د. رفعت بدوي*
نحن بحاجة إلى انتفاضة عارمة تؤدي الى اجراء عملية نقد ذاتي بناء تبدأ بتجدد الفكر لاسنتهاض مفاهيم القيم الفكرية والاخلاقية والانسانية الرفيعة والعقيدة الوطنية الخالصة الصافية من اية مصالح
نحن بحاجة الى انتفاضة عارمة تؤدي الى اجراء عملية نقد ذاتي بناء.
في ذروة الأحداث المتراكمة والمتتالية العسكرية منها والسياسية والعقائدية والفكرية والاجتماعية والانسانية والاخلاقية نجد انفسنا مع اصحاب الفكر من النخب، اضافة الى مراكز الدراسات، نقف عاجزين غير قادرين على انتاج الحلول لازمات هدامة لاكثر من سبع سنوات متتالية تحدق بنا من كل حدب وصوب وعلى كافة الاصعدة، ادت الى زهق ارواح اكثر من نصف مليون انسان في الوطن العربي وبابشع انواع الاجرام.
نحن بحاجة الى انتفاضة عارمة تؤدي الى اجراء عملية نقد ذاتي بناء تبدأ بتجدد الفكر لاسنتهاض مفاهيم القيم الفكرية والاخلاقية والانسانية الرفيعة والعقيدة الوطنية الخالصة الصافية من اية مصالح، حزبية كانت ام شخصية، خارج مفاهيم الدين بكل اشكالاته المتجذرة في نفوسنا وعقولنا منذ قرون خلت، ممسكين بطرفي المظلومية والاحقية ننصب الحواجز لعرقلة مبدأ الفهم والتفهم لذنب لم يكن لنا ضلع فيه، نسهم في وقف الزمن متخلفين عن الاعتراف الحقيقي بان استحضار تلك الحقبة من الخلافات الدينية التي ما برح اصحاب العقول الخبيثة من تسعيرها بنبش الغرائز عند الحاجة بهدف التجييش وتشتيت افكارنا عن مسيرة التقدم والنمو الذي نفتقد منذ زمن ولم نزل، مع ان القادم ينبئ بالمزيد.
استطيع القول وبكل امانة، ان الخروج عن تلك المفاهيم ادى الى سقوطنا جميعاً في امتحان الانسانية والاخلاق والمبادئ، والدليل ان الحروب التي تدور رحاها على ارض وطننا العربي، اضافة للفساد المستشري على كافة الاصعدة، منها الثقافي والفكري والاعلامي والاداري والمالي والقضائي والاجتماعي، في اباحة المحظورات والممنوعات، اضافة الى المتاجرة بارواح الناس البسطاء وسرقة الاموال العامة، ناهيك عن ضعف الانتماء والوطني الحقيقي، وهذا ما ادى الى كشف عوراتنا وتفكيرنا البالي والمترهل المليئ بالفساد والعسس المعشعش في نفوسنا الضغيفة باستحضار الماضي والتوقف عن المضي نحو المستقبل.
استطيع القول ان كل الاسقف والخطوط الحمراء الممنوع تجاوزها في مفهوم الانسانية تم خرقها، كما جرى تعطيل الضمير الانساني عن العمل وادخاله في حال من الغيبوبة، وفي كثير من الاحيان جرى العمل على الغائه من الذات ولم يعد هناك من وازع ولا رادع ولا شفقة ولا رحمة في سبيل تحقيق المصلحة، حتى لو كانت تلك المصلحة تؤدي للاضرار بالناس ومصالحها وتشتيتها وتهجيرها عن موطنها او حتى ازهاق ارواحها.
ان معظم من اصابهم السقوط في انعدام الانسانية والاخلاق والتخلي عن المبادئ هم من اصحاب النخب الفكرية والثقافية والفصائل الدينية والعقائدية اضافة الى الطبقة الثرية او الحديثة الثراء.اما النخب القومية العربية العلمانية المترفعة فوق المفاهيم الضيقة للدين، المؤمنة حقاً بان الدين لله الواحد والوطن للجميع، هم الذين بقوا على ثباتهم وقناعاتهم الفكرية والعقائدية والثقافية على عكس الكثير ممن استعملوا الدين غطاءً او مطية لبلوغ اهداف معينة لتحقيق نفوذ سياسي او لسعي للفوز بمراكز السلطة.
ان المال السياسي فاسد ومفسد، والساعي لمنصب سياسي عن طريق شراء الذمم فانه هالك اخلاقيا وعقائديا وانسانيا ومن السهل عليه التخلي عن القيم والمبادئ مفتقدا للحس الوطني مهما بلغ من ثروة مالية او فكرية.
لقد بتنا نعيش في زمنٍ لا تحكمه ضوابط ولا شريعة، حتى ان الغاب اضحى افضل من حالنا لأن في الغابة شريعة فطرية متفقاً عليها بين جميع مكونات الغابة بأن المفترس لا يفترس ابناء جلدته حتى لو كان جائعاً، أما نحن ابناء البشر المنسوبين للانسانية نتسابق في افتراس الانسانية في كل لحظة وافتراس بعضنا البعض وبدون رحمة. لقد اصبح الانتماء الوطني ترفاً والاعتراف بالعدو الغاصب والمحتل وجهة نظر، وصار الدفاع عن الحق العربي والاسلامي من الكبائر التي لا تغتفر.
اما مقاومة العدو الغاصب فهو ارهاب موصوف، كما ان الثابت على المبادئ والقيم المطالب بالحقوق العربية الرافض للاستسلام لاعداء الامة العربية فان المؤامرةعلى خلعه او قتله هي من اولى الاوائل لا يتقدمها شئ. انه انقلاب المفاهيم والقيم واضمحلالها بل وانفلاتها من ضوابطها.
ان استرجاع الحقوق والمقدسات العربية والاسلامية ورفع الظلم والاحتلال عن فلسطين لا يمكن تحقيقه من منطلق ومنظور اسلامي بحت. وحتى لا نضيع في دهاليز الدين ولا ندخل في حروب مذهبية مستعرة لا يعرف مداها الا الله، والتي لن يستفيد منها الا اعداء الامة، وحتى لا نفسح في المجال اكثر فاكثر امام تحقيق اهداف الغرب في ادخالنا والهائنا بحروب مذهبية تؤدي الى تمزيق مجتمعاتنا وهدر طاقاتنا وثرواتنا..
نحن بحاجة لاعادة اطلاق برنامج جديد وفكر متقدم للقومية العربية يتماشى مع تسلسل الاحداث الدائرة لوقف المزيد من التدهور في الانتماء، واهدار الدماء والطاقات وتمزيق المجتمعات وتفتيت الاوطان العربية، لتكون القومية العربية بكل اطيافها خارج المفهوم الديني الضيق والمتزمت، العنوان والمظلة التي ينضوي ويتفيئ تحتها ومن خلالها تستمد كل المكونات العربية المقاومة الرافضة لكل اشكال الهوان والاستسلام القوة والثبات والصمود حفاظاً على الامتين العربية والاسلامية من التيه والضياع. وان لم نفعل فان القادم من الايام والتاريخ سيكون صعباً علينا واشد ايلاماً على الاصعدة الفكرية والعقائدية والاجتماعية.
* باحث ومحاضر في الشؤون الإقليمية. مستشار رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سليم الحص. عضو المجلس الشرعي الإسلامي سابقاً.
:::::
المصدر: الميادين نت