأمنية

عادل سمارة

وزعت إدارة الفيسبوك تعليمات بانها : اختارت استخدام برمجيات تسمح بسرقة المعلومات الشخصية الخاصة باي شخص ما لم يرفض ذلك ويعترض على المبادئ التوجيهية الجديدة للفيسبوك وبموجب المادتين L.111، 112 و 113 من قانون الملكية الفكرية.

يعني هذا القرار أن من لا يعترض، فإنه يسمح  بانتهاك خصوصياته وفكره ومن ثم يمكن تشويهها وتحريفها دون أن يكون له حق المسائلة وحتى الرفض.

لكن من الخطأ الحديث عن الفيس بوك كشركة منفصلة عن السياق الراسمالي العالمي وعن سياسات الدول الغربية وخاصة امريكا.

لا بل إن تاريخ صناعة الكمبيوتر يشرح لنا الكثير من العلاقة بين الشركات والدولة في امريكا خاصة. فهذه القفزة الصناعية في تكنولوجيا المعلومات  ومنها الشبكة العنكبوتية كصناعة غير مادية ملموسة، كانت لدى الجيش الأمريكي منذ الحرب العالمية الثانية، وبعد ذلك أُعطيت لشركات خاصة.

فهل يعني هذا ان الدولة وخاصة المخابرات قد تركت هذه الشركات حرة من علاقة ما؟

الرأسماليةالغربية هي مؤسسة أمنية قبل كل شيء مهما غلفت نفسها بالديمقراطية. قد تختلف طريقة امنيتها عن أنظمة المحيط (العالم الثالث) وخاصة في أنها أكثر تاثيرا وأقل ملموسية. بل إنها تخصي الوعي الثوري بدل ان تقمعه، وبكلام غرامشي، هي الهيمنة   Hegemony بدل القمع والسيطرة Repression and Domination

حدثني استاذ اقتصاد لبناني في جامعة كندية أنه كان عام 1957 موظفا في مصرف امريكي في شيكاغو وبأن المصرف كان يقدم إلى أف.بي.آي كامل المعلومات عن كل حساب مصرفي دون استشارة أو معرفة صاحب الحساب.

وخلال دراستي في لندن في منتصف الثمانينات كتبت الصحف البريطانية بان رؤساء الجامعات هناك يقدمون تقاريرا عن الطلبة الأجانب فيها. فما الذي يمنعها من تقديم ذلك عن الطلبة الإنجليز.

ما اقصده أن كافة الشركات الإعلامية والاتصالاتية لا بد أنها في علاقة ما مع مخابرات بلدانها وربما عدة بلدان او حكومات او مخابرات لغير بلدها الأم.

وهذا يعني ان إدارة الفيس بوك دون أن تعلن ما اعلنته هي في هذا السياق منذ بدايتها، وهذا ينطبق على جوجل وتويتر…الخ. وأعتقد أن نقاشا طويلا دار حول سماح شركات من هذا القبيل للحكومات وخاصة الأمريكية بان تدخل إلى خصوصيات متعامليها.

وقد يفيد التذكير بانه قد ثبت أن مخابرات الولايات المتحدة كانت تتجسس على خصوصيات المستشارة الألمانية ميركل، ولم تجرؤ هذه الدولة الكبرى على احتجاج ذي بال، بينما مثلا، ألمانيا تشارك الحصار الاقتصادي الأورو -امريكي ضد روسيا  وتهدد بعلاقات عدوانية مع روسيا وترسل مرتزقة من جيشها إلى سوريا، وتساهم في بناء كيان كر-صهيوني في سوريا. كل هذا يثبت أن الولايات المتحدة تبيح لنفسها كي شيء، بل كل سلطة تطمح في ذلك ولكن حسب درجة العنف واللاأخلاق التي تسمح لها بها قوتها.ولذا، علينا ان نتأكد بأن لدى مخابرات الدول الغربية كافة المعلومات عن اي شخص وخاصة ألولايات المتحدة.

وإذا كان هذا الحال فما الذي يمنع إي شخص ذي موقع ما، وعلاقة ما من اختراق خصوصيات أي شخص او مؤسسة أو حزب او دولة أخرى!

وإذا كانت إدارة أل فيس بوك قد أعلنت هذا الإعلان اليوم، فما الذي يؤكد أنها لم تفعل ذلك سابقاً، أو لم يتمكن أحد من اختراق صفحات وحسابات آخرين. ولعل هذا ما يحصل مع كثيرين، كما مع كاتب هذه السطور، من اختراقات تحت مسميات هاكرز، سواء بتخريب الحساب أو زج معلومات كاذبة أو صور إباحية…الخ. ومن يدري من وراء ذلك، اشخاص أم أجهزة أم تعاون أجهزة.

ما الذي يمنع مهرة في مجال الاختراق التقني من سرقة معلومات شخصية او دولانية وبيعها أو الابتزاز من خلالها؟

هناك مستوى أهم من كل ما ذكر، فنحن في الوطن العربي عرضة لاستهداف غربي منذ المرحلة الميركنتيلية Mercantilism في القرن السابع عشر والاستهداف والعدوان  الصهيوني منذ 1897 على الأقل، والعدوان الوهابي الإرهابي منذ تأسيس الإنجليز والأمريكان لحكم آل سعود وما تبعهم من أنظمة عدوة للعروبة والإنسانية ومخترقة للإسلام نفسه وبإسمه.

أمام هذا الوضع العدواني المعقد، ما الذي يمنع شركات الميديا الغربية بما فيها الشبكات العنكبوتية من تسهيل اختراق مجتمعنا لصالح أية دولة عدوة وهن كثيرات!

لقد فرضت هذه الشبكات نفسها على مختلف المجتمعات، ولم يعد للناس غنى عنها. ولكن هذا يجب ان يزيد من الحرص والدقة في التعاطي معها.

إن تغيرات هائلة تحصل في العالم بناء على ذلك، فقد طغى النشر الإلكتروني على الورقي. ولعل المفارقة أن النشر الإلكتروني قد كسر احتكار النشر الورقي او الإذاعي…الخ حيث كان مالكوا او ميديروا هذه المؤسسات مثابة ديكتاتورات ضد اي رأي لا ينخُّ لهم. ولكن بالمقابل فإن الشبكة العنكبوتية حولت كل شخص إلى مخبر عن نفسه.

ومن جهة ثانية، فإن هذه الأجهزة الصغيرة التي تصلك بالعالم باسره هي نفسها مثابة:

·        جاسوس عليك برغبتك وعدم انتباهك

·        وهي جهاز أمني يسجنك بعيدا عن الناس برغبتك.

بتوفر الأجهزة الصغيرة هذه وطاقتها او تسهيلها للتواصل يصبح الإنسان سجينا لديها لا يتواصل اجتماعيا مما يقلل الروح والحميمية الإنسانية.

لعل الأخطر أن هذه الشبكات تعزز فردية الفرد فلا يعود راغبا ولا حتى قادرا على التواصل الاحتجاجي الاجتماعي والسياسي والطبقي طبعاً، اي انها مضادة للثورة بلا مواربة.

ربما أن مخاطر كهذه مفيدة  في إعادة الاعتبار للكتابة الورقية من حيث هي وثائق يصعب تزويرها ومن حيث هي كذلك الأكثر فائدة للوعي.